تتحدث أمريكا منذ فترة وبشكل مكثف وموسع عن الإرهاب وخطره على العالم وينصب رئيسها من نفسه الأمل المنقذ للبشرية وخيط النجاة المرتقب من مضار هذا الوباء الوبيل.
وتجاريه الأجهزة الدعائية والإعلامية الدائرة في فلكه والسائرة في خدمة مصالحه، فتعطيه صفة البطل الذي لا يقهر والذي تجود به أمريكا من أجل خلاص العالم.
وبدرجة أكثر يتحدث الرئيس ويملأ واجهات الصحف وشاشات الإذاعات المرئية بتهديده ووعيده الذي لا يقف عند حدود أو ينتهي عند غاية.
إن أمريكا تعاني في حقيقة الأمر أزمة حادة بمقاييس مختلفة كدولة محسوبة وهذا صحيح إلى حد كبير من أكبر دول العالم وأشدها وأكثرها امتلاكاً لوسائل الدمار والقوة وهي ترى أن من حقها الراسخ والدائم أن ينصاع هذا العالم لها، وأن يخضع لإرادتها وأن يكون في خدمة مصالح احتكاراتها ومناطق نفوذها.
والغضب الأمريكي لا يعنيه كثيراً هنا غضب الآخرين ولا يعطيه اهتماماً ولا حتى يقف متأنياً في محاولة فهمه وتبنيه، كما يؤكد ذلك بشير الهاشمي في كتابه العجيب «غضب أمريكا وغضب العالم».
لذلك فالصفحة الأمريكية تزداد سواداً في نظر العالم وحجب المصالح والاحتكارات الأمريكية تفصل عنها النظرة الموضوعية المتوازنة.
والغضب الأمريكي بالتالي لا يكتسب أي مشروعية إنسانية إن صح التعبير فهو ببساطة لا يدافع عن حقوق قائمة بمواصفاتها الموضوعية وإنما يتخذ موقف العدوان والتهديد للعالم وأيضاً الانتهاك السافر والصريح لمصالح وحقوق الآخرين، خاصة إزاء الأمة العربية.
بل يمكن القول إنه لم يتميز تاريخ دولة في العالم بالعنف والإرهاب مثلما تميز به تاريخ أمريكا منذ بداية ظهورها وعلى مختلف أطوار نشأتها وتكوينها وعلى تعدد المراحل والتطورات المؤدية إلى اتصالها بالعالم الخارجي وامتدادها إليه.
ولعله من المفيد الإشارة إلى ظاهرتين محددتين، لهما اتصالهما وترابطهما الوثيق بتاريخ ظهور ونشأة ما عرف في العالم باسم أمريكا، ولهما أيضا مواصفاتهما الجلية في دلالة ومغزى الإرهاب.
الأولى أن هذا التأسيس قد جرى من طرف مجموعات بشرية مهاجرة ومغامرة من أوروبا إلى القارة الأمريكية، ترتبت نتائجه في إبادة الشعوب الأصلية للقارة وهم الهنود الحمر وانتزاع الأرض والثروات منه وتحويل من بقي منهم على قيد الحياة إلى عبيد مسخرين لخدمة الغزاة الطغاة.
الثانية: حدثت بأفظع وأكبر عملية قرصنة في التاريخ كيفاً وحجماً للجنس البشري حيث جرى جلب ملايين العبيد عنوة وقهراً من السواحل الأفريقية ومن الهند أيضاً وتسخيرهم للعمل بالقوة في أمريكا.
إن الذين يتحدثون بإعجاب عما سمّوه بالمعجزة الأمريكية يمرون سطحياً بهاتين الظاهرتين وينسون أن التقدم الأمريكي الصناعي والاقتصادي والزراعي مضمخ بدماء هذه الشعوب ويسجل التاريخ أبشع صور الإرهاب التي عرفتها البشرية.
بل إن منهم من يفخر بأنها من معطيات العمل الحضاري لبناء أمريكا الحديثة وتدعيم قوتها الاقتصادية، بيد أنها تبقى بعد كل ذلك وفوق ذلك علامات تاريخية صارخة بالحقائق والممارسات الإرهابية التي تعرض لها الجنس البشري بشكل جماعي لم يعرفه من قبل في بشاعته، والتي يسجلها التاريخ لدولة قامت على الإرهاب وإبادة وإفناء الآخرين.
دولة تواتر اتصالها فيما بعد بالعالم على قنوات من الأعمال والممارسات الإرهابية، وبمختلف العوامل والمؤشرات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.
سُئل مرة الممثل الأمريكي (جيف شندلر) عن شعوره وهو يقوم بدور جندي أمريكي في الحرب الأمريكية - الكورية سنة 1950م فقال بحالة من الزهو: إنني أرهب العالم بقوة الجندي الأمريكي الذي لا يقهر والقادر على فرض سيطرته.
وعصابات (الكوكس كلان) مشهورة ومعروفة وحينها استفادت أمريكا في حربها العنصرية ضد المواطنين الزنوج.
والأدلة والشواهد على الإرهاب الأمريكي لا تقف عند حدود ولا ترتبط بأوضاع مرحلية وإنما تتواصل على امتداد تاريخها القديم والحديث.
الغضب الأمريكي باختصار غير معني بغضب العالم لأنه لا يمتلك قوة الوعي بمتغيرات الأشياء وتحولاتها، فهو لا يفهم حقيقة غضب العالم ولا دوافعه وأسبابه.
وما يثير السخرية بحق أن الصدمات والاخفاقات التي يلاقيها الغضب الأمريكي لم تكن كافية لردعه وارتداده.ويظل طنين الغضب الأمريكي الأجوف مزيفاً ومغالطاً لحقائق الأمور حتى يتحطم ويتبعثر على صخرة الحقيقة.ويبقى البون واسعاً والفارق شاسعاً ومختلفاً بين غضب أمريكا وغضب العالم، الذي يمتلك إرادة مشروعه من الحق، ومن الدفاع من أجل قضايا عادلة، ذلك هو غضب العالم.
|