أسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مدرسة عظيمة في التعامل الإنساني والاخلاقي على كافة المستويات درس فيها أولاده جميعاً وكل من كان حوله من أبناء وطنه، وتركها إرثاً لا يزول لجميع أبناء الشعب والعرب والمسلمين ينهلون منها الدروس ويتعلمون القيم ويجدون القدوة في ضرب المثل الأعلى في الإيمان والالتزام وحسن الخلق والترفع عن الدنايا، والاحسان وحب الخير والتسامح والاخاء الحق.
أسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مدرسة عظيمة في التعامل الإنساني والاخلاقي على كافة المستويات درس فيها أولاده جميعاً وكل من كان حوله من أبناء وطنه، وتركها إرثاً لا يزول لجميع أبناء الشعب والعرب والمسلمين ينهلون منها الدروس ويتعلمون القيم ويجدون القدوة في ضرب المثل الأعلى في الإيمان والالتزام وحسن الخلق والترفع عن الدنايا، والاحسان وحب الخير والتسامح والاخاء الحق.
رسم مُعبِّر يجمع الملكين خالد وفيصل رحمهما الله
وخادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير عبد الله وسمو الأمير سلطان يؤدون العرضة النجدية (مأخوذة عن صورة أصلية)
مع المعلم الأول
كان الصدق والصراحة عماد مدرسة الملك عبدالعزيز في التعامل اجتماعياً وسياسياً، وكان يقول - رحمه الله - لابنائه: اذا كانت السياسة عندهم تجيز الكذب فإن ديننا لا يجيز ذلك، ونحن - إن شاء الله - صادقون مع الله ثم مع الناس اجمعين ونحن صرحاء مع اصدقائنا ومع اعدائنا. لا نخون ولا نغدر ونشهد بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم.
على هذه المبادئ نشأ ابناء «عبدالعزيز» وعض عليها بالنواجذ من بعده الملوك «سعود» و«فيصل» و«خالد» رحمهم الله، ويعمل بها الآن ويسير على خطاها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي العهد الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز - حفظهم الله -، وفي مدارس اخوانه الملوك الميامين تعلم سلطان بن عبدالعزيز بعد ان استوعب الثوابت في مدرسة المعلم الأول «الملك عبدالعزيز».
وقد توسم فيه والده الملك عبدالعزيز النباهة والفطنة والذكاء منذ الصغر فأولاه ثقته، وعينه أميراً على عاصمة ملكه «الرياض» في 1/4/1366هـ الموافق 22/2/1947م وساهم مع والده في إقامة نظام إداري متين يقوم على العدالة والاخلاص وتطبيق شرع الله.
وقد أفاد سمو الأمير سلطان كثيراً من توجيهات الملك عبدالعزيز ونصائحه وارشاده، فيما يخص إدارة العاصمة، وكانت هذه الدروس التي استوعبها سلطان بن عبدالعزيز قد افادته كثيراً في مهامه السياسية والإدارية فيما بعد. كان الملك عبدالعزيز «قدوة» تتحرك في كل اتجاه وكان «سلطان» يراقب القدوة ويتعلم منها في كل مكان في البيت، في قصر الحكم، في المجالس العامة، في المجالس الخاصة، في كل مكان وفي كل وقت، فقد كان الملك عبدالعزيز نموذجاً حياً لحسن الخلق والتواضع والعطف لكل الناس وليس أولاده فحسب، مرض الأمير سلطان يوماً فزاره والده الملك عبدالعزيز الذي قلما يخرج من قصره إلا نادراً، فقال له: يا بني ارجو ان يكون رضاك عني كرضائي عنك، فبكى الأمير سلطان من شدة التأثر وأكبر من والده هذه الكلمات التي حفرت في قلبه، وأصبحت مذهب تعامله مع أولاده وكل الناس.
