كنت مشدوداً الى شخصية الشيخ محمد بن بليهد رحمه الله «صاحب صحيح الاخبار..» وكان مفكراً وعى قبل ان نعرف الوعي، وسمعت عنه الكثير من القصص والمواقف التي تدل على قوة الرجل ودهائه، فكان مواطنا مخلصا ايام توحيد المملكة، وقد غادر الدنيا بعد ان قدّم اضخم عمل معجمي عن البلاد العربية وخاصة الجزيرة العربية، فصار صحيح الاخبار من اهم المراجع التي يرجع لها الباحث بوجه عام والباحث السعودي خاصة، وانجب الشيخ رجالا يحملون صبر وقوة الرجل ولهم الثقل الفكري والاجتماعي، وقوة العزم والعزيمة، وخدموا بلادهم في مواقع تحتاج الى رجال يعرفون الرجال ويتحلون بالصبر والاناة، وهم أهل لذلك.
وفي حادث التفجير الاخير توفي من الاسرة احد ابنائها الذي كان يعقد عليه أمل مثمر مثل آبائه واجداده، وكنت انوي كتابة موضوع عن هذه الاسرة العريقة، لكن التراخي والتسويف اثبطا من عزمي، وذات يوم دخلت المكتب العام للشيخ عبد الله بن محمد البليهد «والد الشهيد محمد المسمى على جدّه» وفوجئت حقاً من قوة وجلادة الرجل وهو يؤدي عمله الوطني بكل صبر واناة وحلم على الرغم من تجاوزات بعض المراجعين له، فعلا كان ذهولي شديداً جدا، فكيف يتحمل هذا القوي مثل تلك الفاجعة بموت ابنه الاكبر محمد، ومع ذلك يوجه ويعمل وينصح ويرشد موظفيه ومراجعيه، اوووه.. ما اقوى صبر ذلكم الرجل عبد الله بن بليهد، وكم أنت كبير يا أبا محمد. إني على يقين لو ان تلكم الفاجعة قد اصابت غيره لانكفأ مدة طويلة حتى يندمل جرحه ويذهب سقمه، وهنا تبرز معادن الرجال وقوة تحملهم وقوة ايمانهم بما قسم الله، وإيثارهم للهم الاكبر.
ان اسرة عريقة المحتد والمجد مثل آل بليهد نعتبرهم من الاسر التي تفخر بها البلاد التي وحّدها وجمع شملها المغفور له الملك عبد العزيز، وقد سلّمها امانة في ايد بررة من ابنائه وابناء شعبه كل على قدر جهده وطاقته، لذا نجد مثل الشيخ عبد الله بن محمد البليهد يلغي همّه الاسري ويعمل بهمة واخلاص لوطن هو امانة في اعناق الجميع، وهنا تجيء رجولة الرجال وصورة الحب والوفاء للوطن.. فقد قدمت الاسرة فكرا مورقا وقدمت رجالا.. فصبرا آل بليهد فأنتم منا وما يزعجكم يزعجنا، لكن هي الاقدار لا نقف امامها الا بالدعاء للأموات والاحياء.. بارك الله فيكم وزادكم صبرا وقوة، وانتم فوق الجراح والهموم..
ورحم الله متوفاكم وعوضكم خيرا.. والى الله المصير..
|