* بغداد - بيتر فورد:
في ظل الخوف من الخروج بعد حلول الظلام، الانتظار لعشر ساعات لملء سياراتهم بالوقود، الشائعات المنتشرة في غياب أجهزة إعلام موثوق فيها، مشاهدة المباني البارزة وقد أضرمت فيها النيران والتعجب لمعرفة من هو في موقع المسؤولية، يتصاعد نفاد صبر سكان هذه العاصمة مع الفوضى المتعمقة التي تصيب حياتهم لأكثر من شهر بعد استيلاء القوات الأمريكية على المدينة.
تقول جنان خادمي، وهي عراقية-أمريكية تقوم بتدريس المعمار في جامعة بغداد، «هاجسي الأعظم هو الفوضى العارمة، لا يعرف المرء من يتولى تصريف الأمور».
في خضم المخاوف حول استقرار بغداد، دشنت الولايات المتحدة تغييرا رئيسيا في إدارتها ما بعد الحرب، المسؤول الذي يتولى مهمة الجهود المدنية للإعمار في العراق، الجنرال المتقاعد جاي جارنر، جرى تبدليه ب إل، بول بريمر، وهو مسؤول مكافحة إرهاب سابق بوزارة الخارجية. رئيسة بلدية بغداد، بموجب الأمرالواقع، بربارا بودين حدد لها أيضا أن تترك منصبها كمنسقة أمريكية لوسط العراق يوم الأحد.
تتدهور في بغداد الحالة الأمنية، التي تحتل صدارة أولويات أي شخص، بما فيهم الأمريكيون، تسمع أصوات الرصاص بصورة أكثر مما كان عليه الحال قبل إسبوعين مضيا، ويقوم اللصوص بسحب السائقين خارج سياراتهم في وضح النهار، ويواصل النهابون سرقة ما تبقى في المباني العامة على مرأى كامل من العابرين.
يوم الأحد، قام المخربون بإحراق وإتلاف برج الاتصالات، الذي نجا من القصف الشديد أثناء الحرب، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم لا يستطيعون إحكام السيطرة على الوضع، بوجود ما لا يقل عن 150000 من الجنود الأمريكيين في العراق، وهو بلد في حجم كاليفورنيا، «هناك بعض مناطق لم نقم بالانتشار فيها بشكل كامل"، حسب ما يقول الجنرال دي فيد ماكيرنان، قائد القوات الأرضية الأمريكية.
حتى وجود الجنود الأمريكيين في بغداد لا يوفر الكثير من الطمأنينة للمدنيين، بالرغم من القول بفتح المدارس في الاسبوع الماضي، إلا أن كثيرا من الأسر تبقي أطفالها في المنازل، خوفا مما يمكن أن يحدث لهم في طريقهم للمدرسة.
لم يفلح أيضا فرض حظر تجوال بعد الساعة الحادية عشرة ليلا في ضمان الهدوءأثناء الليل، يقوم اللصوص باغتنام فرصة التساهل في تنفيذ حظر التجوال في غياب دوريات الشرطة، تقول خادمي "في البداية أصابنا الارتياح من أن اللصوص لم يغيروا على المناطق السكنية، لكننا الآن نخاف من أن يهاجموا منازلنا».
تضيف خادمي أن جيرانها، وهم مهنيون لا خبرة لهم بالسلاح، بدأوا في الأيام الأخيرة في شراء بنادق إيه كيه-47 للدفاع عن النفس.
يقول أحد مسؤولي التحالف «يعتبر الأمن مشكلة في بغداد، على الرغم من أن الأوضاع أفضل بكثير في المناطق الأخرى من العراق»، ويضيف «إن الأمن يمثل الأولوية بالنسبة لنا لأنه أساس كل شيء آخر،»، يقوم 60 في المائة من أفراد الشرطة العادية للعاصمة بتسجيل أسمائهم للعودة للعمل، حسب قوله، «غير أنهم لا يؤدون أعمال الشرطة بالطريقة التي نعرفها نحن في الغرب، بالتالي يتعين عليهم معرفة طريقةعملهم».
لا يعرف أي شخص أيضا ما هو القانون السائد في العراق الآن، قال الجنرال ماكيرنان في الاسبوع الماضي إن البلد ليس في ظل أحكام عرفية، «لكننا في مرحلة انتقال، إنها مرحلة ضبابية»، يشير المسؤولون إلى أن الوضع معقد، بسبب أن صدام حسين أخلى السجون العراقية قبل الحرب، مطلقا 100000 مجرم عادي في الشوارع، بالنسبة للبغداديين من أصحاب السيارات، فإن مشكلة أخرى تعادل تقريبا المشكلة الأمنية هي النقص في الوقود، انتظر عبد الحسن من الساعة الرابعة صباح السبت كي يحصل أخيرا على وقود لسيارته عند الساعة الثانية بعد الظهر في محطة وقود الخليصة، يقول عبدالحسن «عليك أن تأخذ مكانا في الطابور مبكرا، ليس هناك خيار آخر، وأن تفكر في أننا كنا معتادين على محطات وقود مفتوحة 24 ساعة في اليوم».
