يشكل الجلد الحصن المنيع للجسم الذي يدفع عنه الأذيات الخارجية ويحفظ ما بداخله من أعضاء في أمن، كما أنه يعكس على سطحه أحوال الجسم والنفس من صحة ونشاط وتغذية إلى وهن ومرض وأذى، ويكاد يكون الجلد هو العضو الوحيد الذي تقرأ فيه العين مباشرة ما يمر به الجسم من تبدلات في مراحل الطفولة إلى الكهولة، وهو العضو الوحيد الذي يضفي على الجسم مسحة الجمال.
وبما أن الجلد مرآة تعكس الصحة، من هنا فإن سوء واضطرابات التغذية التي تؤثر على جميع أعضاء الجسم بأنها تؤثر على الجلد وينعكس ذلك مباشرة على المحيط الخارجي سواء كانت هذه الاضطرابات في التغذية قديمة العهد تعود إلى مراحل الطفولة أو حديثة ناتجة عن حمية غذائية خاطئة.
نذكر في هذا المقال على سبيل المثال لا الحصر بعض الأمراض الجلدية التي تتأثر ببعض الأغذية، وبعض أنواع الغذاء المفيدة للجلد وصحته والتي قد نغفل عنها في غذائنا.
إن الارتكاريا يعتبر من أوضح الأمثلة على الأمراض الجلدية التي تحرضها أنواع خاصة من الغذاء، فالأرتكاريا مرض جلدي يسبب حكة شديدة تصيب كافة الأعمار والأجناس، من أهم المحرضات الطعامية نذكر:
المضافات للأطعمة المعلبة من مواد حافظة ومنكهة وملونة، مثل:- المشروبات الملونة والبوظة- كذلك يحرضه الاسبرين الموجود في بعض الأدوية وفي بعض الخضروات مثل: فإن البندورة «الطماطم»، والبنسلين الموجود في الأدوية والذي قد يوجد أحيانا في الحليب ومشتقاته، كذلك فإن كلاً من البيض والبندق والسمك والشوكولاتة والجوز قد يحرض الأرتكاريا،... وهذا كله لأن المواد السابقة الذكر تنشط تحرير الهستامين من الخلايا البدنية الموجودة بشكل طبيعي في الجسم وبالتالي يؤدي الهستامين المتحرر إلى نوبة ارتكاريا وما يرافقها من شعور شديد بالحكة.
وكذلك يعتبر حب الشباب «العد الشائع» من أشيع الأمراض الجلدية في كل بلدان العالم وأكثرها تأثيرا على نفسية المريض مهما كان عمره وجنسه، وقد اختلف كبار أطباء الجلد في العالم في الدور الذي يلعبه الطعام في تأجيج حب الشباب، فمنهم من يعتقد بأن الملح والمأكولات الدهنية- مثل الشوكولاتة والزبدة- والمشروبات الغازية قد تزيد حالة حب الشباب سوءا مما يستدعي التقليل منها.. على أن البعض الآخر لا يدعم هذه النظرية، إلا أنه من خلال المشاهدات السريرية من العيادات الجلدية وجد أن المأكولات الحريفة «البهارات- التوابل» تزيد بشكل ملحوظ حالة حب الشباب سوءا، كذلك فإن تناول فيتامين B بمختلف أنواعه وبشكل عشوائي يؤدي إلى ظهور حب الشباب قد لا يكون موجودا سابقا.
تعتبر وردية الوجه التي هي مرض جلدي يصيب عادة النساء متوسطات العمر في منطقة الوجه بشكل تتوسع شعريات دموية واحمرار وحبوب صغيرة تعتبر مثالا جيدا عن الأمراض الجلدية التي تهيجها المأكولات الحريفة والمشروبات الساخنة من قهوة وشاي، لذا ننصح السيدات المصابات بهذا المرض بالابتعاد عن هذه المهيجات الطعامية.
كما تزيد نسبة الأمراض الجلدية الانتانية الالتهابية «أي المسببة بالجراثيم والفطور والفيروسات» لدى المرضى سيئي التغذية، ذلك أن الجلد من أهم أقسام الجهاز المناعي الفطري لدى الإنسان، إذ يقوم بالدفاع عن الجسم ضد العوامل الممرضة الخمجية الخارجية ومنعها من الدخول إلى الجسم والتكاثر ضمنه، وبما أن الغذاء ضروري جدا لتطوير مناعة جسمية ملائمة، فإن سوء التغذية يعيق قيام الجلد بوظيفته الدفاعية المعقدة على أكمل وجه وبالتالي تسهل الإصابة بالأمراض الخمجية الانتانية الجلدية.
كذلك فإن سوء التغذية قد يكون ناجماً عن نقص الوارد البروتيني في الغذاء، وهذا يشاهد عادة لدى الأطفال، فنلاحظ أن الجلد لديهم جاف قليل المرونة كثير الشعر يشبه جلد الشيوخ.
كما أن نقص تناول الماء أو خسارته عن طريق الإسهالات أو تعرق الشديد أو كثرة الحمامات، يؤدي إلى قلة كمية الماء الواردة والموجودة في الجلد وبالتالي يصبح مظهره منهكاً شديد الجفاف، وقد نشاهد هذه الحالات لدى الأطفال أو لدى كل الأعمار في المناخات الجافة.
إن تساقط الشعر لدى النساء من أكثر الأمراض الجلدية شيوعا أو أكثرها إحداثا للقلق الذي قد يؤثر على مختلف فعاليات النساء الحياتية، وهنا الجدير بالذكر أن أكثر أسباب تساقط الشعر لدى السيدات هو فقر الدم الناجم عن سوء التغذية وليس عن نقصها، بالإضافة إلى أن تساقط الشعر الناجم عن فقر الدم يكون من الظواهر الباكرة لهذا الفقر، وهنا يجب أن تراعي السيدات نظاما غذائيا متوازنا تدخل فيه كل العناصر الغذائية والابتعاد عن الحميات الغذائية الخاطئة التي تعتمد على عنصر غذائي واحد.
