احتفل العالم أجمع يوم الخميس 21/3/1424هـ باليوم العالمي للتنوع الأحيائي الذي حددته سكرتارية الاتفاقية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وإذا كان العالم قد اختار مجابهة الفقر للحفاظ على التنوع الأحيائي شعارا له هذا العام، فإن هذه الرؤية العالمية جاءت منسجمة مع المبادرة الوطنية التي أطلقتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الرشيدة، مما كان له بالغ الأثر في نفسي وحفزني لإعداد هذا المقال.. تلك الزيارة الإنسانية التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس االوطني لأحد الأحياء الفقيرة.
لقد أتت تلك الزيارة بمثابة إعلان لمجابهة الفقر والعوز، كما سبقت رؤية سموه الثاقبة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في اختيار شعار الاحتفال بيوم التنوع الأحيائي لهذا العام.
أما عنوان هذا المقال فليس من عندي، وإنما قد استعرته من قول مأثور لرئيسة وزراء الهند السابقة المعروفة إنديرا غاندي. ولولا أن هذا العنوان يناسب موضوع المقال لكان أولى منه عنواناً قول الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو كان الفقر رجلاً لقتلته، وحري بنا أن نقتل الفقر ونجابهه ونكافحه ونقضي عليه، فالحياة السليمة لا تستقيم معه، ولا تتحقق بوجوده، ولعل ذلك هو ما حدا بولي الأمر.. ولي العهد حفظه الله للقيام بزيارته المشهودة، وما يتوقع أن يترتب عليها من أعمال طيبة مطلوبة، ويعتقد الكثيرون غير مصيبين أن معظم المشاكل البيئية سببها الحضارة والوفرة، وتستمر بعض منظمات البيئيين الخضر في زعمها بأن نوعية البيئة لا تتوافق مع الرخاء الاقتصادي، والحقيقة أن ذلك زعم مرفوض، فالفقر والفاقة هما أحد أهم مسببات تدهور البيئة، واستنزاف الموارد الطبيعية في دول العالم النامية، التي تشكل الجزء الأعظم منه، وأن التهديدات التي تواجهها البيئة والصحة العامة في هذه الدول، لا يمكن التخلص منها إلا بتحقيق نمو اقتصادي حقيقي، يوقف دوران عجلة الفقر المفرغة، التي تستمر وتستفحل، والطريق إلى ذلك هو نقل التقنية المناسبة من الدول الغنية، والحصول على التمويل اللازم من المساعدات الدولية غير المشروطة، وتخفيف أعباء الديون الواقعة على هذه الدول، حتى يمكن لها أن تخطو الخطوات الأولى على طريق التنمية المستدامة الطويل، وهو الطريق الوحيد إلى الخلاص، وأكثر أهمية من ذلك هو إخلاص النية، والرغبة الصادقة في التخلص من الفقر، وتحقيق التقدم، التي يجب أن تنعكس في السياسة الوطنية التي تأخذ في اعتبارها مواجهة الفقر، ولعلنا لا ننسى قول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه «{إنَّاللّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً} ولنا أسوة طيبة في تلك الدول النامية، التي حققت نجاحاً كبيراً في محاربة الفقر، وخطت خطى واسعة على طريق التقدم، مثل كوريا الجنوبية والهند التي يقطنها تجمع بشري يزيد تعداده على المليار، وأمكنها أن تحقق الاكتفاء الذاتي في معظم احتياجاتها، وأخيراً الصين، التي تضم 22% من سكان العالم، وحققت مستوى رائعاً من التقدم، ونجحت في القضاء على الفقر بشكل واضح، نتيجة لتطبيق برنامجها التنموي الموجه للقضاء على الفقر في المناطق الريفية، الذي نجح في تخفيض نسبة عدد الفقراء في المناطق الريفية من 7،30% إلى حوالي 3% فقط، خلال الفترة من عام 1978م إلى 2000م، أي خلال حوالي ثلاثة وعشرين عاماً.
ولعلنا نجد في إصدارهم المنشور تحت عنوان «ورقة بيضاء عن السكان والتنمية خلال القرن الحادي والعشرين«White Paper on Populatin and Development in the 21 the Century » ما يساعدنا في وضع سياسة حكيمة للتعامل مع الفقر في بلادنا، وان اختلفت الظروف الاقتصادية والاجتماعية للبلدين اختلافاً كبيراً.
