اطروحات مرئية ومسموعة ومقروءة تتناول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - باتهامات كبيرة. انها تحاول جاهدةً إلقاء التبعة في نشوء التطرف والغلو والعنف عليها، ولم يكن هذا بجديد في وسائل النيل من هذه الدعوة والقدح فيها، فقد سبقت جنود حربية وفكرية ومذهبية للقضاء عليها، فتكسرت سهامهم على اسوارها المنيعة، وبقيت ليرى العالم انها دعوة صدق تفي بحاجات اهلها، وتواكب العصر الذي تعيش فيه، ولا اراني بحاجة الى سرد نصوص كتبها المنصفون في الثناء على الدعوة باعتبارات متعددة، من أهمها يدها الكبرى على الامة الاسلامية في انقاذها من التخلف المتمثل في الشرك بالله والاعتقاد في الجمادات والقبور، وفتحها باب الاجتهاد والتحقيق في المسائل الشرعية، والوفاء بحاجات المجتمعات الاسلامية في النوازل المعاصرة في سائر ابواب الفقه، فتلك نصوص سطرها علماء وادباء ومؤرخون من المسلمين وغير المسلمين، اشتهر امرها، وذاع صيتها، ككتاب الجبرتي في «تاريخ مصر» وليس الجبرتي وهابياً ولا نجدياً ولا حنبلياً، وانما كان حنفياً مصرياً، وككتابة طه حسين في مجلة «الهلال» المصرية عدد مارس سنة 1933م بعنوان:« الحياة الادبية في جزيرة العرب» ومحمد كرد علي في مجلة «المقتطف» سنة 1901م بعنوان:« اصل الوهابية» وغيرهم كثير، لكني اجدني بحاجة ماسة الى مخاطبة بعض ابناء هذا البلد الذي رعى هذه الدعوة، وقام على اساسها، ممن كتبت اقلامهم في صحفنا اليومية مقالات تضم صوتها الى اعداء هذه الدعوة سواء من الفرق الضالة في الاسلام، او من الصهيونية المتميزة غيظاً على الوجود الصحيح للاسلام والوجه الحقيقي له، فتلك الكتابات فيها خبط وخلط عجيب، تنم عن مكر او جهل يشقى به اصحابها.
فالذين يصرخون بأن كتب محمد بن عبدالوهاب وتلامذته هي منشأ هذه الافكار العنيفة، لا يخفى عليهم ان اعتماد الجماعات الاسلامية المنحرفة في باب التكفير والجهاد على كلام عالم لا يعني ان هذا العالم يوافقهم، كما انهم عندما يحتجون على ضلالهم بكتاب الله عز وجل لا يعني ذلك ان كتاب الله يؤيدهم.
وبيان ذلك: ان هذه الجماعات انتقت من كلام الشيخ وابنائه وتلامذته ما يظنون انه يوافقهم، وعندما نورد عليهم كلام الشيخ ومدرسته فيما ينقض ما فهموه، يردونه ولا يقبلونه، وعندي مثالان تاريخيان يفصحان عن ذلك:
أ- قدم فارسيان من «ايران» الى بلد «الاحساء» فأقاما بها وفي سنة 1264هـ اعتزلا الجمعة والجماعة، وكفروا المسلمين في الاحساء وحجتهم: ان الشيخ ابن فيروز كافر، واهل الاحساء يخالطونه ولا يكفرونه، فهم كفار. فرفع امرهم الى قاضي الاحساء الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، قال الشيخ:« فأحضرتهم وتهددتهم، وأغلظت لهم القول. فزعموا اولاً انهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وان رسائله عندهم» ا.هـ فانظر - رعاك الله - الى هذين الدخيلين على الدعوة واهلها، لقد نسبا باطلهما الى دعوة الشيخ مستغلين الخلاف بينه وبين ابن فيروز، لكن ماهو موقف علماء الدعوة من هذه الجناية، استمع الى الشيخ عبداللطيف هو يواصل الحديث عن المذكورين، قال:« فكشفت شبهتهم، وأدحضت حجة ضلالتهم بما حضرني في المجلس. واخبرتهم ببراءة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من هذا المعتقد والمذهب، وانه لا يكفر الا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الاكبر، والكفر بآيات الله ورسوله، او بشيء منها، بعد قيام الحجة، وبلوغها المعتبر» ا.هـ هذا نص قاطع اذا وقف عليه من يرجو الله واليوم الآخر علم علماً جازماً ان ابن عبدالوهاب ومدرسته براء مما يفتري المفترون، وإن تعلق اهل الغلو بكلمات للشيخ دون فهمها الفهم الصحيح، لخدمة آرائهم جناية، وتأييد باطلهم جناية، وتهمة قديمتان، وجد علماء الدعوة اذى وبلاءً منهما، يقول الشيخ عبداللطيف مواصلاً حديثه عن هذه البلية وعن هذا الجسم الغريب على الدعوة واهلها:« وقد اظهر الفارسيان المذكوران التوبة والندم، وزعما ان الحق ظهر لهما. ثم لحقا بالساحل - اي عمان - ودعا الى تلك المقالة وبلغنا عنهما تكفير ائمة المسلمين - اي عمان - بمكاتبة الملوك المصريين، بل كفروا من خالط من كاتبهم من مشايخ المسلمين، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، والحور بعد الكور» ا.هـ فتأمل - ايها المنصف - فيما جرى لإمام المسلمين فيصل بن تركي آل سعود، آنذاك من تكفير، وما جرى لعلماء الدعوة - ايضاً - من تكفير، فكيف يقول من عرف هذا ان دعوة الشيخ محمد، ومدرسته هي التي أفرزت الافكار المنحرفة في التكفير والجهاد .
