شرفتني إذاعة الرياض قبل أيام بالدعوة للمشاركة في ملتقى فكري على الهواء مع نخبةٍ من أهل الفكر الراجح، وتناول المجتمعون بعض تداعيات الأحداث الأمنية الأليمة التي عاشتها بلادنا مؤخراً وسبل التعامل معها في الأجلين القريب والبعيد.
وقد تداخلت عبر الهاتف مع ذلك اللقاء بكلمةٍ مكونة من عدة بنود، أو جزها في التالي:
أولاً: كنا إلى عهدٍ قريبٍ سبق كارثة الحادي عشر من ربيع الأول هذا العام نتحدث في أدبياتنا ومجالسنا عن «الغزو الفكري» المشبوه القادم إلينا من خارج الحدود.. فإذا بنا نفاجأ بفكر مشبوه يغزونا من عقر دارنا في عقر دارنا، ويكون سبباً في قتل الأبرياء وتدمير المملتكات، وقض مضاجع الآمنين في ديارهم.. وتساءلنا يومئذٍ ومازلنا نتساءل من هول الحدث: هل أضحى الإرهاب «صناعة محلية».. فكراً وآليةً وتنفيذاً، بعد أن كنا نحسب أنه «بضاعة مستوردة»؟! وإذا كان الرد بالإيجاب، فإن البلاء مبين والخطب عظيم!
ثانياً: إننا اليوم وكل يوم مطالبون بأن نقف وقفة رجلٍ واحدٍ مع ولي أمرنا، ومع حكومتنا وسدنة أمننا، لنعينهم بما نستطيع قولاً وفعلاً، عملاً بالحديث الشريف «من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، ومشاركة كهذه أياً كان مصدرها أو صنفها أو مستواها، فرض عينٍ، لا ترف كلام، بل هي ضرب من «الجهاد» المشروع درءاً للفتنة، وردعاً لمن دعا لها أو سعى في سبيلها!
ثالثاً: إن ما حدث في الرياض قبل أيام خطب عظيم.. لا يمكن تبريره ولا تمريره ولا الاعتذار له، وأحسب أن له ذيولاً وفلولاً وآثاراً لم تنته بعد بمقتل حفنةٍ من منفذيه انتحاراً، ولذا، لابد لنا جميعاً من المشاركة في اجتثاث تلك الذيول والآثار بما نملك من وسائل القول والعمل، وألا نكتفي بدور المتفرج على الأجهزة المعنية التي تكابد وحدها أرق المرابطة والمطاردة والرصد لتلك الفلول!
رابعاً: أن التعامل مع الحدث الإجرامي الذي هز كل وجدانٍ صادق لابد أن يتخذ مسارين متلازمين أحدهما عاجل، والآخر وقائي غير مؤجل.
أ- فأما المسار العاجل فيتمثل في الضرب بقوة لا تعرف اللين على يد كل من كان له ضلع فيما حدث: فعلاً باليد، أو تحريضا باللسان، أو إيحاء بالقلم، أو دعماً بالمال، أو تستراً على فعل الشر أو فاعله، فكل أولئك شركاء في الجرم، شركاء في الاثم.. وشركاء في العاقبة والعقاب، ونحن حكومة وشعباً، لسنا ملومين فيما فعلنا أو سنفعل في هذا السبيل، مادام الهدف حماية العقيدة من الابتزاز، وصيانة الأمن من الاهتزاز، وحفظ الوحدة الوطنية من التصدع!
ب- أما المسار الوقائي غير المؤجل فهو نبش وتنقية التربة التي تؤوي جذور «الفكر المشبوه»، وتجفيف المستنقعات التي تسكنها طفيلياته، وذلك عبر مراجعةٍ ذاتيةٍ جادةٍ وآلية إصلاح شامل تشمل الاقتصاد والتربية والتوجيه الديني والاجتماعي والمؤسسات التي تخدم هذه الشؤون وترعاها، لأن في ذلك تصحيحاً وتطهيراً لأفئدة الشباب من كل فئات الأعمار، وحمايتهم من التسكع في دروب البطالة والفراغ والإحباط، وإبعادها عن أوكار التغرير والظلام، فلا تتكرر المأساة.. على نحو ما سمعنا وشاهدنا!
خامساً: إن تفكيك قنبلة الارهاب وقائياً، عملية فكرية وحضارية معقدة، لا يمكن ان تتم بين يوم وليلة، ولا تختص بمواجهتها أجهزة الامن وحدها، بل اننا جميعاً مطالبون بالمشاركة في التعامل معها: بدءاً بالمسجد، مروراً بالمدرسة والجامعة ومنابر الإعلام، مسموعاً ومشاهداً ومكتوباً، وانتهاء بمؤسساتنا الاجتماعية والاقتصادية والفكرية.
* ولنتذكر في الختام:
1- أن الوقاية من جرثومة الإرهاب تستوي أهمية مع مكافحتها، إن لم تَفُقْها.
فالداء أحياناً لا «يموت» بالقضاء على أعراضه ولكن.. باقتلاع جذوره.
2- أن أمن الوطن أمن لنا جميعاً.
3- وأن خيره كسب لنا جميعاً.
4- وأن محنته شرلنا جميعاً.
5- وبه، بعد الله، نكون أو لا نكون!
|