ومن الثابت أن هناك علاقة ترابط قوية بين الفقر وتدهور البيئة، واستنزاف الموارد الطبيعية، في جميع البلدان النامية حتى انه ليطلق عليها مسمى«متلازمة الفقر والبيئة»، فالفقر الذي هو نتيجة لتدني الدخل الوطني في الدول الفقيرة يؤدي إلى عدم قدرة المواطنين على استيفاء احتياجاتهم المعيشية، كما يؤدي إلى قصور هذه الدول عن الإيفاء بالاحتياجات العامة لمواطنيها، من تعليم ورعاية صحية واسكان وتوفير مياه الشرب النقية، ووسائل الصرف الصحي العامة والمرافق بشكل عام، ومن هنا يلجأ السكان إلى استنزاف مواردهم الطبيعية لتوفير دخل إضافي يساعدهم على استيفاء احتياجاتهم المعيشية، وتلجأ الحكومة إلى الاستدانة لتنفيذ مشاريع اقتصادية تدر دخلاً يرفع من مستوى الدخل الوطني، غير آخذة الاعتبارات البيئية في حسبانها عند تنفيذ هذه الأنشطة التنموية، فتتدهور البيئة تدهوراً سريعاً يؤدي إلى زيادة الإضرار بالصحة العامة، ويقلل من إنتاجية العمل وبالتالي يخفض بدرجة أكبر من مستوى الدخل الوطني، فيزداد معدل الفقر، ويزداد الضغط على البيئة ومواردها، ويزداد التدهور، وهكذا يسير الفقر مع تدهور البيئة في حلقة مفرغة لا يدرى أين طرفاها، وتزداد الأمور سوءاً بعد سوء.
وإذا نظرنا بعين فاحصة إلى واقع العلاقة بين الفقر وتدهور البيئة في المملكة العربية السعودية للاحظنا لأول وهلة ان هناك ضغطا شديدا على أهم الموارد الطبيعية في المملكة، وهي نباتات المراعي والأشجار، أو الغابات الحرجية المحدودة الانتشار، ومن هنا نجد أن المملكة تعاني معاناة ملحوظة من إزالة الغطاء النباتي بما له من عواقب بيئية سيئة، تتمثل في تدهور التربة وانجرافها مع السيول، كما تفقد التربة قدرتها على تشرب المياه الساقطة عليها، فيتعذر إعادة شحن الخزانات المائية الجوفية، وتنضب المياه مع كثافة الاستخدام، وتتعرى التربة الخصبة وتأخذ طريقها إلى التصحر، وتتدهور إنتاجية الأراضي.
كما أن إزالة نباتات المراعي والأشجار، من أفضل أراضي المراعي، وتحويلها إلى الزراعة المروية، قد أدى إلى فقدان أجود أراضي المراعي في المملكة، وكان من نتيجة ممارسة طرق الزراعة الحديثة المروية، التي لا تناسب البيئة الهشة الجافة الحارة في منطقتنا، أن استنزفت مياه الري الثمينة، وتملحت التربة في كثير من هذه المزارع، وتوقفت عن الإنتاج، وغاض مستوى الماء الأرضي إلى أعماق يصعب استخراجه منها، أضف إلى ذلك الاحتطاب الجائر واقتلاع الأشجار الحية مخالفة للنظام، وإنتاج الفحم من الأحطاب المحلية بشكل أدى إلى القضاء على نسبة عالية من الأشجار، التي هي أصلاً قليلة العدد في الغطاء النباتي الصحراوي بالمملكة.
ولكن هل يمكن أن نربط بين الفقر وبين هذه الضغوط الهائلة التي تعاني منها البيئة والموارد الطبيعية في المملكة؟ تلك الضغوط التي تنذر بخطورة شديدة، إذا لم يتم التدخل بتطبيق إجراءات حاسمة فعالة، لإيقاف النزف قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة.
نحن في بلد قد منَّ الله سبحانه وتعالى عليه بمصادر الخير والنعمة، ونعتبر من البلاد الغنية بحمد الله ويتوافر لمواطنيها، وبشكل عام- مستوى معيشي لا يتوافر لمواطني كثير من دول العالم الأخرى، ولكن هذا لا ينفي وجود فقراء بيننا، في المدن، وفي المناطق الريفية والبادية، ونحن أمة تطبق مبادىء الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً متكاملاً، وقد جعل الله في أموال القادرين منا حقاً للفقراء والمساكين، وأمرنا بإخراج الزكاة، والدولة أعزها الله لا تألو جهداً في تحصيل الزكاة من الشركات والمؤسسات، وما أحوجنا إلى أن نقوم بتحصيلها أيضاً من الأفراد الموسرين على قدر أموالهم، ونقوم باستغلالها لمواجهة الفقر، ليس بتوزيع الإعانات الشهرية وإنما باستثمارها في مشروعات صغيرة يتملكها الفقراء، ويديرونها تحت إشراف مؤسسة عامة للقضاء على الفقر والتنمية الاجتماعية، وبتوجيه منها، حتى لا تتعثر تلك المشروعات وتتوقف كما حدث في بعض الدول التي طبقت نظام التنمية الاجتماعية بشكل قاصر، ونحن نحتاج أولاً إلى القيام بدراسة اجتماعية مكثفة، لمسح المناطق المختلفة من المملكة للوقوف على عدد الفقراء، وتوزيعهم الجغرافي ليس على مستوى المناطق، وانما على مستوى المحافظات، حيث مما لاشك فيه أننا سنجد تفاوتاً كبيراً في عدد الفقراء ومستوى معيشتهم في المحافظات المختلفة، وعلينا قبل البدء في هذا المسح الاجتماعي المهم أن نحدد ماذا نعني بالفقر، وما هو حد الفقر الذي يمكن تطبيقه على سكان المملكة، لنعرف بدقة من هو الفقير، حتى يمكن قبول نتائج المسح الاجتماعي والبناء عليها بثقة.. كل هذه التطلعات قد لا تفوت على فكر معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي يعمل بتوجيهات سمو ولي العهد.
