ما زلتُ أرى أنَّ الصُّحف والمجلات التي تصدر في عالمنا الإسلامي مقصِّرة في أداء رسالتها الإسلامية المنتظرة منها، وكأنَّ هذه الرسالة «بشموليتها» بعيدةٌ عن أذهان بعض القائمين على تلك الصحف والمجلات، وبعض الكاتبين والمحررين فيها، وهذه مشكلةٌ ربما تستحق أنْ تُسمَّى «معضلة»، خاصةً حينما يُصدم القارئ بما يخالف غايات الرسالة الإسلامية المنتظرة، حيث يتجاوز الأمر التقصير في أداء تلك الرسالة، إلى مصادمتها، ومعارضتها بالكلمة، والخبر، والرسم الكاريكاتوري، والصُّور النسائية «ذات الزوايا والأبعاد المختلفة»، بل بالعنوان الكبير الذي يتصدر عناوين الصفحات الأولى أحياناً.
يمكن أنْ نتوقع رؤية كلمة نابيةٍ، غير منضبطة «شرعياً»، في صحيفةٍ نعرف أنها ذات توجُّه «لا ديني» أو «يساري»، أو غير ذلك من التوجهات، أما أنْ نرى ذلك في صحف تتصدَّرها كلمة «بسم الله الرحمن الرحيم»، وتصدر في بلادٍ إسلامية، لمخاطبة قارئ مسلم، فهنا تكمن المشكلة، التي يمكن أنْ نسمّيها معضلة.حينما رأيت رسماً كاريكاتورياً في إحدى الصحف يوضِّح راسمُه «المسلم» ارتباط الإرهاب والإرجاف والتفجير والاعتداء بمجلس علمٍ شرعي، شعرت أنَّ الصحافة في عالمنا الإسلامي بحاجة إلى مراجعة صحيحة لحقيقة رسالتها الإعلامية وفق «ضوابط الشرع الإسلامي الكامل الشامل»، بحيث تحرص على احترام التصوُّر الإسلامي، الذي تُعدَّ مخالفتُه، ومناقضتُه خللاً يحتاج إلى معالجة وتصحيح.وحينما رأيت صحيفة مسلمة تصدر في بلدٍ مسلم تضع عنوان صفحتها الأولى جملةً مخالفة للشرع، علمتُ أنَّ المشكلة تتفاقم وأنَّ مراجعة الغيورين من أصحاب هذه الصحف لهذا الأمر أصبحت مطلباً ملحاً حتى تتمكن الصحافة المسلمة من أداء دورها الصحفي «المستقيم»، في الساحة الصحفية العالمية.
«غَدْر الطبيعة» هذا عنوان بارز في صفحة أولى من إحدى الصحف، وهو عنوان يتحدَّث موضوعه عن «زلزال الجزائر» الأخير، لقد صدمتني هذه الجملة، وجعلتني أشعر بمدى التقصير في بناء شخصية الصحفي المسلم الذي يقف عند حدود شرعنا الكريم.
لقد قرأنا لكتَّاب وشعراء لا دينيين «علمانيين»، ويساريين، ووجوديين وغيرهم هذه العبارة وأمثالها منذ زمنٍ بعيد، وكنَّا نستنكر على أولئك أن يستخدموا في كتاباتهم مثل هذه العبارات المتعلقة بسبِّ الطبيعة، والزمان، والدهر، والأيام، أو إسناد الأفعال إليها كقولهم، لم تخلق الطبيعة أجمل من هذا، وغدرت الأيام بفلان، وغدرت به الطبيعة، وما شابهها، وكنَّا وما زلنا نعزو ذلك إلى خللٍ في فهم «العقيدة الإسلامية الصافية»، وخللٍ في الرؤية الإسلامية، ونقصٍ كبير في المعرفة الشرعية، ولكنَّ ذلك كلَّه يصبح في كفَّة، واستخدام صحيفة مسلمة لهذه الكلمات وما شابهها في كَفّةٍ أخرى.
كيف تمرُّ هذه الكلمة من بين أيدي القائمين على تحرير تلك الصحيفة، وتفوت على المراقب الديني فيها وتخرج عنواناً كبيراً في صفحتها الأولى.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدَّهر، وفي رواية: يسب الدهر، فلا يقولنَّ: يا خيبة الدهر فإني أنا الدَّهر، أقلِّب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما» رواه البخاري ومسلم، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق آخر: «لا تسبُّوا الدَّهر، فإنَّ الله عز وجل قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي، أجدِّدها وأُبليها، وآتي بملوكٍ بعد ملوك».
وهل الطبيعة بمظاهرها الزمانية والمكانية إلا الدّهر، إنَّ الطبيعة لا تقدِّر الكوارث والزلازل، وإنما يقدِّرها الله عز وجل، وهذه معلومة دينية معروفة لدى صغارنا فكيف تفوت على الكبار.يا صحافة عالمنا الإسلامي: لكِ رسالة منتظرة عالمياً، تحوزين بها قصب السَّبْق الصحفي فمتى يشعر القارئ المسلم بذلك ويسعد به؟
إشارة:
لا تلوموا الزمان يا قادةَ الفكرِ
فلوم الزمان أمرٌ خطيرُ
|
|