* الرياض وسيلة محمود الحلبي:
الطفل ضحية من ضحايا الحروب سواء عايشها فعليا أو شاهدها عبر وسائل الإعلام وتعذبه بصور ويلاتها وجراحها واشلاء ضحاياها ومعاناة مصابيها وبصور الحطام والتدمير والخراب الذي تخلفه الحروب.. انعكاسات سلبية على عقل ونفس واعصاب الطفل تختزن في أعماق ذاكرته قد لا يستشعرها في الحال لكنها توثر فيه وجدانيا على مدى سنين مخلفة انعكاسات وتؤتراً وقلقاً مما يُعد من الآثار غير المباشرة للحروب فكيف بطفل عاش وسط الجحيم، هنا نتحدث الى متخصصين حول المسألة..
الطفل يركز على الصور
* الدكتورة آمال شملاوي طبيبة أطفال أكدت أن للحروب بشكل عام تأثيراً كبيراً على كل شرائح المجتمع بما فيهم الاطفال إما مباشر كأن يكون الطفل قريباً جداً من الحرب ويكون معرضاً للقصف أو الاضطرار للاختباء بالاضافة الى غياب الأب الذي قد يكون في ساحة الحرب وقلق الأم ونقص الأمان والغذاء وهناك التأثير غير المباشر والذي يكون عبر وسائل الاعلام أو ما يسمعه الاطفال من الكبار او في محيط المدرسة والحارة والمسجد وغيرها ويكون تأثيره واضحا بالشعور بعدم الأمان والقلق النفسي والتوتر والقلق من المستقبل وقد ينعكس اكتئاب الكبار على الصغار مما يسبب اضطراب النوم والكوابيس والخوف غير المعروف بالاضافة الى دخول مصطلحات جديدة على حياة الطفل مثل القنابل، الدبابات، الصواريخ، الأعداء والخ..
لذلك يجب على الأهل عدم التحدث امام الاطفال عن الحروب والمآسي ودعم الشعور بالأمان لديهم والتحدث بشكل مبسط عما يجري وأن الأهل موجودون دائماً لراحة أطفالهم..
وكثيراً ما تبقى مخيلة الأشياء التي يراها الاطفال عبر الفضائيات عالقة في أذهانهم لذلك يصابون بالاضطرابات النفسية لذلك ارجو أن لا يرى الاطفال التلفزيون ولا يروا مشاهد الحروب والقصف والقتل والدمار لأن الطفل لا يتابع الخبر ولكنه يركز كل اهتمامه على متابعته للصور والمشاهد وما أكثر مشاهد القتلى والجرحى والمصابين مما يثير مشاعر الخوف وفقدان الشعور بالأمان داخل الطفل الذي مازال يخطو خطواته في الحياة وان هذه المخاوف والقلق يؤثران في الاطفال أثناء النوم في شكل احلام مزعجة وكوابيس وفزع ليلي لذلك أناشد الاهالي بتجنب اطفالهم هذه الآثار بالسيطرة قدر الإمكان حيث ان تلك المشاهد لا يتحملها الكبار.. فما ذنب الاطفال الضعفاء الأبرياء فأنا أطالب الآباء والأمهات باشغال أبنائهم عن متابعة ما يحدث وخاصة الاطفال في المدارس الذين يحدثون اقرناهم بهذه المشاهد ليدفع فضول الاطفال لمشاهدتها التي ستبقى تأثيراتها النفسية في الطفل.
الطفل والبث المباشر
الاخصائية النفسية ابتهال السعوي قالت في هذا السياق: للحرب الآثار السيئة جدا على شخصية الطفل ونموه أيضاً وعلى فكره وسلوكياته المستقبلية حيث أصبح أكثر الاطفال يلعبون لعبة الحرب في منازلهم أو في الحارات أو في الحدائق العامة ولا حديث لهم سوى القتل والدمار والعدو والصواريخ والدبابات والقنابل العنقودية.. فقد حفظ الاطفال كل هذه الكلمات الموجعة ولن ينسوها اطلاقاً.. ونجد اسئلة شتى تدور في أذهان الاطفال.. هل سأقتل مثلهم.. هل سيقتلون أبي وأمي واخوتي.. هل سيدمر بيتنا.. هل ينام الاطفال في الحرب، هل يأكلون وكيف ذلك هل يخافون لماذا كل هذا الظلم، لماذا خلقنا من أجل أن نقتل.. ونرى أن كثيراً من الامراض النفسية من (العدوانية الزائدة والانحراف في مرحلة المراهقة) تعود إلى أسباب وأوضاع الحرب بل والدمار المتكرر على الشاشات الفضائية لذلك لابد من مراعاة الطفل وعدم ادخاله في متاهات الحروب وأجوائها لأنه لا يمكن أن ينسى ذلك.
فالحرب عدم الشعور بالأمن والطمأنينة بل بالذعر والاكتئاب والخوف والقلق والتوتر.. وأثرها على الطفل أكثر من الفرد الكبير الواعي..
ومن المؤكد أن النقل المباشر لصور الموتى والمحروقين والمصابين في المستشفيات المتناثرين هنا وهناك أدى إلى انعكاسات سلبية على العديد من فئات المجتمع وأولها الاطفال بالطبع والحالات التي كانت تعاني من أمراض نفسية حيث حصل لها انتكاسات.. وذلك نتيجة الفعل المباشر الذي يحمل صور الدماء والموت.. والملاحظات أن أكثر الحالات المراجعة لأقسام الطب النفسي تعاني من الاضطراب والقلق والتوتر والكوابيس الليلية المزعجة وبعضهم انقطع عن مواصلة الدراسة.. كذلك لابد أن أشير الى ضرورة ابعاد الصحف عن أيدي الاطفال لأنها تحمل صوراً للموت والقتل والتعذيب والدمار..
وعن علاج تلك الحالات أوضحت الاخصائية النفسية ابتهال السعوي أنها تعالج بالعلاج السلوكي وببعض العقاقير الطبية المهدئة.
رفقاً بالأطفال
الاخصائية فاطمة محمد السلوم والمشرفة العامة على أقسام المرأة بمستشفى اليمامة قالت في هذا الموضوع: إن الاطفال الصغار من الصعب عليهم تصور مناظر القتل والدمار والدماء والحروق بالاضافة الى الاصابات الصعبة كالرأس المفتوح والأيادي المقطعة ومنظر الدماء في جميع أنحاء الجسم فإنها مناظر تقشعر لها الابدان.. فكيف تأثيرها إذن على الاطفال فقد قرأنا في الصحف أن عددا من النساء اصبن بالانهيار وبدأن بمراجعة العيادات النفسية كما أن الاطفال أصابهم الاكتئاب والقلق والفزع وبعضهم امتنع عن الدراسة.. كل هذا بسبب جلوس الاطفال ومتابعة ما يراه الكبار فعلى الأهالي الاكتفاء باستماع الاخبار عبر الاذاعة خاصة بحضور الاطفال، واشغال الاطفال عن تلك الصور المؤلمة التي نراها وتقشعر لها الأبدان.. وعلى الأهل تعليم أطفالهم الهدوء والتمسك بالعبادات والاتكال على الله في كل أمر.
فهذا يجعل ما نراه ونسمعه أقل وقعاً على النفس ولا بد أن أذكر أن أهم الامراض التي تصيب الناس وخاصة الاطفال في مثل هذه الظروف هو مرض (العصاب الصدمي).. وهو ردود فعل عشوائية في سلوك الفرد الشخصي والفسيولوجي وتظهر هذه الاعراض على هيئة نوبات مفاجئة تحصل له إذا رأى فجأة صورة للحرب أو صورة للقتلى والمصابين فتحصل منه ردة فعل قوية يعيش نفس الأجواء القاسية وهذه الاعراض تظهر بعد الحروب بفترة وجيزة.
واكدت السلوم أن الدكتورة منى الصواف استشارية الطب النفسي ذكرت أن التقارير العلمية أوضحت أن نسبة الاصابة بالذبحة القلبية وأمراض الشريان التاجي زادت بين المقاتلين في حرب فيتنام، وأن نسبة الاصابة بقرحة المعدة ارتفعت بنسبة (400%) في الحرب العالمية الثانية وأن معاناة أسرى الحرب العالمية الثانية لعدد من الاضطرابات النفسية والجسدية زادت بصورة كبيرة.
واكدت أن متابعة الشاشات الفضائية في فترة الحروب والكوارث تجعل الإنسان منطوياً داخل منزله ليتابع كافة المحطات حيث لا يكتفي بخبر أو اثنين أو محطة أو اثنتين مما يجعله يتأخر عن أعماله أو يهملها كليا فذلك يبعده عن المجتمع الخارجي ويشل حركته وكذلك يؤثر ذلك على عمله الذي يؤثر على الانتاج الوطني العام وهذا خطأ كبير لابد أن نتفاداه ايضاً.. وهذا ما يسمى بالتأثير الاجتماعي للحرب النفسية على المجتمع.
وأوضحت السلوم أن أنباء القصف الجوي على العراق أصابت مواطناً من جيزان بجلطة.. وفي عسير وفاة عامل هندي.. فالموت والحروب والتشريد والضياع تؤلم القلوب المسلمة فكيف بالأطفال الصغار من تلك المشاهد المؤلمة التي رأيناها جميعا عبر الفضائيات.. فإن تأثير ما نشاهده يترك أثراً بالغاً على نفوسنا ويدوم تأثير ما نراه لعدة سنوات فتشفى الجراح الجسدية وتندمل بينما الجراح النفسية تستمر حيث تظهر على الافراد أعراض شتى اهمها القلق والتوتر والاضطراب والتبول اللاإرادي للاطفال والخفقان وسرعة النبض والأرق والخوف من العتمة وعدم الاستقرار في النوم وفقدان الشهية والخوف من المستقبل.