نحن في حاجة ماسة إلى استبيان حقائق كثيرة تتعلق بالفقر، وبالضغوط الواقعة على بيئتنا، ومواردنا الطبيعية، وتهدد بقاءنا ورخاءنا وحياتنا وتحملنا أوزاراً ثقالاً إذا استمرت الأوضاع، كما هي دون أن نحاول علاجها لما فيه الصالح العام، وهذا جانب من الحري أن تتوجه له وزارة الزراعة، من خلال خطة علمية تؤسس لزراعة تناسب المناطق الجافة التي تتصف بها بلادنا.
إن الضغط الهائل الواقع على أراضي المراعي هو نتيجة حتمية لازدياد اعداد القطعان، التي ترعى، عن السعة الرعوية لهذه المراعي، خاصة في ضوء موجات الجفاف التي تزداد حدتها في السنوات الأخيرة، فكم من هذه القطعان هو ملك للفقراء الذين يعتمدون عليها في توفير احتياجاتهم وتدبير معايشهم؟ وكم منها هو ملك للقادرين والموسرين والمربين والشركات الزراعية؟ وهل يكفل الدين والشرع والعرف لهؤلاء حق القضاء على الأخضر واليابس في أراضي المراعي، بقطعانهم كبيرة الأعداد، التي ربما لا يستفاد منها في غير المباهاة والترف، الأمر الذي يهدد حياة المجتمع كله للخطر، والبيئة الطبيعية للتدهور والانهيار؟
وينطبق نفس التساؤل على الاحتطاب الجائر وقلع الأشجار، والنشاط التجاري المكثف في الأحطاب المحلية والفحم المحلي كم من هذه الأحطاب يحتطبه فقراء لتدبير معايشهم واستيفاء حاجاتهم؟ وكم منها للريح والتجارة واستكمال الوجاهة الاجتماعية؟ وهل يرضى الله بإزالة غطاء شجري قائم، هو الذي يساعدنا على تكون السحب واستمطارها، ويقلل من تعرضنا للجفاف، ويحافظ على خصوبة تربتنا وبقائها، وعلى إعادة شحن خزانات المياه الجوفية، وتوفير الظل والرطوبة الجوية، والحماية من الغبار.. إلخ، هل يرضى الله أن نزيل هذا الغطاء النباتي، ونضر ببيئتنا الطبيعية وبمواردنا وحياتنا الفطرية، من أجل استكمال الوجاهة الاجتماعية؟ أم أن الحطابين هم من الفقراء الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا حبلهم وفأسهم، فيحتطبوا لتدبير قوت يومهم، وليس بأن يستخدموا البلدوزر والجرافة لاقتلاع الأشجار، والشاحنات لنقلها، ويقيموا الأسواق الضخمة للاتجار فيها، وتحقيق أرباح هائلة على حساب تدمير البيئة والموارد الطبيعية وتدني نوعية الحياة، سؤال يحتاج إلى إجابة صريحة تعكس الحقائق المجردة.
وسؤال أخير هو ما نسبة أراضي المراعي التي جردت من غطائها النباتي الطبيعي، ومنحت من أجل الزراعة قد حصل عليها الفقراء من المزارعين في المناطق الريفية، لكي يعتمدوا عليها في تدبير معايشهم والحصول على قوت يومهم؟ وكم منها حصل عليه القادرون والموسرون، الذين ليسوا في حاجة إليها؟ وكان الأولى إبقاؤها على حالتها الطبيعية الأولى؟
أما فقراء المدن فإن معظمهم من المهاجرين السابقين من الدول الأفريقية الإسلامية، الذين استوطنوا المملكة منذ أمد بعيد، ونحن في حاجة إلى إخراجهم من مكامنهم وتدريبهم، ووضعهم على الطريق الصحيح في مشاريع تنمية اجتماعية حقيقية موجهة.
إن علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى أن جعلنا في موقف يسهل التعامل معه، حيث كما يبدو أن نسبة الفقر والفقراء في المملكة قليلة جداً، ولذلك فإن المشكلة يمكن بالطرق العلمية الاقتصادية البيئية السليمة أن تحل في غضون سنوات قلائل، إلى جانب حاجتنا الماسة إلى حل مشاكلنا البيئية القائمة بسبب استنزاف الغطاء النباتي والموارد الطبيعية، التي يمكن أيضاً أن تحل في سنوات قلائل، متى واجهنا الحقائق وتعاونا جميعاً على البر والتقوى، وراقبنا الله في مصلحة الوطن ومصلحة المواطنين، وتنفيذ شريعة الله.. والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
* الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها
|