الطوابير الثنائية للسيارات التي تنتظر الوقود - لمئات من الياردات في العادة- تسد الطرق، ما يدفع بحركة المرور لسلك الاتجاه المعاكس وجعل الشوارع أشد تعقيدا.
في الأماكن الأخرى من بغداد، يتجاهل قائدو السيارات حتى الإشارات المرورية العاملة، ويذهبون في الاتجاه المعاكس في الدوائر المرورية، وينطلقون مسرعين في الاتجاه المعاكس في الشوارع أحادية الاتجاه.
ويشتكي قائدو السيارات من أنهم وعدوا ب 20 دولارا كمجمل أجر طارىء بواسطة الجنود الأمريكيين أربع مرات، دون نتائج حتى الآن،في نفس الوقت، عندما يأخذون سياراتهم إلى الطرقات، «تسبب الشرطة مشكلات لنا، قائلة إن بطاقات الهوية الخاصة بشركتنا للحافلات منتهية الصلاحية» كمايقول باسم هاشم أحمد، سائق، إنهم في حاجة إلى بطاقات هوية جديدة كي يثبتوا أنهم عاملون شرعيون، وليسوا لصوصا، غير أن شركة الحافلات لا تملك خاتما للتصديق على البطاقات بعد ان تمت سرقة الختم.
على الأقل فإن سائقي الحافلات يعملون، عندما يجدون حافلة يقودونها.
لم يستأنف معظم العراقيين أعمالهم، إذ أن الوزارات والشركات التي كانت توظفهم لحين بدء الحرب لم تستأنف بعد أعمالها.
تسبب ذلك في أن يصبح ملايين من المواطنين دون دخل ودون مصدر آمن للطعام، في غياب نظام الحصص الذي كان سائدا في ظل برنامج الأمم المتحدة «النفط مقابل الغذاء» قبل الحرب.
حتى الآن، لم تصل أي شاحنات غذاء تابعة للأمم المتحدة إلى بغداد، ويقول مسؤولو الإغاثة الغذائية إن احتياطيات الحصص الغذائية التي وفرها العراقيون ستنفد على الأرجح في غضون أسابيع.
إذا كانت شوارع المدينة خالية الآن من حواجز الطرق والحافلات والشاحنات المحترقة (جرى سحبها وتجميعها على الأرصفة)، فهي ما تزال مكدسة بالقمامة، التي لم تجمع لأسابيع، في الأمسيات، يقوم السكان بحرق ما يستطيعون حرقة، مطلقين أعمدة من الدخان اللاذع الذي يغطي المدينة، غير أن الكثير يتبقى في أكوام جانبية.
بينما تتحسن إمدادات المياه - يتوفر ل 65 في المائة من العراقيين الآن مياه صالحة للشرب، وفقا للجنرال المتقاعد جارنر - بينما لا يزال التيار الكهربائي مشكلة رئيسية في بغداد.
بالرغم من أن محطات الكهرباء في شمال وجنوب البلاد تقوم بتوليد تيار كهربائي يفوق حاجة مناطقها، فإن الضرر الذي أصاب شبكة الكهرباء الوطنية لا يعين على توصيل التيار الكهربائي للعاصمة، 50 في المائة فقط من الاحتياجات تتم تلبيتها، وتحظى بعض المناطق بالكهرباء فقط لساعتين في اليوم.
يقول مسؤول التحالف «نعم، هناك الكثير من المشكلات، لكن الكثير من العمل جرى إنجازه في مختلف الجهات، لكن هناك تحديات ضخمة».
هناك تحد واحد على الأقل يمكن تذليله في بغداد، إذا كان أحدهم قد سرق سيارة ويخشى عودة القانون والنظام، فلن يشق عليه أن يقوم بحماية نفسه، في أحد أسواق المدينة يوم الأحد، سيقوم بائع متجول ببيع لوحات جديدة وأوراق ملكية سيارة تتوافق مع سيارته (وهي أشياء مسروقة، مع الأختام الرسمية اللازمة، من وزارةالنقل)، وسوف يحصل على رخصة قيادة مزورة أيضا، كل ذلك مقابل 30000 دينار، ما يساوي 15 دولارا.
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة»
|