بعد مقالاتي الثلاثة التي نشرت في الأسبوع الماضي وصلني عدد كبير من الرسائل والفاكسات والرسائل الالكترونية ولكنها أقل من الفاكسات التي وصلتني قبل عدة سنوات عندما نشرت مقالا بعنوان يا خالة الذي يتناول لقب المرأة التقليدي. مما يجعلني أظن ان هناك مقداراً لا بأس به من التطور حدث في السنوات الست الماضية. ولكن يبقى هناك مسافة طويلة علينا ان نقطعها حتى نصل الى مستوى من الحوار البناء ليس للاتهامات والتكفير فيه مكان.
يمكن ان أقسم الرسائل التي وصلتني الى ثلاثة أقسام، الأول وهو الذي يدعو الله ان تشل يميني ويدعو عليَّ وعلى أطفالي وعلى أسرتي بالثبور وعظائم الأمور هذا لا شك جاء من العوام المتحمسين ولا أقول لهم سوى جزاكم الله خيرا. ولكني أنصحهم بترك أطفالي لأن أطفالي لا ذنب لهم في ما أقوله أنا. وأتمنى لهم الهداية وأتمنى لأطفالهم وأطفال العالم السعادة. أما القسم الثاني وهو الذي يبدأ رسالته بكلمة الأخ عبدالله وينهيها بالدعاء لي بالهداية والرشاد. ولكن هذا القسم مع الأسف لا يناقش مضمون ما جاء في مقالي وإنما ينطلق من فرضية أنني مخطئ بالجملة والتفصيل وهؤلاء أشكرهم كل الشكر على النية الصافية والدعوات الصادقة والنبيلة التي محضوا بها شخصي. أما القسم الثالث الذي خاطبني بود وحكمة ونية صادقة وفي نفس الوقت دخل في صلب الموضوع وحاول ان يشرح لي ما يراه خطأ في أطروحاتي مع الأسف معظم هؤلاء لم يذكروا أسماءهم حتى أرد عليهم التحية الأخوية بمثلها أو أحسن منها. كم أتمنى لو يبعث هؤلاء بمقالاتهم تلك الى رئيس التحرير لتنشر وتعم الفائدة.
عندما وضعت قائمة قصيرة بما تم تحويله الى ثوابت لم أكن والله أسخر أو أنتقد ولكني أبين للقارئ المأزق الذي بلغته أمتنا عند اغراقها في التفاصيل. لأجعل القارئ يتساءل: ما الذي تجنيه الأمة من اعطاء العسل هيبة دينية؟ ما الذي تجنيه الأمة من اصدار مئات الكتب والمطويات حول عباءة المرأة الشرعية وغير الشرعية الفرنسية وغير الفرنسية على الرأس أو على الكتفين؟ ما الذي تجنيه الأمة من تكرار الكلام عن الحبة السوداء أو الحوارات المفتعلة مع الجن؟ ما الذي تجنيه الأمة من فتاوى حيض المرأة التي تشكل أكثر من سبعين في المائة من جملة الفتاوى في الجرائد والاذاعة؟
لو دقق الانسان لوجد ان أكثر من 90% مما يدور من فتاوى سواء في الكتب أو في الجرائد أو في الاذاعة والتلفزيون مكرر ومعاد ويحتوي على تفاصيل التفاصيل وكلها تدور حول التحريم. كما ان هناك استقصادا منظما يتجه الى عرقلة حياة المرأة.
الجميع يعرف ما هي الثوابت. هل يرقى الالتزام بتربية اللحية الى الالتزام بأداء الصلاة؟ هل يرقى الالتزام بصلاة التراويح بأداء الزكاة؟ هل يرقى الالتزام بغطوة المرأة بالالتزام بأداء فريضة الحج؟ ان ما جرى في السنوات الأخيرة هو ترقية السنن بل واجتهادات بعض الفقهاء الى مصاف الثوابت. أما فيما يختص بالمرأة فقد تم تغليب فتاوى بعض الفقهاء على الثوابت.
عندما يقول لي أحدهم هذا «عالم» يتبادر الى ذهني على الفور أبحاث ودراسات وتجارب وكتب ومؤلفات ونظريات وترجمات. وعالم العلوم الشرعية لا يقل عن هذا بل ان عالم الشريعة في وقتنا الحاضر أصبح دوره أخطر من أي عالم آخر في مجالات الحياة الأخرى ليس لأنه يتعاطى مع العلوم الشرعية الحساسة ولكن لأن الأمة كلها في مأزق ودوره أصبح مركزيا. العالم الشرعي الحقيقي هو الذي يعرف ان الهجمة العالمية على الأمة ليست في ملابس المرأة والرقص والغناء فهذا موجود من أول التاريخ ولن يتوقف أبداً. وإنما في النظام الكوني ككل الذي يتغير كل يوم لمصلحة غير المسلمين: نظام البنوك، نظام العلاقات الدولية، نظام التفكير نفسه، فالعالم الشرعي لا يكد ذهنه لايجاد الأدلة لتحريم التأمين بل العالم من يكد ذهنه لايجاد البديل الاسلامي. العالم الشرعي لا يكد ذهنه لعزل أمته عن العالم بل هو الذي يكد ذهنه ليجعل أمته في وسط العالم تؤثر في الأحداث وتساهم في تسييرها.
مع الأسف، في عالم متلاطم يتصارع على الثروات وعلى عسف العلاقات الدولية والسيطرة على العالم وقد سرقت منا حتى الآن دولتان «أفغانستان والعراق» نجد من يكد ذهنه في تبيان الفرق بين العباءة على الرأس أو على الكتف وهل يجوز لأنسي أن يتزوج جنية. في الوقت الذي تصور فيه الأقمار الصناعية تفاصيل مواقع جيوشنا يأتي من يكد ذهنه لتحريم التصوير.
لا يسعني في هذه الزاوية القصيرة أن أقول كل شيء ولكن الأيام أمامنا وسيقال كل شيء وسيسمع المواطن البسيط الصوت الاسلامي المسكوت عنه والذي طالما اتهم باتهامات باطلة لمجرد ان أصحابه حليقو اللحى ولا يولون الحيض أو الحبة السوداء اهتمامهم.
فاكس: 4702164
|