حلقات كتبها وصورها حمّاد بن حامد السالمي
الى الشمال من الطائف، وعلى بعد 70 كيلاً منه، تقع بلدة «عُشيرة»، التي نستطلعها اليوم في هذه الحلقة.
إن عُشيرة، هي هبة وادي العقيق إن صح التعبير، أو هي هبة الرحلات الملكية بين الحجاز ونجد على مدى عشرين عاماً، بين عامي 1343هـ و1363هـ.
في العام 1343ه، وصلها الملك عبدالعزيز رحمه الله في طريقه للحج بعد استسلام الطائف، ومن ثم مكة المكرمة، ثم نُصب له مخيم ملكي بطرف وادي العقيق، وحفرت خمس آبار أصبحت فيما بعد مورداً للبادية. وظل هذا المخيم يستقبل الملك عبدالعزيز وحاشيته في الرحلات البرية ذهاباً وإياباً سنوياً حتى ظهور الطائرة في سماء المملكة وركوبه لها عام 1364ه.
ميلاد عشيرة
قبل ثمانين عاماً مضت، لم تذكر عشيرة كحاضرة.. إن ميلادها هو مع ميلاد المملكة. فقد أصبحت بعد العام 1343هـ قبلة للبادية الذين استفادوا من مياه الآبار مع حرصهم على مشاهدة الملك عبدالعزيز ومقابلته.
عندما دخلتها صباحاً، رأيت شوارع واسعة ومتاجر وعمراناً وحركة دائبة، وأدركت إصرار هذه البلدة على اللحاق بركب المدن، رغم كل الظروف التي من أهمها، ندرة مياه الشرب.
مع ابن حميد
دخلت المركز الإداري، والتقيت الأستاذ عبدالرحمن بن سلطان بن حميد رئيس المركز الذي أمدني بكثير من المعلومات المهمة عن هذا المركز الذي أسس عام 1365هـ، وتعاقب على إدارته كل من: عبدالله الشايع، ومحمد بن مجفل، وعبدالله بن محمد بن مجفل، وزيد بن محمد المهنا، ثم عبدالرحمن بن سلطان بن حميد..
ومن مقر المركز، انطلقت صحبة الأخ علي بن عالي المقاطي، في جولة شملت متنزه مخيم الملك عبدالعزيز، ومحمية عشيرة، ووادي العقيق، والمزارع والقرى في عشيرة.
ياذا العشيرة..؟
يعود اسم عُشيرة في الغالب الى شجر العشر الذي يغطي واديها. فعشيرة تصغير من عُشَرة، واحدة العشر. ووادي العقيق يكتظ بالعشر على طوله البالغ 140 كيلاً من الطائف حتى حدود المدينة، وهو من أكبر وأطول أودية الحجاز، وله ذكر في تاريخ العرب واشعارها. ومن ذلك، ان دريداً بن الصمة، خطب الخنساء الشاعرة فرفضته. فقال:
لمن طلل بذات الخمس أمس
عفا بين العقيق فبطن خرس
ومن رثاء الخنساء في أخيها:
وقولي إن خير بني سليم
وأكرمهم بصحراء العقيق
وفي شعر لأبي وجزة السعدي ذكر له. قال:
يا صاحبي أنظرا هل تؤنسان لنا
بين العقيق وأوطاس بأحداج
قال الشافعي: لو أهلوا من العقيق كان أحب إلي، يعني الحُجَّاج قبل ذات عرق.
قال جرير:
إذا ما جعلت السّيّى بيني وبينها
وحرة ليلى والعقيق اليمانيا
ومن قول لعباس بن مرداس يذكر عقيق عشيرة:
خفافية بطن العقيق مصيفها
وتحتل في البادين وجرة والعرفا
وانظر المزيد في كتابي: «المعجم الجغرافي لمحافظة الطائف» مادة «العقيق».
أما عُشيرة، فاسمها قديم على ما يبدو، بدليل ذكرها في شعر لعروة بن أذينه. قال:
يا ذا العشيرة قد هجت الغداة لنا
شوقاً وذكرتنا أيامك الأولا
ما كان أحسن فيك العيش مؤتنقاً
غَضّا وأطيب في آصالك الأصلا
انظر كتابي سالف الذكر. مادة «عشيرة».