«هذا والله بهتان عظيم».
ثم يستمر الشيخ عبداللطيف في تقريع رجل اسمه: عبدالعزيز الخطيب وجماعته عندما سلكوا مسلك الفارسيين السابقين، فيقول:« وقد بلغنا عنكم نحو من هذا وخضتم في مسائل من هذا الباب، فالكلام في الموالاة والمعاداة، والمصالحة والمكاتبات، وبذل الأموال والهدايا، ونحو ذلك من مقالة أهل الشرك والضلالات، والحكم بغير ما أنزل الله عند البوادي ونحوهم من الجفاة» ثم قال الشيخ عن هذه القضايا الكبيرة، الواجب أن «لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الالباب، ومن رزق الفهم عن الله وأوتي الحكمة وفصل الخطاب» اهـ. فهذا هو المثل الأول، لم نسمع أحداً من أصحاب تلك الاقلام المحمومة يذكره.
فهم انما يرددون كلام الأعداء القديم، دون تحريرٍ أو، إنصاف { وّسّيّعًلّمٍ الذٌينّ ظّلّمٍوا أّيَّ مٍنقّلّبُ يّنقّلٌبٍونّ} .
ب- «الإخوان» في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله- تعالى- ظهرت منهم انحرافات في مسائل التكفير والتفسيق والتبديع والهجر، ونسبوا ذلك إلى كتابات للشيخ محمد بن عبدالوهاب، فانتصب العلماء آنذاك إلى الرد عليهم، وبراءة الشيخ محمد بن عبدالوهاب منهم، ومن دعواهم، من هؤلاء العلماء الشيخ سليمان بن سحمان في عدة مؤلفات من أبرزها «منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع» وهو كتاب حافل بتقرير ما نحن فيه، ومن نماذج ما ذكره في شأن بعض أهل البادية الذين جاءهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب فهم لا يعرفون شيئاً عن الاسلام حتى اسمه، فدعاهم وعلمهم وبين لهم أن ماهم فيه قبل كفر فقام «الإخوان» وأخذوا كلام الشيخ محمد في هؤلاء قبل اسلامهم وجعلوه في البادية الذين هم من المسلمين على عهد الملك عبدالعزيز فيقول الشيخ ابن سحمان:«إن كلام الشيخ الذي تقرؤونه على الناس في قومٍ كفار ليس معهم من الإسلام شيء، وذلك قبل أن يدخلوا في الإسلام، ويلتزموا شرائعه.
وأما بعد دخولهم في الإسلام فلا يقول ذلك فيهم إلا من هو أضل من حمار أهله، وأقلهم ديناً وورعاً، ومقالته هذه أخبث من مقالة الخوارج الذين يكفرون بالذنوب وهؤلاء - أي الإخوان- يكفرونهم بمحض الإسلام» ا.هـ فهذه جماعات سالفة وضعت كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب في غير موضعه، وقام علماء الدعوة في مراحل، زمنية متفاوتة بالرد عليهم، وبيان ضلالهم في فهم كلام الشيخ، وكذبهم عليه، فهل يبقى بعد ذلك أدنى شبهة في براءة الشيخ منهم، ومباينته لهم، فلم هذه المخادعة؟.
- أيها الكتاب- أهذا حق العلماء عندكم؟ أهذا حق الامانة عندكم؟ أهذا جزاء الفضل؟ اللهم اهدهم إلى سواء السبيل.
( * ) عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض
|