قدر علينا نحن الجيل الممتد من الثمانينات الهجرية وحتى يومنا هذا أن نعيش تغيرات خطيرة. كل يوم حدث جديد وعلينا أن نجابهه بأسلوب مختلف عن مجابهة الحدث الذي قبله، وكل حدث جديد يحتاج إلى أدوات ولغة تختلف عن أدوات ولغة الحدث الذي قبله. وقد خلط توالي الأحداث هذا بين الناس فلم تعد تعرف من هو المتخصص وصاحب الصنعة ومن هو الهاوي المتحمس، فالنوازل الكبيرة كالنوازل الصغيرة يتفازع فيها الناس ويتلاومون ويتقاذفون بالكلام. كل يعتقد أن الحكمة عنده ليضع اللوم على الآخر. لا يمكن القول إن ما يجري من كلام على صفحات الجرائد هذه الأيام راجع إلى سوء نية ولكني أظن أن الأمر كله يعود إلى عدم توفر خبرة في التعامل مع الأحداث المتوالية وعدم توفر خبرة في فن التخاطب. لا نعرف كيف ننطلق من أرضية حوار مشتركة رغم أننا نعيش أرضية مشتركة على الواقع. لو نزعنا كل القشور التي تحيط بالحوارات الساخنة التي تدور هذه الأيام سنجد أن الجميع متفق تماما ولكن لا أحد يريد أن يتنازل عن صغائر التفريعات التي يتحمس لها. لا أحد يستطيع أن يدين أحداً في ما يتعلق بالأساليب أو الثوابت إلا إذا أقام حججه على قراءة النوايا وما تخفي الصدور.
عندما أشير إلى رجل واقف هناك وأقول لمحدثي (ذاك اللي عليه شماغ) فأنا لا أقدم تقييما لشماغه ولكني أميزه عن الآخر الذي يقف جنبه لابساً غترة بيضاء. ولكن كما قلت النقص في لغة التخاطب يؤدي إلى سوء الفهم، وهذا بالضبط ما حدث عندما قلت ملتحي، فأنا لا أقدم تقييما للحية ولكني أصف من أتحدث عنه، لأني لو قلت الشباب المتدين فأنا أظلم الشباب المتدين من غير الملتحين وأنا لا أحبذ كلمة الملتزم وقد سبق أن شرحت السبب الخ، وباعتزازي المستمر بأني رجل متمدن يحترم خيارات الناس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أعير الإنسان في خياراته الشرعية. وإذا كان أي من الاخوة القراء قد شعر بأي اساءة من أسلوبي في صياغة الموضوع في مقالاتي الأربعة الماضية أقدم له اعتذاري مع بوسة أخوية على اللحية الغانمة إن شاء الله. كلنا نعاني من نقص الخبرة في التعامل مع حرية الكلمة مما يرشح مزيداً من سوء الفهم.
في الأسبوع الماضي احتفلنا بفتح باب من أبواب حرية الكلمة كاد أن يصدأ. وهو من الأبواب الرئيسية التي سبّب غلقها نقصاً حاداً في الأكسجين. وأرجو أن تلحق بها أبواب أخرى ما زالت مغلقة ولكني أرجو في الوقت نفسه ألا يكون ثمن الفتح باهظاً كما هي الحال مع هذا الباب. فاحتفالاتنا كاحتفالات أهل اليمن لا بد من عيارات طائشة. اني على ثقة عندما نتجاوز آلام الأحداث الأخيرة ونتأكد أن هذا الباب الذي فُتح لن يُغلق بعد نهاية الأحداث سوف نكتشف أن مكاسبنا أكبر بكثير من خسائرنا.مع التزامي التام بكل الآراء والأفكار التي طرحتها في مقالاتي الأربعة الماضية وتأكيد إيماني بها.
أعود مرة أخرى وأقدم اعتذاري لكل الاخوة القراء وخصوصاً الملتحين إذا كنت قد أسأت التعبير ولمست أي حساسية دينية أو شخصية لديهم، وأؤكد لهم أننا في سفينة واحدة ترفع علماً خفاقاً واحداً سيبقى عالياً إلى يوم الدين كتب على وجهيه لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فاكس: 4702164
|