في معية الملك سعود
وبعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود تولى ولي عهده الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - وفي عهد الملك سعود تقلد سمو الأمير سلطان مسؤولية ثلاث وزارات واصبح عضواً في مجلس الوزراء في المملكة بعد ان تم تعيينه في يوم الخميس 18/4/1373هـ الموافق 24/12/1953م وزيراً للزراعة. وقد اهتم سمو الأمير سلطان في هذه الوزارة بمشروع توطين البادية وشارك باقتدار في خطوات العمل التنموي وإقامة مشاريع زراعية حديثة تتحدث عنها باعجاب كتب تاريخ تلك المرحلة، ثم عين سموه وزيراً للمواصلات بأمر الملك سعود في يوم السبت 20/3/1375هـ الموافق 5/11/1955م وقد ساهم في هذه المرحلة في وضع شبكات المواصلات الحديثة البرية والسلكية واللاسلكية وتم في عهد وزارته انشاء سكة الحديد بين الدمام والرياض.
وتقديراً لقدرات سلطان بن عبدالعزيز وكفاءته القيادية التي اثبتت النجاح في أكثر من موقع أصدر الملك سعود - رحمه الله - الأمر السامي الكريم رقم «2» بتاريخ 3/4/1382هـ الموافق 31/10/1962م. بتعيين الأمير سلطان وزيراً للدفاع والطيران، ولا يزال سموه - حفظه الله وأطال في عمره على طاعته - يشغل هذا المنصب بالإضافة الى مسؤولياته الأخرى. ومنذ ذلك التاريخ شهدت القوات المسلحة وثبات تطويرية كبيرة، بإعادة تنظيمها، وتحديث سلاحها، وانشاء الكليات والمعاهد العسكرية، وإضافة سلاح رابع الى القوات المسلحة الرئيسية الثلاث «البرية والجوية والبحرية» وهو سلاح الدفاع الجوي الملكي السعودي. وقد اشرف سموه بشكل مباشر على تنفيذ خطط وبرامج محددة الأهداف، لتطوير القوات المسلحة، مما آتى أطيب الثمرات، ووضع القوات السعودية في مستوى العصر: تنظيماً، وتدريباً، وتسليحاً.
وقد رعى سموه المشروعات العسكرية الكبرى، كالمدن العسكرية والمستشفيات والقواعدالبرية والجوية والبحرية وغيرها مما يعتبر - اليوم - من مفاخر القوات المسلحة، وعلامات مضيئة في المسيرة التنموية.
وهكذا كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز موضع تقدير وثقة ومحبة الملك سعود - رحمه الله - في الوزارات الثلاث التي تولاها في عهده، وكان سموه نموذج الوزير المخلص لمليكه ووطنه المحب لعمله، المتفاني في خدمته.
مع الملكين فيصل وخالد
كان الملك فيصل ولياً للعهد آنذاك وكان مؤيداً قوياً للملك سعود - رحمهما الله - في تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع والطيران، وقد جاء تعيين الأمير سلطان في هذا المنصب، في ظروف عصيبة تشهدها المملكة، إذ كانت الحرب الأهلية في اليمن على أشدها، التي اندلعت اثر انقلاب عسكري شهدته صنعاء في 27 ربيع الآخر 1382هـ الموافق 26 سبتمبر 1962م وأطيح فيه بالإمام «البدر»، وقد استنجد بالنظام الجمهوري الجديد بمصر، فلم يلبث الرئيس جمال عبدالناصر ان ارسل جيشه لحمايته. واحدث ذلك صدمة للمملكة، وشكل تهديداً لأمنها، وكانت هذه الأحداث شغل الأمير سلطان بصفته وزير الدفاع الجديد.
ويروي صاحب كتاب «السلطانية» الأستاذ عبدالرحمن الجبرين ان الأمير سلطان اكد لولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله طبقا لقصة تداولها المقربون - انه سيتوجه من فوره الى غرفة العمليات في الوزارة ويستدعي ضباط الاركان العامة ليراجع معهم الخطط الدفاعية عن المملكة، ابتسم الأمير فيصل ولم يعلق. انطلق الأمير سلطان الى مكتبه في وزارة الدفاع وطلب التوجه الى غرفة العمليات. وجاء الرد من اركانه وقد غلبتهم الدهشة: أية غرفة عمليات؟!.
