Monday 26th may,2003 11197العدد الأثنين 25 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لماذا نقتل أنفسنا بأيدينا؟! لماذا نقتل أنفسنا بأيدينا؟!
أ.د/ ناصر بن عبدالله القفاري/أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة

بعد أن نجوت بفضل من الله سبحانه من حادث شنيع وقع لي قبل أسابيع بسبب تهور شاب كان يقود سيارته بسرعة جنونية وقام بقطع الإشارة المرورية وكانت تطارده دورية أمنية.. أُمسكُ بالقلم لأكتب هذه الكلمات موجهة إلى رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وفقه الله».
صاحب السمو الملكي:
تُبذل جهود ضخمة في سبيل التوعية المرورية عبر الوسائل المقروءة والمسموعة والمنظورة وفي الميادين شتى في المدارس والشوارع والطرق العامة وفي مختلف قنوات التلقي والتأثير ومع ذلك كله فلا تزال نسب الحوادث المرورية في تصاعد مخيف وما زلنا نحارب بعضنا عبر هذه القذائف التي تنطلق في شوارعنا وطرقنا السريعة التي قد يقودها من قدلا يحسن قيادتها أو لا يفكر في عواقب الإساءة في قيادتها.
هذه الحرب المرورية المستمرة والمتصاعدة التي تتحدث عنها لغة الإحصائيات بما تقشعر عند سماعه الأبدان ويشيب من هوله العقلاء هل لها من نهاية؟؟!! وهل من سبيل لإيقاف هذا النزيف من دمائنا ومقدراتنا؟
أمر مخيف جداً أن تسجل الإحصائيات الرسمية بأن ثلث أسرة المستشفيات مشغولة بمصابي الحوادث المرورية في المملكة، أما الذي يموت في موقع الحادث ولا يدخل المستشفيات أصلاً فيقرب من اربعة آلاف شخص سنوياً كما تقول لغة الارقام إنه قد يموت ضعف هذا العدد فيما بعد في اثناء تلقي العلاج وأن معظم الإصابات والوفيات في فئة الشباب، أي جيل المستقبل وبناة الغد وطموح الأمة والفئة المنتجة في الأمة، حيث تقول الإحصائيات:
تتركز الخسائر البشرية في فئة الشباب إذ يصل الفاقد إلى نحو 40% من هذه الفئة وهو ما يعني أن خسارة فادحة تقع في شريحة الفئة المنتجة في المجتمع، كما يصل الفاقد الاقتصادي في المملكة إلى نحو واحد وعشرين مليار ريال سنويا وتقول الدراسات العلمية عن أسباب هذه الحوادث بأن أكثرها يقع لسببين: الأول السرعة والثاني قطع الإشارة.
والحديث عن أسباب الحوادث وسبل التخفيف منها ليس بجديد وقد قامت دراسات علمية في الدوائر الأمنية والمراكز الأكاديمية حولها وإن كان تكرار إعلان الإحصائيات وبيان الأسباب وتكثيف التوعية يجب أن يكون مستمراً ومؤثراً وشاملاً وأن لا يكون مقصوراً على أيام وأسابيع وأن يشارك في البيان مراكز التأثير في مواقع التعليم والإعلام، فإن الذكرى أصل عظيم من أصول الإصلاح والتغيير كما يقرره الوحي الإلهي وأن يصحب ذلك التطبيق الحازم والعادل للأنظمة.
لكن أحب أن أضيف في هذا السياق أمراً في غاية الأهمية بل أصلاً عظيماً له أثره ودلالاته في أمة مسلمة كتابها القرآن ودينها الإسلام وشرعها الكتاب والسنة بل إن هذا الأمر هو أصل الأصول وقطب الإصلاح.
وهو الحاجة الملحة بل الضرورة القائمة إلى تأصيل الأنظمة المرورية بأصولها الشرعية ومسمياتها الحقيقية ليعرف من لا يعرف أن هذه المخالفات المرورية التي تقف وراء أكثر الحوادث التي قرر النظام المروري منعها ووضع العقوبات عليها أنها ليست ممنوعة نظاماً فحسب بل هي تدخل في دائرة المحرمات بل منها ما يدخل في كبائر الذنوب والموبقات والأصل أن تلحق بكتب الكبائر المصنفة وتأخذ جزاءها الرادع ضمن أبوابها المقررة شرعاً.
أقول هذا لأن هناك مع الأسف انفصالاً في مشاعر بعض الناس وحسه ووعيه بين النظام والشرع ولايدرك أن ما لا يخالف الشرع من النظام فهو من الشرع وداخل ضمن أبوابه وقواعده بل إن هذه الأنظمة المرورية تأخذ اصلها الشرعي الواجب والمنبثق من أصل طاعة ولي الأمر بالمعروف المشروعة، وباب حفظ الضروريات الخمس الواجب حفظها وغيرها من الأصول الشرعية..