سكان عشيرة وقراها
يبلغ عدد سكان عشيرة اليوم قرابة 10 الاف نسمة يعملون في الوظائف وفي التجارة والزراعة وتربية المواشي. وعدد الطلاب والطالبات 2200 طالب وطالبة في 8 مدارس للمراحل الثلاث، إضافة الى دار للقرآن والسنة للنساء، مشروع خيري لوالدة الأمير ثامر بن عبدالعزيز فيه 30 طالبة. ومدرسة لمحو الأمية.
أما أكبر قرى عشيرة فهي: العطيف القرشيات مخططات القثمة الشعرية اللسنة أم عشاش العاينة العزيزية العيانة.
مرافق وخدمات
يخدم سكان عشيرة اليوم، جمعية للبر ومركز دعوة ومركز إشراف تربوي، ومركز شرطة، ومركز دفاع مدني، وفرع بلدية للنظافة، ومستوصف، وهيئة للأمر بالمعروف، وفرع مواصلات، وبريد، ومتنزه حديث، إضافة الى المركز الإداري وتشغيل الهاتف والجوال والكهرباء.
وفي الإحصاءات هناك 700 متجر، و7 محطات وقود، و400 مزرعة ومستوصف أهلي وصيدليتان بشريتان ومثلهما بيطريتان، و3 معارض سيارات، و5 مكاتب عقارية، و5 مطابخ ومجازر، ومقرا أفراح، ومحمية للصيد، وعدد من الاستراحات.
معالم في عشيرة
إن أهم معالم بلدة عشيرة هي الآتي:
1 مخيم الملك عبدالعزيز بطرف وادي العقيق الذي تحول الى متنزه عام، فهو يشتمل على مسجد قديم وبئار قديمة، ومحطة بترول يدوية، ودكة الملك عبدالعزيز.
2 محمية عشيرة، محمية أنشأها قبل أربعة أعوام المرحوم الشيخ سلطان بن جهجاه بن حميد على مساحة كبيرة من الأرض بطرف عشيرة من الجنوب، وفيها غزلان وحبارى وحمام وإبل ونعام.
وكان رحمه الله يوليها عناية خاصة حتى أكثر من النعام فيها بوجه خاص، ثم جلب إليها الأرانب البرية والضبان وطيور كثيرة، واهتم بأشجارها البرية.
3 وادي العقيق: ويشتهر بشجر العشر والسدر وكذلك بالنخيل.
4 حرة بُسّ: حرة سوداء تسير بمحاذاة وادي العقيق من الجنوب الى الشمال، وفيها كثير من المراعي والطيور والحيوانات خاصة المفترسة.
أسماء في عشيرة
يتذكر أبناء عشيرة باستمرار، أن بلدتهم كانت تستقبل ملك البلاد وموحدها الملك عبدالعزيز رحمه الله ، ومعه أبناؤه ورجال الدولة وحتى ضيوفه، فقد كانت محطة واستراحة على الطريق بين الحجاز ونجد.
ومن عشيرة مر الأمير فيصل بن عبدالعزيز في رحلة وفد أدباء الحجاز الى نجد للسلام على الملك عبدالعزيز ومر رحالة أوروبيون ويابانيون وغيرهم.
ومن الأسماء الكبيرة التي لا تنسى كذلك المرحوم الشيخ سلطان بن جهجاه بن حميد، ابن عشيرة الأول الذي منحها حبه ووقته وجهده طيلة حياته.
وممن عاش فيها: الشيخ محمد الصهيل، أول إمام لمسجد الملك عبدالعزيز في عشيرة، حتى وفاته بها، ثم خلفه ابنه الشيخ ابراهيم الصهبيل، إمام وخطيب مسجد الملك عبدالعزيز في عشيرة، ثم إمام وخطيب جامع الملك فهد الذي أقيم في عشيرة، وظل كذلك حتى وفاته.
وممن عاش في عشيرة الزعيم منسي البقمي، جاءها عام 1388هـ وهو على رأس العمل، ثم أقام فيها بعد تقاعده حتى توفي فيها.
ومن أبرز أبنائها المعروفين اليوم أبناء المرحوم الشيخ سلطان بن جهجاه بن حميد فيصل وبجاد وعبدالرحمن ومحمد، وكذلك الشيخ مطلق بن فيحان المقاطي وعلي بن عالي المقاطي، وغيرهم.
الكهرباء والهاتف وصلا
يعيش أهالي عشيرة اليوم، سعادة غامرة، فقد عمت الكهرباء الأحياء والشوارع، وعم كذلك الهاتف. وهاتان الخدمتان هما من أسس التطوير والنماء، ومن أهم عوامل استقرار السكان في الأماكن التي يحبونها.