فأمر باستدعاء ضباط الأركان العامة، وجاء الرد ايضاً: أية اركان عامة؟!، فأمر ان تعرض عليه الخطط، وجاء الرد: أية خطط؟! أمر بأن تشتبك القوات الجوية مع القوات المصرية المهاجمة، لكن لم تكن هناك طائرة واحدة تصلح للإقلاع. عاد الى الأمير فيصل وقال له: لا شيء هناك، لا شيء على الاطلاق: لا خرائط ولا خطط ولا دبابات ولا ضباط. فرد عليه الأمير فيصل: هذا هو السبب في انني اوكلت اليك هذه المهمة. ولتبدأ العمل من الآن.
وبعد ان بويع الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - ملكاً على البلاد كان سلطان بن عبدالعزيز من أقرب اخوانه اليه، يصطحبه معه في جميع رحلاته، ولعله ارشيف صور رحلات الملك فيصل يشهد بذلك، فلا يكاد يُرى الملك فيصل في بلاد وإلا ووزير دفاعه معه اينما كان.
وقد افاد الأمير سلطان من صحبة الملك فيصل الكثير، افاد دقة المواعيد، والعمل الدؤوب بلا ملل او تعب، الحرص على مصالح الناس، والشدة في الحق، والحنكة في السياسة، ونكران الذات في التعامل، وغيرها من الصفات الحميدة.
ولعل فيما تحدث به سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز في حفل مؤسسة الملك فيصل الخيرية بمناسبة مرور 20 عاماً على انشائها، وكان ذلك ليلة 24/12/1416هـ الموافق 11/5/1996م خير دليل على حبه العظيم للملك فيصل واعترافه بفضله عليه وما تعلمه منه، فقد تحدث الأمير سلطان عن الفيصل بكل قلبه وبكل جوارحه. فقد قص للناس قصتين عن الملك فيصل عاشهما معه وتعلم فيهما عن انسانيته الشيء الكثير. ونورد هنا نص كلامه: «أقول شيئين سمعتهما عن فيصل من رجلين: رجل ذو شهرة عالمية، وفحل من فحول الرجال وهو الرئيس «نهرو»، كنت في اكتوبر سنة ستين ميلادي في زيارة رسمية الى الهند، بدعوة منه وكنت آنذاك وزيراً للمواصلات، وأحد خدام الدولة في ذلك الوقت، وسأظل، بحول الله، خادماً للدولة، وللمواطن فأول ما افتتح حديثه معي، ولم يحضرنا إلا سفيرنا ذاك الوقت «يوسف الفوزان» وكان يتكلم الأوردية بطلاقة، فقال: يا سلطان، قبل ان ابدأ حديثي معك، هناك شيئان عندكم في المملكة العربية السعودية، ان تمسكتم بهما، واحتضنتموهما، بإيمان وعقيدة، لا تخافون لومة لائم ابداً ولا تخافون أحداً، ما هما يا فخامة الرئيس؟ قال: الكعبة المشرفة، يقصد بذلك الدين الإسلامي، وما تحتويه هذه الكعبة وما يطوف حولها وما يصلى اليها خمس مرات يومياً في العالم الإسلامي كله. فسكت برهة، ومعروف عنه انه في آخر حياته كان قليل الكلام، مع المرض الذي ينتابه دائماً، فظننت انه سيقول البترول، عصب الحياة، فقال لي «فيصل». قال يا أيها الأخ: لقد عرفت فيصل في كل ميدان، عرفت الرجل رجل كلمة، رجل انصاف، رجل اخلاص، فما دمتم محتضنين الكعبة المشرفة بكل وسائلها وأهدافها، ومحتضنين وملتفين حول فيصل: فلا تخافون من أي إنسان كان.
هذه لم تخرج من لساني لأحد إلا لهذا الرجل «واشار سموه الى الأمير خالد الفيصل الذي كان يجلس على يمينه اثناء إلقاء الكلمة» وائتمنته عليها والى الان لم يخرجها الى الآن.