وبالمقابل قد تصاب مجموعة أخرى من السيدات بالشعرانية وهي عبارة عن نمو الشعر في أماكن غير مرغوب بها لدى النساء كمنطقة الشارب والذقن.. الخ وقد تكون بعض الأطعمة المغذاة بالهرمونات هي المسببة لهذه الظاهرة، ذلك أن نمو هذا النوع من الشعر لدى السيدات يعتمد غالباً على سبب هرموني إن لم يكن وراثياً في العائلة.
ذكرنا فيما سبق بعض الأمراض الجلدية التي قد تكون انعكاسا لاضطراب غذائي معين، وهنا نذكر على سبيل المثال بعض الأطعمة والأغذية التي قد تؤثر سلبيا أو إيجابيا على الجلد وملحقاته، فالمشروبات الغازية التي كثر تناولها في السنوات الأخيرة وتنوع ألوانها وطعمها تحتوي على الكثير من الأصبغة والمنكهات التي قد تثير نوبات من الارتكاريا بالإضافة إلى احتوائها على مادة الكافين التي تنبه الأعصاب مما يؤدي للأرق الذي يعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي إلى فقدان الجلد رونقه ونضارته، كما يستعيض الأطفال عند تناول هذه المشروبات عن تناول المواد الغذائية الضرورية كالحليب لما تحدثه هذه المشروبات من الشعور بالامتلاء في المعدة، وعلى العكس من الكثير من المواد الغذائية المصنعة، فإن الاتجاه العالمي اليوم يعود إلى كل ما هو طبيعي في التغذية، ذلك أن المواد الغذائية الطبيعية تحتوي على عناصر ومقويات نفتقدها في الأغذية المصنعة ومن هنا قد تستخدم بعض المواد الغذائية للعناية بالجلد والشعر.
تتضمن القرعيات كلاً من الخيار والبطيخ واليقطين والكوسا وكل منها فيه قيمة غذائية مرتفعة، فالخيار يحتوي على فيتامين B3وAوC خاصة ضمن القشور كما يحتوي على الفوسفور والكالسيوم والمغنيزيوم والصوديوم والناسيوم والحديد والكبريت وكل من هذه المواد ضروري لاستقلاب الجلد والحفاظ على دورة البشرة طبيعية بالإضافة إلى ذلك فهو يحتوي على مضاد جرثومي، كما أن بعض السيدات تستخدمه في إزالة علامات الإرهاق الواضح حول العينين وإعادة النضارة إلى البشرة ومقاومة التجاعيد.
أما البطيخ الأصفر فيحتوي على فيتامين CوAوB1وB2 والفوسفور والحديد والكالسيوم والبوتاسيوم، والبطيخ الأحمر يعتبر مدراً جيداً يخفف من الوذمات التي قد تحدث حول العينين.
أما الكوسا والقرع فيحتويان على فيتامين B9وB3 وAوC بالإضافة إلى كمية كبيرة من فيتامين E الذي يعتبر من مضادات الأكسدة التي تؤخر شيخوخة الجلد.
أما الخضار الورقية فيحتوي على نسبة عالية من السللوز والألياف التي تعمل على تخفيف كمية السكر والكولسترول في الدم وتحتوي على أملاح وفيتامينات مما يزيد من مناعة الجسم ومنها نذكر مثالا الملفوف والخس يحتوي على النحاس واليود والتوتياء وفيتامين E2، هذه المواد تتدخل في الاستقلاب داخل الأجربة الشعرية «جذور الشعر».
أما السلق فيحتوي على فيتامين CوA أما السبانخ فيحتوي على فيتامين AوCوB وبروتين يقارب الموجود في الحليب، كما يعتبر البقدونس مدراً للعرق ويحتوي على الكثير من فيتامين Cو A وحديد عناصر نادرة مثل الزرنيخ والنحاس وممكن استخدامه على الكدمات لأنه مضاد للوذمة.كذلك فإن الزيوت النباتية «زيت جوز الهند- زيت الزيتون..» يمكن أن تستخدم لترطيب الشعر الجاف وإعادة لمعانه، كما يستخدم في ترطيب فروة الطفل الرضيع المصاب بالتهاب جلد دهني على الفروة حيث يعاني هؤلاء الأطفال من وجود قشور دهنية سمكية متراكمة على الفروة، إذ يوضع الزيت على رأس الرضيع قبل ساعة واحدة من استحمامه وبالتالي يسهل إزالة هذه القشور.
كما أن وضع قناع من العسل على الوجه ذي البشرة الجافة يساعد كثيرا في ترطيبه.
أما بياض البيض فيعتبر من العناصر القابضة الموجودة بقلة في الطبيعة حيث تستخدم لتضييق المسام الجلدية.
ويعتبر عصير الليمون مفيدا أحيانا في علاج بعض أنواع قشرة الشعر.
هذا بالاضافة إلى العديد من المواد الغذائية الطبيعية التي توثر ايجابيا على الجلد والتي استخدمت في إنتاج العديد من مستحضرات العناية بالجلد والتي قد نلاحظ في تركيبها العسل أو الحبة السوداء أو البابونج.
من هذا كله نرى أن غذاءنا ضروري جدا لصحة جسمنا وبالتالي ينعكس على الجلد من هذا العضو الواسع الامتداد والذي نواجه به مجتمعنا وبالتالي يساعدنا في كافة فعالياتنا الحياتية.
|