وأكدت السلوم أيضا في نفس السياق ان المشاهد الدموية لا يشعر الصغير بتبعاتها حال رؤيته لها بل تختزن داخله لتخرج حتى ولو بعد سنين في صورة اهتزاز وخوف وعدم جرأة على مواجهة المواقف وعلى الأهل أن يبلغوا أطفالهم أننا نعيش في بلدٍ آمنٍ يعتمد على أصول وثوابت دينية محكمة وقيادة حريصة على أن تنأى بشعبها عن هذه الويلات المهلكة.
* ويقول الدكتور عباس أبو شامة رئيس قسم العلوم الشرطية بمعهد الدراسات العليا بأكاديمية نايف العربية في هذا الخصوص.
إن الكثير من العلماء أجمعوا على أن تأثير الحروب ونتائجها على الاطفال أكثر بكثير من تأثيرها على الفئات العمرية الأخرى سواء المباشرة أو المستقبلية والواقعية والجسدية. وذلك لأن الأطفال لا يزالون في عمر الزهور وأن خبراتهم الحياتية لم تنضج بعد ويستقبل الاطفال كل شيء كما هو بدون أي تفسير له.
وكذلك مفاجآتهم بواقع يختلف عما عاشوه.. والآثار النفسية تدوم لدى الصغار أكثر من الكبار لأن الاطفال يعيشون ببراءة مثالية.. وقد اكتشف الخبراء أنه يحصل اضطراب في نظام النوم والأكل وان هناك خوفاً ورعباً دائمين وأن الاطفال تصبح نظرتهم عدائية حتى لأصدقائهم.. وان تأثير الحروب على الاطفال يظهر ويدوم لمدة عشرين عاماً وفي تلك الدراسات وضح أنه بعد عشرين سنة من الحرب العالمية الثانية كانت نتائج الاطفال في الحياة أقل والذكاء لهم ايضا قلَّ بعد عشرين سنة وتميزهم أقل من نفس الفئات العمرية التي لم تعش الحرب.. كذلك وجدوا أن هناك مشاكل في العائلة وفي الزواج لم يوفقوا وكذلك في حياتهم العملية والعلمية والاجتماعية.
وقد وجدوا انهيارات عديدة تشملهم في كل حياتهم بعكس نفس الفئات العمرية التي لم تحضر الحروب التي تميزت وأبدعت وعملت وعاشت حياة طبيعية في العائلة والحياة الزوجية.
* وعن دور الأسرة في التخفيف من هذه الآثار أوضح الدكتور عباس أبوشامة أن دور الأسرة لابد ان يكون متوائماً في القيام بهذه المهمة وهي ابعاد الصغار عن أجواء القتل والسفك والهلاك والدماء ومحاولة التخفيف عنهم بعرض الحقائق مجردة دون اقحامهم في هذا الخلط الذي تتبارى فيه الفضائيات وعلى الاسرة تبسيط الأمور والتخفيف على الصغار من تلك الآثار ومحاولة تفسير الأمور بشكل منطقي وواقعي حسب السن ومدى تقبلهم للحياة..
كذلك للمدرسة دور مهم في ذلك فلابد من إلقاء المحاضرات على الطلاب وشرح ما يجري بشكل مبسط واخبارهم اننا نعيش في أمان وانهم لابد أن ينتبهوا للدراسة والمستقبل السعيد الذي ينتظرهم.
وهناك دور الاخصائية النفسية وضرورة زيارتها للمنازل في حالة الحروب وليس زيارة الاطفال لها في عيادتها وهذا يعتبر نوعا من المواساة والتخفيف على الاطفال في البيت ولابد من ضرورة الحد من حرية الاطفال بالاتصال بالزملاء خارج المنزل وخارج المدرسة لئلا يستمعوا الى قصص مهولة ومكررة ومزاد عليها وفيها نوع من الشائعات المغرضة. وهذا ايضا من مهام ومسؤولية الوالدين في البيت وعلى الأم والأب عدم ترك الأطفال لوحدهم أمام التلفزيون ومتابعة ما تبثه الفضائيات.. وضرورة بث روح الوعي لما يحدث وضرورة تبسيط المعلومات لهم وتفهيمهم بأن الحرب لا تقصد الاطفال اطلاقاً وذلك بشكل مبسط ومرن..
إذن لابد من تضافر الجهود بين البيت والمدرسة من خلال الاذاعة المدرسية، اللوحات الارشادية، المحاضرات، تنمية الانتماء الوطني لدى الطلاب والطالبات، وتقوية الوازع الديني كل هذا يخفف من المأساة على الاطفال ويخفف من آثار الحرب والقتل والقصف على نفسيتهم وروحهم البريئة.
|