الكلمة الثانية: ذكرني بها اخي وزميلي الأمير تركي «ويعني الأمير تركي الفيصل»، وكان قد القى كلمة في هذا الحفل اشار فيها الى اعتزاز الملك فيصل ب
حاضر رجعت لمكان مغدانا، وحول وتغدى معنا، وكانت نيتي في ذلك شراء هذه الناقة فقط. احد الجماعة اللي مرافقين معي عرفوه، وقالوا لي: هذا الرجل يملك «400» ناقة من اجمل النياق في المملكة، فاستغربت؟ رجل كفيف البصر، وكيف يملك هذا الحلال الكبير؟ ووين يوديه؟ ووين يرعاه؟ سألته: يا اخ فلان: كيف ترعى هذه الإبل؟ كيف تستفيد منها؟ وأنت يقولون الجماعة اللي معي انه ليس لك ولد ولا اخ قريب منك!! قال: يا فلان، انا لي ابنة متزوجها رجل صالح من ابناء عمومتي. فإذا سقط المطر، وبدأ الربيع، اتاني في مكاني في «الرملة» في الربع الخالي، واخذني بسيارتي وابلي، وربعنا اربعة اشهر، وعندما ينتهي الربيع، يذهب هو الى عمله في شركة «أرامكو» وزوجته معه، وأنا اسلمها ل«فيصل» يقودها «فيصل» ويرعاها؟! هذه الكلمة بأمانة، وما قبلها بأمانة، أثرت علي في نفسي تجاه فيصل، فقدمت الرياض، وكنا نصلي المغرب في مكان يعرفه الأمير متعب شخصياً، لأن من الذين يرافقون فيصل ليل نهار، في مكان قريب من وراء «المعذر» وسلمت عليه بعد العودة من الصحراء، وأحببت إني ارويها له بعد صلاة المغرب، فلما رويتها له: نزلت الدموع من عينيه، والتفت على الجميع، بما فيهم الملك خالد رحمه الله ، والاخوان فيصل بن سعد، وفهد بن سعد، وقال: اشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به على هذه البلاد من أمن وسلام، واحفظوا الله يحفظكم وتوفي بعدها باسبوعين.
هذه كلمات في الحقيقة، احببت ان اسجلها لفيصل: لأنها قيلت عنه، ولم يقلها هو على نفسه. فهذا دليل ثقة المواطن فيه، وثقة العالم فيه. ولذلك ارجو ان لا ابيح لنفسي باي تفاصيل اخرى إنما ارجو من الله سبحانه وتعالى ان يغفر له ويرحمه، ويساعد الجميع على ما بناه موحد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز، وبعده الملك سعود، وفيصل، وخالد، وخادم الحرمين، وولي عهده الأمين، وان نكون دائماً أمناء على هذه الرسالة، رسالة السماء، وخدمة ديننا الحنيف، وخدمة هذا المواطن الشريف، والله يرعاكم والسلام عليكم.
وفي معية الملك خالد وجد الأمير سلطان استمراراً لمدرسة الملك فيصل - رحمه الله - في الاخلاص والوفاء للوطن والمسلمين، وجد الأمير سلطان في الملك خالد قدوة وتميزاً في الطيبة والإنسانية وحسن الخلق ولين الجانب اضافة الى الحكمة التي توارثها ابناء عبدالعزيز عن المعلم الأول والدهم الملك عبدالعزيز. وقد حرص الملك خالد كما حرص الفيصل قبله على وجود وزير دفاعه بالقرب حيثما يكون في حله وترحاله. وقد افاد سمو الأمير سلطان من وجوده الى جوار «الملك الطيب» ما اضاف الى رصيده الإنساني ما يحتاج وضعه الى مجلدات، وما يحتاج ان يعطي سمو الأمير سلطان من وقته للحديث عنه.
مع خادم الحرمين وولي العهد
في يوم الاحد 21 شعبان 1402هـ بايع الشعب السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد. وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
ورغم تشعب مسؤولياته وارتباطاته، لكونه ثالث رجل في الدولة، إلا ان منسوبي القوات المسلحة لم يحسوا بأي تغيير في حجم اهتمام سموه بالقوات المسلحة ومنسوبيها، فلقد كان يفضل ان يعطي مسؤولياته الأخرى الاهتمام الذي تستحقه من وقته وطاقته، وعلى حساب راحته الشخصية، بدلاً من ان يكون ذلك على حساب رعايته للقوات المسلحة.
