كان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- شديد الحرص على متابعة تعليم أولاده على الرغم من انشغاله بمسؤوليات الدولة الناشئة المترامية الأطراف ومهام التأسيس ومع ذلك فقد كان يتابع مايتعلمون ويذهب إلى مدارسهم ليشهد بنفسه بعض الدروس ويجلس إلى جوار المدرس على كرسي «ولي الأمر» ويقول مؤكداً للمعلمين ان عليهم ان يعاملوه كولي للأمر لا كملك عندما يزور المدرسة.
كان سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز من هؤلاء التلاميذ النجباء، وكان الملك عبدالعزيز يتردد على المدرسة التي كان يتعلم بها مع بعض اخوانه ويطمئن على أحوال دراسته.
وقد مرت دراسة سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة الصبا الباكر كانت في مدرسة السناري بالرياض، وهي مدرسة كتاتيب تعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة والحساب وقراءة القرآن.
المرحلة الثانية: التحاقه بمدرسة الشيخ أحمد العربي التي درس بها القرآن الكريم وختمه سنة 1353هـ.
المرحلة الثالثة: مدرسة الأمراء بالرياض التي قضى بها مدة أطول وكان يديرها - عندما كان سمو الأمير سلطان تلميذاً بها- الاستاذ أحمد خياط، ومن أشهر أساتذتها الاستاذ أحمد علي الكاظمي والاستاذ علي حمام.
وقد درس بها سمو الأمير سلطان ست سنوات من 1356هـ إلى 1362هـ.
في مذكرات عبدالله خياط
وقد روى الاستاذ عبدالله خياط واساتذة آخرون في مذكراتهم قصصاً عن تلامذتهم الأمراء وعن علاقة الملك عبدالعزيز بالمدرسة. وكان سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز من تلامذة أول دفعة درست بالمدرسة سنة 1356هـ وكان من الأمراء الذين كانوا معه في الفصل نفسه (بندر)، (مساعد)، (عبدالمحسن)، (طلال)، (مشاري)، (بدر)، و(تركي) أبناء عبد العزيز.
وقد بدأت الدراسة بثلاث حصص من الساعة الواحدة إلى الرابعة ثم يقوم الأمراء بالخروج مع الملك عبدالعزيز إلى الباطن والبديعة خلال الصيف. ثم طلب الاستاذ عبدالله خياط مدير المدرسة من الملك عبدالعزيز ان يدرس الأمراء ساعة بعد الظهر في البديعة.
وهكذا استمر سمو الأمير التلميذ سلطان بن عبدالعزيز واخوانه يدرسون ساعة في المسجد داخل القصر.
الملك عبدالعزيز يزور المدرسة
ذكر الاستاذ أحمد علي أسد الله الكاظمي في مذكراته ان الملك عبدالعزيز زار المدرسة يوم 19/5/1356هـ ويقول ان الملك عبدالعزيز جلس على كرسي المعلم في الفصل وتحدث إلى التلاميذ بلغة الأب والاستاذ ووجه اليهم النصح ودعاهم إلى الاجتهاد وقال: أنتم مستقبل هذه البلاد من بعدي، ووجه كلمة شديدة اللهجة لأبنائه الأمراء مهدداً أنهم إذا لم يهتموا بدروسهم فإنه سيسحب منهم كل ما لديهم من رجال وخيول وسيارات وأقسم بالله على ذلك.
وقال الملك عبدالعزيز لمدير المدرسة عبدالله خياط: كن دقيقاً معهم وهم في المدرسة تلامذة لا أمراء فما جئنا بهم إلى هذه المدرسة إلا ليتعلموا وإذا لم يتعلموا فلن يتعلموا أبداً.. وبعد خروجه من الفصل مال الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه نحو مدير المدرسة عبدالله خياط وقال له مؤكداً: «أطلب الاجتماع بي في أي شيء يخص أولادي وأنا أجيكم بنفسي مثل ما يجيكم أي أب يهمه أمر ابنه ولا تترد قط في ذلك».
الأمير سلطان يزور أساتذته
تروي المذكرات ان سمو الأمير التلميذ سلطان بن عبدالعزيز واخوانه زاروا اساتذتهم ليلة الأحد 28/7/1356ه وطلبوا من مدير المدرسة الاستاذ عبدالله خياط إضافة تدريب مادة اللغة الانجليزية فارتاح لذلك الطلب الطموح وأبلغ الملك عبدالعزيز الذي سره ذلك.
وقد وردت في مذكرات المعلم أحمد علي إشارات كثيرة ذات دلالات عميقة في حياة التلميذ سلطان بن عبدالعزيز ومنها على سبيل المثال لا الحصر مايلي:
حضور مبكر
صبيحة الأربعاء (9/3/1356هـ).
يقول المعلم: ابتدأت الدراسة صباح الأربعاء، وقد أبرقنا لمديرية المعارف بذلك، وكان من الأمراء الذين حضروا: بندر، مساعد، مشعل، سلطان، عبدالرحمن، مشاري، بدر، وتركي.
