من المصادر المهمة لكتابة التاريخ العربي في البلدان العربية عامة، وفيما يخص منطقة شبه الجزيرة العربية، فإن الصحف التي كانت تصدر في صنعاء باليمن، ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة في منطقة الحجاز، وقد درست بعض تلك الصحف من قبل أساتذة متخصصين في الأدب استفادوا من محتوياتها في كشف جوانب الأدب في المنطقة من مثل الدكتور محمد الشامخ والدكتور منصور الحازمي وغيرهم، إلا أن الاستفادة منها في الجانب التاريخي تعد في مستوى منخفض ومتدن إذ قلما يرجع إليها أو تدرس دراسة مستقلة تبين أهميتها كمصدر تاريخي.
والقول بأهميتها التاريخية لا يعني صدق ما كانت تورده إذ المعروف أن بعض الأخبار التي كانت تنشر في تلك الصحف كانت تنطلق من منطلق دعائي أو بغرض بث الإشاعات في جانب القوى الأخرى التي تعادي الجهة التي تصدرها.
إلا أن الأمر الحتمي أن تلك الصحف حملت أخباراً اجتماعية واقتصادية وسياسية غاية في الأهمية، ولا يمكن بحال من الأحوال تجاوزها أو عدم الاستفادة منها.
ففي حالة الكتابة عن الوضع في مكة في الفترة العثمانية، ثم في فترة الإشراف فإن جريدة مثل «حجاز» مهمة للمتابع وضرورية جداً لمن يبحث في الأوضاع التعليمية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي الفترة التي شهدت الصراع بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين بن علي ثم ابنه علي بن الحسين، فإن جرائد مثل القبلة وأم القرى وبريد الحجاز تقدم لنا صوراً قد لا نجدها في مصادر أخرى.
وإلى جانب ما سبق فإن تلك الجرائد تقدم لنا مادة ثرية عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من خلال ما كان ينشر فيها من أخبار وإعلانات.
وهناك جانب آخر مهم للدراسة في تلك الصحف، وهي اللغة المكتوبة، فمن يقرأ فيها سيجد تعابير ومصطلحات تختلف عن التعابير والمصطلحات المستخدمة في الصحف اليوم.. وعليه فإن دراسة صحف منطقة الجزيرة العربية مثل توحيد المملكة تعد وسيلة مهمة لتتبع تاريخها في فترة تقل فيها المصادر المتاحة والكاشفة للأحداث، ولعل عدم توافر أكثر تلك الصحف للباحثين هو ما غيب دورها وأدى إلى تجاوزها في البحث العلمي في كثير من الأحيان.
وللكاتبة تجربة طيبة في دراسة جريدة «بريد الحجاز» التي كانت تصدر في جدة أثناء حصار الملك عبدالعزيز لها، وقفت من خلالها على كثير من المعلومات التي تبين الحالة العامة في جدة، والكيفية التي كان الشريف علي بن الحسين يسيِّر عليها الأوضاع، وما كان عليه وضع الناس صحياً واجتماعياً واقتصادياً.
والمؤمل أن تتيح الجهات المعنية بالبحث العلمي في المملكة مثل تلك الصحف للباحثين لدراستها والاستفادة من محتوياتها.
|