ومنذ أكثر من عقدين من السنين وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يمثلان «القدوة الحكيمة» لسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز بما لهما من آراء صائبة وتوجيهات سديدة في كل الشؤون التي وضع سمو الأمير سلطان فيها موضع الثقة.
فبفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز القائد الأعلى للقوات المسلحة وولي عهده الأمين وصلت القوات المسلحة السعودية الى ذروة قوتها وتطورها، الى مرحلة اصبحت فيه القوة السعودية وصفقات الأسلحة السعودية تقلقان العدو الصهيوني الذي حاول جاهداً لعدة مرات افشال هذه الصفقات مع بعض مصادر السلاح. وقد وجد سمو الأمير سلطان في أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز المثل الأعلى في خدمة الدين، وحماية حياض الإسلام من ان تمس، والعمل الدؤوب على نشر عقيدة التوحيد، واعطاء الوطن وحق المواطن الأولوية في المهام، وتوجيه حركة التنمية الوطنية لخدمة الإنسان المواطن الصالح المنتج، الذي هو بالفعل في سياسة الفهد هدف مشروعات التنمية جميعا بلا استثناء.
موضع تقدير وثقة ومحبة الملك سعود - رحمه الله - في الوزارات الثلاث التي تولاها في عهده، وكان سموه نموذج الوزير المخلص لمليكه ووطنه المحب لعمله، المتفاني في خدمته.
مع الملكين فيصل وخالد
كان الملك فيصل ولياً للعهد آنذاك وكان مؤيداً قوياً للملك سعود - رحمهما الله - في تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع والطيران، وقد جاء تعيين الأمير سلطان في هذا المنصب، في ظروف عصيبة تشهدها المملكة، إذ كانت الحرب الأهلية في اليمن على أشدها، التي اندلعت اثر انقلاب عسكري شهدته صنعاء في 27 ربيع الآخر 1382هـ الموافق 26 سبتمبر 1962م وأطيح فيه بالإمام «البدر»، وقد استنجد بالنظام الجمهوري الجديد بمصر، فلم يلبث الرئيس جمال عبدالناصر ان ارسل جيشه لحمايته. واحدث ذلك صدمة للمملكة، وشكل تهديداً لأمنها، وكانت هذه الأحداث شغل الأمير سلطان بصفته وزير الدفاع الجديد.
ويروي صاحب كتاب «السلطانية» الأستاذ عبدالرحمن الجبرين ان الأمير سلطان اكد لولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله طبقا لقصة تداولها المقربون - انه سيتوجه من فوره الى غرفة العمليات في الوزارة ويستدعي ضباط الاركان العامة ليراجع معهم الخطط الدفاعية عن المملكة، ابتسم الأمير فيصل ولم يعلق. انطلق الأمير سلطان الى مكتبه في وزارة الدفاع وطلب التوجه الى غرفة العمليات. وجاء الرد من اركانه وقد غلبتهم الدهشة: أية غرفة عمليات؟!.
فأمر باستدعاء ضباط الأركان العامة، وجاء الرد ايضاً: أية اركان عامة؟!، فأمر ان تعرض عليه الخطط، وجاء الرد: أية خطط؟! أمر بأن تشتبك القوات ا
لجوية مع القوات المصرية المهاجمة، لكن لم تكن هناك طائرة واحدة تصلح للإقلاع. عاد الى الأمير فيصل وقال له: لا شيء هناك، لا شيء على الاطلاق: لا خرائط ولا خطط ولا دبابات ولا ضباط. فرد عليه الأمير فيصل: هذا هو السبب في انني اوكلت اليك هذه المهمة. ولتبدأ العمل من الآن.
وبعد ان بويع الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - ملكاً على البلاد كان سلطان بن عبدالعزيز من أقرب اخوانه اليه، يصطحبه معه في جميع رحلاته، ولعله ارشيف صور رحلات الملك فيصل يشهد بذلك، فلا يكاد يُرى الملك فيصل في بلاد وإلا ووزير دفاعه معه اينما كان.
وقد افاد الأمير سلطان من صحبة الملك فيصل الكثير، افاد دقة المواعيد، والعمل الدؤوب بلا ملل او تعب، الحرص على مصالح الناس، والشدة في الحق، والحنكة في السياسة، ونكران الذات في التعامل، وغيرها من الصفات الحميدة.
ولعل فيما تحدث به سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز في حفل مؤسسة الملك فيصل الخيرية بمناسبة مرور 20 عاماً على انشائها، وكان ذلك ليلة 24/12/1416هـ الموافق 11/5/1996م خير دليل على حبه العظيم للملك فيصل واعترافه بفضله عليه وما تعلمه منه، فقد تحدث الأمير سلطان عن الفيصل بكل قلبه وبكل جوارحه. فقد قص للناس قصتين عن الملك فيصل عاشهما معه وتعلم فيهما عن انسانيته الشيء الكثير. ونورد هنا نص كلامه: «أقول شيئين سمعتهما عن فيصل من رجلين: رجل ذو شهرة عالمية، وفحل من فحول الرجال وهو الرئيس «نهرو»، كنت في اكتوبر سنة ستين ميلادي في زيارة رسمية الى الهند، بدعوة منه وكنت آنذاك وزيراً للمواصلات، وأحد خدام الدولة في ذلك الوقت، وسأظل، بحول الله، خادماً للدولة، وللمواطن فأول ما افتتح حديثه معي، ولم يحضرنا إلا سفيرنا ذاك الوقت «يوسف الفوزان» وكان يتكلم الأوردية بطلاقة، فقال: يا سلطان، قبل ان ابدأ حديثي معك، هناك شيئان عندكم في المملكة العربية السعودية، ان تمسكتم بهما، واحتضنتموهما، بإيمان وعقيدة، لا تخافون لومة لائم ابداً ولا تخافون أحداً، ما هما يا فخامة الرئيس؟ قال: الكعبة المشرفة، يقصد بذلك الدين الإسلامي، وما تحتويه هذه الكعبة وما يطوف حولها وما يصلى اليها خمس مرات يومياً في العالم الإسلامي كله. فسكت برهة، ومعروف عنه انه في آخر حياته كان قليل الكلام، مع المرض الذي ينتابه دائماً، فظننت انه سيقول البترول، عصب الحياة، فقال لي «فيصل». قال يا أيها الأخ: لقد عرفت فيصل في كل ميدان، عرفت الرجل رجل كلمة، رجل انصاف، رجل اخلاص، فما دمتم محتضنين الكعبة المشرفة بكل وسائلها وأهدافها، ومحتضنين وملتفين حول فيصل: فلا تخافون من أي إنسان كان.
هذه لم تخرج من لساني لأحد إلا لهذا الرجل «واشار سموه الى الأمير خالد الفيصل الذي كان يجلس على يمينه اثناء إلقاء الكلمة» وائتمنته عليها والى الان لم يخرجها الى الآن.
الكلمة الثانية: ذكرني بها اخي وزميلي الأمير تركي «ويعني الأمير تركي الفيصل»، وكان قد القى كلمة في هذا الحفل اشار فيها الى اعتزاز الملك فيصل ببداوته وانه كان يرد دائماً: «أنا بدوي» عندما قال عن الملك فيصل إنه بدوي. كنت قبل وفاته بثلاثة اسابيع في الصحراء، ربما أخي وزميلي الأمير متعب «وأشار الى سمو الأمير متعب بن عبدالعزيز الذي كان حاضراً الحفل» يعرف هذا المكان وهو في «الصمان»، فقابلني رجل من قبيلة «آل مرة» كفيف البصر على سيارته، وكان يقتاد ناقة جميلة جداً فعرضت عليه السيارة، ووقفت معه، وسلمت عليه، وهو لا يعرفني ولا أعرفه. سألته: ممكن تتغدى معنا؟ قال: حاضر رجعت لمكان مغدانا، وحول وتغدى معنا، وكانت نيتي في ذلك شراء هذه الناقة فقط. احد الجماعة اللي مرافقين معي عرفوه، وقالوا لي: هذا الرجل يملك «400» ناقة من اجمل النياق في المملكة، فاستغربت؟ رجل كفيف البصر، وكيف يملك هذا الحلال الكبير؟ ووين يوديه؟ ووين يرعاه؟ سألته: يا اخ فلان: كيف ترعى هذه الإبل؟ كيف تستفيد منها؟ وأنت يقولون الجماعة اللي معي انه ليس لك ولد ولا اخ قريب منك!! قال: يا فلان، انا لي ابنة متزوجها رجل صالح من ابناء عمومتي. فإذا سقط المطر، وبدأ الربيع، اتاني في مكاني في «الرملة» في الربع الخالي، واخذني بسيارتي وابلي، وربعنا اربعة اشهر، وعندما ينتهي الربيع، يذهب هو الى عمله في شركة «أرامكو» وزوجته معه، وأنا اسلمها ل«فيصل» يقودها «فيصل» ويرعاها؟! هذه الكلمة بأمانة، وما قبلها بأمانة، أثرت علي في نفسي تجاه فيصل، فقدمت الرياض، وكنا نصلي المغرب في مكان يعرفه الأمير متعب شخصياً، لأن من الذين يرافقون فيصل ليل نهار، في مكان قريب من وراء «المعذر» وسلمت عليه بعد العودة من الصحراء، وأحببت إني ارويها له بعد صلاة المغرب، فلما رويتها له: نزلت الدموع من عينيه، والتفت على الجميع، بما فيهم الملك خالد رحمه الله ، والاخوان فيصل بن سعد، وفهد بن سعد، وقال: اشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به على هذه البلاد من أمن وسلام، واحفظوا الله يحفظكم وتوفي بعدها باسبوعين.
هذه كلمات في الحقيقة، احببت ان اسجلها لفيصل: لأنها قيلت عنه، ولم يقلها هو على نفسه. فهذا دليل ثقة المواطن فيه، وثقة العالم فيه. ولذلك ارجو ان لا ابيح لنفسي باي تفاصيل اخرى إنما ارجو من الله سبحانه وتعالى ان يغفر له ويرحمه، ويساعد الجميع على ما بناه موحد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز، وبعده الملك سعود، وفيصل، وخالد، وخادم الحرمين، وولي عهده الأمين، وان نكون دائماً أمناء على هذه الرسالة، رسالة السماء، وخدمة ديننا الحنيف، وخدمة هذا المواطن الشريف، والله يرعاكم والسلام عليكم.
وفي معية الملك خالد وجد الأمير سلطان استمراراً لمدرسة الملك فيصل - رحمه الله - في الاخلاص والوفاء للوطن والمسلمين، وجد الأمير سلطان في الملك خالد قدوة وتميزاً في الطيبة والإنسانية وحسن الخلق ولين الجانب اضافة الى الحكمة التي توارثها ابناء عبدالعزيز عن المعلم الأول والدهم الملك عبدالعزيز. وقد حرص الملك خالد كما حرص الفيصل قبله على وجود وزير دفاعه بالقرب حيثما يكون في حله وترحاله. وقد افاد سمو الأمير سلطان من وجوده الى جوار «الملك الطيب» ما اضاف الى رصيده الإنساني ما يحتاج وضعه الى مجلدات، وما يحتاج ان يعطي سمو الأمير سلطان من وقته للحديث عنه.
مع خادم الحرمين وولي العهد
في يوم الاحد 21 شعبان 1402هـ بايع الشعب السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد. وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
ورغم تشعب مسؤولياته وارتباطاته، لكونه ثالث رجل في الدولة، إلا ان منسوبي القوات المسلحة لم يحسوا بأي تغيير في حجم اهتمام سموه بالقوات المسلحة ومنسوبيها، فلقد كان يفضل ان يعطي مسؤولياته الأخرى الاهتمام الذي تستحقه من وقته وطاقته، وعلى حساب راحته الشخصية، بدلاً من ان يكون ذلك على حساب رعايته للقوات المسلحة.
ومنذ أكثر من عقدين من السنين وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يمثلان «القدوة الحكيمة» لسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز بما لهما من آراء صائبة وتوجيهات سديدة في كل الشؤون التي وضع سمو الأمير سلطان فيها موضع الثقة.
فبفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز القائد الأعلى للقوات المسلحة وولي عهده الأمين وصلت القوات المسلحة السعودية الى ذروة قوتها وتطورها، الى مرحلة اصبحت فيه القوة السعودية وصفقات الأسلحة السعودية تقلقان العدو الصهيوني الذي حاول جاهداً لعدة مرات افشال هذه الصفقات مع بعض مصادر السلاح. وقد وجد سمو الأمير سلطان في أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز المثل الأعلى في خدمة الدين، وحماية حياض الإسلام من ان تمس، والعمل الدؤوب على نشر عقيدة التوحيد، واعطاء الوطن وحق المواطن الأولوية في المهام، وتوجيه حركة التنمية الوطنية لخدمة الإنسان المواطن الصالح المنتج، الذي هو بالفعل في سياسة الفهد هدف مشروعات التنمية جميعا بلا استثناء.
ومن الناحية العسكرية ضرب الأمير سلطان بن عبدالعزيز أروع الأمثلة في التفاني في خدمة المليك والوطن، فعندما قرر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز القائد الأعلى للقوات المسلحة الدخول في حرب تحرير الكويت من المعتدي الغاشم بمساندة الشرعية الدولية، كان الأمير سلطان في رحلة العلاج المعروفة يقضي فترة نقاهة بعد العملية الجراحية ومع ذلك عاد سموه الى ارض الوطن تلبية لنداء الوطن ولم يستكمل برنامجه العلاجي ولم يأخذ فترة نقاهة كافية برغم معارضة اطبائه ولم يستطع أحد أن يثنيه عن العودة والوقوف الى جانب رجاله وابنائه في لحظة من احرج اللحظات التي عرفها تاريخ المملكة وتاريخ القوات المسلحة السعودية، حيث اخذ سموه ينتقل بين المدن والقواعد العسكرية والمعسكرات والخطوط الأمامية على الرغم من العملية الجراحية التي كان لا يزال يعاني من آثارها. لقد كان سموه يزور القواعد متكئاً على عصاه باسما رابط الجأش واثقاً من نصر الله ثم من شجاعة واخلاص ابنائه الجنود والضباط، ضارباً بذلك المثل الأعلى في تجشم الصعاب وانكار الذات.
يقول الأمير خالد بن سلطان عن ظروف عودة الأمير سلطان الى المملكة اثناء الأزمة: اتصلت في اليوم الخامس من اغسطس، بالأمير سلطان في المملكة المغربية اطلب توجيهاته، فلا ريب وانه قد شغل منصب وزير الدفاع لأكثر من ثلاثة عقود، اضحى نبض القوات المسلحة الموجه لحركة ايقاعها بفكره وقلبه. فهو على علم تام بكفاءة كل قائد وضابط، وبمدى استعداداتنا وقدراتنا. كان الرجل الوحيد الذي في مقدوره ان يجد حلولاً للمشكلات التي كنا نواجهها.
فالأمير سلطان وان لم يكن عسكريا إلا ان خبرته العسكرية تفوق خبرة كل قائد في صفوف قواتنا المسلحة.
كان الأمير سلطان، لسوء الحظ، يتحرك في تلك الفترة بصعوبة وألم شديد عقب الجراحة التي اجريت له في الركبة، حتى ان الملك طلب منه، رفقاً به ورحمة ان يبقى في المغرب الى حين اكتمال شفائه. ولكن الأمير سلطان ما كان ليبقى بعيداً عن وطنه في تلك الظروف المصيرية. وشعرت بالارتياح عندما علمت قرار عودته الى البلاد فوراً.
واضاف الأمير خالد في موضع آخر من كتابه «مقاتل من الصحراء» وآلمني كثيراً ان التحليلات التي قرأتها عن الحرب لم توفه حقه وزيراً للدفاع «يعني الأمير سلطان» كان حقاً الجندي المجهول وراء النصر في حرب الخليج.
كانت بصماته وأفكاره تشكل نبض المعركة وحركتها، فكان حقاً القائد الموجه، مفتاح النصر وسر النجاح.
وكانت وراء ذلك النجاح وذلك النصر بعد توفيق الله سبحانه وتعالى توجيهات القائد الحكيم خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وهي توجيهات ودروس وعبر لا تزال تؤتي أكلها وثمارها الى اليوم في خدمة الدين والوطن والإسلام والإنسانية.
|