فتأمل قطع ذلك السائق الإشارة عمداً وبلا مبالاة بأرواح الآخرين ولا بالجناية على نفسه ألا يدخل هذا في دائرة الانتحار بالنسبة لقتل النفس وفي باب القتل العمد أو شبه العمد بالنسبة للآخرين؟ نعم قد يقال إن القصد الجنائي غير موجود..
لكن رصاصة كبيرة بحجم السيارة يطلقها قائدها وبأقصى سرعة وبطريقة عشوائية لتصيب من تصيب وتخطئ من تخطئ ألا يشبه ذلك من يطلق رصاصة من مسدسه بطريقة عشوائية على تجمعات الناس لتفتك بمن تقع عليه..
ربما كان هناك فرق مهم بين الحالتين وهو أن الرصاصة المنطلقة من فوهة المسدس إذا أصابت فإنها تصيب واحداً وتلك الرصاصة الضخمة «السيارة» إذا أصابت فإنها ربما تصيب مجموعة أو عائلة كاملة في لحظة فتقتل من تقتل منهم وتصيب من تصيب لتيتم أطفالاً وترمل نساء وربما خلفت الإصابات عاهات مستديمة.
أقول ذلك لأنني وجدت من يهون من هذا الأمر الخطير ويكتب في مقال منشور في موقع الأمن العام على الإنترنت قائلاً:
«لا تعد المخالفات المرورية من قضايا الجنوح ولكنها مخالفات تستوجب العقوبة بالتوقيف المؤقت أو بالغرامة المالية أو بهما معاً وذلك لما يترتب عليها من تعريض حياة الآخرين للخطر».
هكذا يقول الكاتب أو يحكم، وبهذا التعميم لجميع المخالفات المرورية اليسيرة والكبيرة حتى تعمد قطع الإشارات بما في ذلك ما يسمى لدى بعض الشباب المستهتر«بقطعة الموت».
وقطع الإشارة وأمثالها يجتمع فيها ثلاث جنايات أولها: تعريض الفاعل نفسه للخطر وثانيها: تعريض حياة الآخرين للخطر وثالثها: مخالفة أوامر ولي الأمر الواجبة الطاعة.
وإذا كان مثل هذه الجناية المركبة ليست من قضايا الجنوح فما حقيقة هذه القضايا؟؟!!
إن لدينا مقاييسنا الشرعية وأحكامنا القضائية المستمدة من الوحي المنزل والمدونة في الكتاب والسنة الصادرة من خالق الإنسان والعالم بشأنه «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير» ولا نحتاج معها إلى مقاييس علم الاجتماع الغربي لتحديد مصطلحات الجنوح فالوحي الإلهي يقرر بأن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.. ووسائل الإحياء مفروضة كما أن وسائل الإماتة محظورة لأن الوسائل لها حكم الغايات في الشريعة الإسلامية.
وتقول الأصول الشرعية إن الحفاظ على النفس إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بالأمر بحفظها.. والضرورات في الموازين الشرعية في علم الأصول فوق الحاجيات.
هذا السائق الذي يقود سيارته بسرعة جنونية ويقطع الإشارات ولا يبالي بعواقب الأمور..
هل هو عينة لشريحة مماثلة تنذر بخروج جيل متهور يهدم ولايبني ويسيء ولا يصلح.. وما أسباب وجود مثل هذه الفئة ومن المسؤول عن صلاحها أو إصلاحها وتقويمها هل هو البيت أم المدرسة أم المجتمع أم وسائل الإعلام والتعليم أو ذلك كله؟
بلاشك أن المسؤولية مسؤولية الجميع والبيت هو أول دوائر التربية والتنشئة السليمة، يقول علماء التربية كم من أحداث وقعت في التاريخ وأثرت في سير المجتمع تكمن بواعثها في مؤثرات بيتية، وهذه النظرة التربوية لها أصل شرعي ثابت وهو قول المربي الأول والأسوة والقدوة صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» فالفطرة هنا هي الاستعداد للصلاح والقبول للخير أو كما يعبر علماء الإسلام بقولهم:
هي وجود القوة العلمية والعملية التي تقتضي بذاتها الصلاح إذا لم يمنعها مانع، فالمسؤول الأول عن سلامة الفطرة ذلك الكنز الغالي الذي لايقدر بثمن هما الأبوان وهذا تأصيل عظيم للوظيفة الشرعية الكبري للأبوين أو للبيت تجاه النشء..
لكن تحولت وبكل أسف بيوت جملة من الناس إلى مزارع لتسمين الأجساد ومواقع لتحقيق الرغبات المادية والشهوات الجسدية وترك الأولاد في معزل عن الحماية من هجمات وسائل الفساد والتدمير التي تغزونا في عقر دارنا.