لقد أخذت الكهرباء تنطلق من محطتها الرئيسة في عشيرة الى مراكز ومجمعات سكنية شرق وشمال عشيرة، وكذلك أبراج الجوال والهاتف، ومن المؤمل الإسراع في هذه الإجراءات لتوفير المزيد من الرخاء والاستقرار لكافة الناس في ديارهم.
لكن.. الماء.. ؟!
هذه شكوى عامة.. الناس يطلبون مياه الشرب فلا يجدونها اليوم في الآبار. وإن وجدوا شيئاً فهو ملح أجاج لا يشرب.!
لقد أصبح الحصول على ماء الشرب في مراكز كثيرة وقرى حول الطائف ومنها عشيرة، هما يومياً للناس الذين يذهبون بعيداً لشراء وايتات الماء بمبالغ مرتفعة.
لا ندري ما هو الحل، وكيف يفكر المسؤولون في وزارة المياه لمواجهة هذه المشكلة الكبيرة سواء في الحاضر أم في المستقبل ؟.
هموم أخرى
بعد جولة دامت عدة ساعات، لم تستثن حرة بس ولا محمية الصيد، التقيت عدداً من أعيان عشيرة وهم: مطلق بن فيحان المقاطي، وعلي بن عالي المقاطي، وتركي بن فلاح المقاطي، ومحمد بن موسم المقاطي، بحضور رئيس المركز الأستاذ عبدالرحمن بن سلطان بن حميد. وجرى بيننا حديث طويل حول رؤيتهم لتطوير بلدتهم، ويمكن تلخيص ما دار في الآتي:
1 محكمة شرعية: لقد لمست معاناة كبيرة في هذا الجانب، وأعتقد ان وجود محكمة شرعية في عشيرة أمر في غاية الأهمية.
2 مستشفى: ومن شأنه رفع الأداء الصحي الذي بدا لي متدنياً الى حد ما هنا.
3 كلية للبنات: وهذا أمر جيد، وكذلك لماذا لا نوفر كلية للبنين لتنمية هذه البلدة..؟
4 رفع عدد مدارس البنين والبنات، فقد بلغني ان المدارس الحالية مكتظة ولا تستوعب المستجدين والمستجدات ويذهب بعضهم الى جهات أبعد.
5 لعل وجود مركز للهلال الأحمر وآخر لأمن الطرق، يحد من حوادث السيارات ويسهم في خدمة المحتاجين للإسعافات الأولية، هنا.
ومثل ذلك مركز لمكافحة المخدرات.
6 التفكير في فتح طريق الملك عبدالعزيز «طريق العرقية» وخدمته من قبل المجاهدين.
7 تقديم خدمات بلدية أفضل، لرفع مستوى النظافة وتزفيت ورصف الشوارع الترابية، والمراقبة الصحية الواجبة.
8 استكمال مرافق متنزه الملك عبدالعزيز وفتحه للعائلات طوال الأسبوع.
9 هناك طريق ترابي يربط عشيرة بذات عرق، وهو يمر بقريتي القضيف وأبو عشر، وهو مطروق من أهالي هذه الجهات، فحبذا تزفيته وخدمته.
شباب.. ولا ثقافة أو رياضة
أذكر أني فتحت هذا الموضوع مع المرحوم الشيخ سلطان بن جهجاه بن حميد في داره بعشيرة.وكان رأيه ان الأهالي ينبغي ان يبادروا لخدمة أبنائهم وبناتهم.
وكان رحمه الله يخطط لفتح ناد ثقافي رياضي اجتماعي وكذلك ملز لسباق الخيل على حسابه الخاص.
ومن اللافت هنا، عدم وجود مرافق وأنشطة شبابية بين سكان عددهم يربو على 10 آلاف نسمة..؟!
إن وجود ناد ثقافي رياضي فني اجتماعي من أولويات تطوير ونماء المجتمع في أي مكان. ولعل المسؤولين في رعاية الشباب يبادرون الى مثل هذا الأمر قريباً.
لقد عبر لي بعض الأهالي عن بعض التحديات التي تواجه شبابهم، ومن أبرزها ارتفاع نسبة البطالة، وصعوبة الزواج لغلاء المهور. فلا أقل من أن نقدم لهم ما يعوضهم من أنشطة اجتماعية تنمي فيهم جوانب مهارية وإبداعية لا يستغني عنها وطنهم.