خطيب مجيد
يوم الأربعاء: 4/6/1356هـ
حضرنا المدرسة وبدأنا في الدراسة كالعادة، وأما الشيخ عبدالله (خياط) فقد ذهب بالأمير سلطان إلى الأمير سعود المعظم ليلقي خطبته فخطب وأجاد.
اطمئنوا على صحة أخي
الخميس: 25/7/1356هـ
منذ أسبوعين مرض أحد الأمراء الصغار الذين عندنا بالمدرسة، وهو الأمير تركي، وقد سألت أخاه سلطاناً عنه، فقال: إنه أحسن من ذي قبل.
مضياف منذ الصغر
الأربعاء: 8/8/1356هـ
ذهبنا بعد العشاء الساعة الثالثة إلا ربعاً لخيمة الأمير سلطان وأخيه عبدالرحمن، وكان عندهم الأمير عبدالله وبعد الشاي والقهوة ذهبنا إلى خيمتنا.
طلب العلم في كل الظروف
الاثنين 24/3/1357هـ
لم يحضر من الأمراء الكبار إلا سلطان ومشعل والباقون متأثرون ببعض التعب.
هذه نماذج مما ورد في تلك المذكرات التي نشرتها دارة الملك عبدالعزيز سنة 1419هـ بعنوان «يوميات الرياض»، وقد كانت هذه الملاحظات تشكل البعد الإنساني في بناء شخصية سلطان بن عبدالعزيز مثل حبه للعلم، طموحه، حرصه على تعلم الإنجليزية، تعلقه بالقرآن، احترامه لإخوانه الكبار، كرمه، اهتمام والده به وغير ذلك من الصفات التي كبرت معه.
سلطان وختم القرآن
وعندما سافر الملك عبدالعزيز في ذلك العام انتقلت الصفوف والمعلمون معه إلى مكة المكرمة، وخرج في رحلة قنص إلى المحدثة وأصبحت دراسة الأمير سلطان وإخوانه الأمراء ليلاً لانشغالهم نهاراً بالصيد والقنص.
في العام الجديد 1357هـ ترك المدرس علي حمام المدرسة، وجاء بدلاً عنه محمد نور زمزمي.
وبعد رحلة قنص كان الأمير سلطان ومشعل هما فقط اللذان حضرا الفصل أما الباقون فكانوا متأثرين ببعض التعب. لكنه غاب يوم الخميس 11/4/1357هـ ويوم الخميس 22/4/1357هـ.
كما شارك الطالب سلطان بن عبدالعزيز في حفل ختم الأمير طلال بن عبدالعزيز للقرآن الكريم حيث قرأ دعاء ختم القرآن يوم السبت 16/7/1357هـ.
خطيباً أمام ولي العهد
والجميع يرددون خلفه. ومن أهم أحداث هذه المرحلة التي يذكرها له مدرسوه الخطبة التي ألقاها سموه أمام ولي العهد سمو الأمير سعود بن عبدالعزيز العائد من خارج المملكة إلى جدة ثم إلى الرياض وكان بالمجلس الأمراء فيصل ومنصور وناصر.
وفي صباح يوم السبت 6/8/1362هـ احتفلت مدرسة الأمراء بتخرج الأمير سلطان وإخوانه وحضر حفل التخرج الأمير سعود بن عبدالعزيز ولي العهد الذي أدت لسموه ثلة من الحرس التحية العسكرية واستقبلته هيئة المدرسة عند بابها بحفاوة وترحيب ووزع الأمير سعود الشهادات وتسلم شهادته بيده، وألقيت كلمات من الأمراء الطلبة.
الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز قال لقد كانت احتفالاتنا السابقة لختم القرآن، أما اليوم فهي لإخواننا الذين غادروا مقاعد الدراسة هذا العام وبذلوا جهوداً كبيرة في التحصيل.
الأمير متعب بن عبدالعزيز قال في كلمته في الاحتفال: للمرة الأولى يتخرج من مدرستنا هذا الفوج الذي يحمل الشهادة الابتدائية فكان لزاماً علينا ان نحتفي بهذا اليوم ونعده من جليل أيامنا.
الأمير مشاري بن عبدالعزيز قال في كلمته:
لقد كان لتشجيعكم مدعاة لقطعهم شوطاً كبيراً في التعليم مكنت الفرقة الأولى لحوز شهادة التعليم الابتدائية الذي هو الحلقة الأولى من مراحل التعليم المنظم.
الأمير سعد بن محمد بن سعود بن عبدالرحمن قال في كلمته:
أتقدم بتهنئتي للزملاء الذين نحتفل بحوزتهم الشهادة الابتدائية.
وهكذا نجد ان التعليم الذي تلقاه سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز كان مزيجاً من الدروس الدينية والدنيوية وغرس القيم الخلقية الرفيعة، وكان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه يؤكد على أهمية العملية التربوية التي لا تنفصل عن العملية التعليمية مصراً على عدم «الاستثناء» لأبنائه في هذا الخصوص، ويعاقب من يقوم من معلميهم بهذا الاستثناء، مؤمناً بأن ذلك هو الطريق القويم لصناعة الشخصية القيادية والإنسانية معاً في الأبناء الذين أصبحوا اليوم قادة هذا الوطن.
|