وربما لا ترى في هذا البيت أو ذاك القدوة الحسنة من الأبوين أو توجيه الناشئة إلى مثل عليا في تاريخ الإسلام وواقعه، وأصبحت القدوة لدى البعض هو ذلك الراكل بقدمه أو الناعق بصوته بل ربما وجدت من الأنباء من يحفظ من أسماء وسير هؤلاء أكثر ما يحفظ من سير عظماء وعلماء الأمة، كما تجد غياباً محزناً لصوت المربي داخل البيت، بل اختفت وظيفة الرعاية من قاموس بعض الآباء وهي فريضة من فرائض الإسلام بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته»، كما ضعف دور المدرسة وتأثير المناهج ودور المعلم عن تحقيق الأهداف التربوية في الغالب حتى تحولت المادة لدى بعضهم إلى مجرد تلقين وحشو للأذهان بلا ربط للمادة بأصولها التربوية وأهدافها العليا ولو راجعنا تراثنا التربوي في مدارس الإسلام التي كانت تصاحب طالب العلم في مراحل دراسته لوجدنا تراثاً ضخماً اخرج رواداً لم تر أمة من الأمم وخلدوا سيراً لاعلام نبلاء لم تكتحل عين الدهر بأمثالهم، فياليت هذه الدروس التربوية يُربى عليها الطلاب ولو في النشاط اللامنهجي وكم نحن بحاجة إلى إقامة دورات تربوية اجتماعية وإصلاحية يوجه إليها من يعتاد مثل هذه المخالفات ولا تكون المعالجة في العقوبة المادية فقط فإن الكلمة هي سلاح الأنبياء وبالكلمة تفتح القلوب والعقول وبكلمة الإسلام وسير اعلام الإسلام فتحنا بلاد الدنيا وأكبر تجمع للمسلمين اليوم يوجد في اندونيسيا مع أنه لم يدخلها جندي مسلم ولم يرفع فيها سيف ولم تطلق فيها رصاصة، بل دخلها نور الإسلام بالقدوة الحسنة والكلمة الطيبة.
وإذا كان هذا بعض مسؤليتنا تجاه شبابنا وأبنائنا فكيف السبيل يا صاحب السمو إذا شارك هذا الشاب في عدوانه أو دفعه إلى ذلك من يفترض أن يتولى حراسة الأمن ومراقبته؟؟!! وذلك حين يقوم بعض رجال الدوريات الأمنية وبسياراتهم الرسمية بمطاردة بعض الشباب ممن يرتكب بعض المخالفات المرورية وذلك وسط شوارع المسلمين وفي تجمعاتهم العامة..
ويقع بسبب ذلك حوادث مأساوية ألا يعد ذلك مساهمة في تعريض حياة الآخرين للخطر ومشاركة لهذا الشاب المستهتر في مخالفاته وما يترتب عليها من اعتداء على الآمنين وقد قرر فقهاء الإسلام بكل وضوح بأنه «يجب الضمان بالسبب كما يجب بالمباشرة. المغنى:7/822».
أقول عن ظهور هذه الحالات من المطاردات عن مشاهدة، فقد رأيت ذلك بأم عيني وسط شوارع الحي الذي أسكنه.. بل أقول ذلك أيضاً عن تجربة ومعاناة فقد كدت أن أذهب ضحية هذه التجاوزات الأمنية في مدينة بريدة ووقع ذلك في وضح النهار وفي ساعة الذروة من الزحام بعد خروج الطلاب من قاعات الامتحان. وشهد بأمر هذه المطاردة التي سببت ذلك الحادث الشنيع شهود عيان متعددون» وما يثبت بالبرهان مثل ما يثبت بالعيان كما يقوله أهل العلم في قواعدهم» بل وقعت في مدينتي بريدة حوادث مشابهة ذهب ضحيتها أنفس..، وسمعت ممن زارني بعد الحادث وهم كثيرون عن هذه الحالات مالو جمعت أخباره لخرجت تفاصيله في ملف تحقيق كبير..
والأمر يحتاج إلى وقفة حازمة من مقام وزارة الداخلية للتحقيق في هذه الحالات، وإيقاع الجزاء الرادع على اصحابها لتختفي معه تماماً هذه المفردات الخطرة في حياتنا الامنية.
وفي سبيل اكتمال العملية الأمنية لابد من مراجعة المسيرة وتطوير الأداء والاستفادة من الأقسام العلمية والمراكز البحثية في الجامعات وغيرها في ذلك وتفعيل النتائج والتوصيات والقرارات ومع التوجه الشامل في البناء والتطوير لابد من معالجة الأخطاء ومحاسبة المخطىء والمقصر.
إن حراسة أمن المسلمين من أجل العبادات وأعظم الطاعات وأهم الواجبات.. وأحسب يا صاحب السمو أنه ما من مصلٍ يصلي وحاج يحج ومتعبد يتعبد وهو يرفل في ظل هذا الأمن الوارف في بلادنا إلا وللقائمين على حفظ أمن هذه البلاد المقدسة كفل من أجره والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved