هنالك رجال يشبهون «البعير» الذي يدور بمعصرة السِّمسم وقد غُطِّيت عيناه حتى لا يصيبه الدوار، يظلون يدورون معصوبي الأعين حول فكرة واحدة تتحكَّم في عقولهم، وتملك نفوسهم حتى لا يروا في الدنيا غيرها، وينطلقون منها إلى طرح الآراء وتقديم الأفكار في كل ما يجري من القضايا والأحداث، ومشكلة رجال معصرة السمسم انهم معصوبو الأعين، تتغير الدنيا من حولهم، وتختلف المعالم ويتبدل حال الناس، وهم يدورون حول «معصرتهم»، يعصرون فيها أفكارهم عَصْراً لا فائدة فيه، لانها جافة وليس فيها من الزيت النافع ما في حبَّات السِّمسم التي يدور بمعصرتها البعير المعصوب العينين.
إن الدِّين الإسلامي - كما هو معروف - دين كامل شامل، واضح المعالم، محجَّة بيضاء تركنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ان علمنا قوله تعالى {اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} وهذا الدين الواضح يحقَّق للمؤمنين به الاستقرار، والرؤية الواضحة، ويحميهم من الحيرة والاضطراب التي تصيب كثيرا من الناس، خاصة في أوقات الأزمات والنوازل، والحوادث المفاجئة.
ومن القضايا المسلَّم بها شرعا، وليس فيها مجال للتردد أو الحيرة، تحريم القتل والترويع والاعتداء على الآمنين من البشر، في أي زمان ومكان، وبأية صفة، وهو تحريم واضح في نصوص القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، لا يشك فيه الا الذين لا يفهمون نصوصهما، ولا يفقهون معنى «الاحكام الشرعية» في هذه الأمور الواضحة، أو الذين يحرفون النصوص، ويقلبون معانيها.
إن الغدر لا يأتي بخير، مهما كان تفسير صاحبه له، ومهما كان تسويفه وتعليله، ولا يشك عاقل من البشر، فضلا عن المسلم الواعي الملتزم بدينه، أن ما حدث في الرياض - مثلا - يعد عملاً إجرامياً تخريبياً محرماً، لا يغير حكمه نوع الأشخاص الذين قاموا به، ولا نوع الأشخاص الذين استهدفهم التدمير، هنا صورة واضحة لا مجال للتردد فيها، ولا للوقوف عندها، قنابل تنفجر، وألغام تشتعل، وهزات عنيفة تهدم بيوتاً وتقتل شيوخاً ونساء وأطفالاً، ورجالاً آمنين في بيوتهم، وأصوات مرعبة تخيف سكان أحياء مجاورة، وتصيب بعض بيوتهم بالضرر، هذه الصورة الواضحة لا مجال لأحد ان يتردد في الحكم عليها بالاجرام والتخريب، وان يشك في حرمتها شرعاً، وبشاعتها عقلاً وعرفاً.
وفي مثل هذه الأحداث الواضحة، والمواقف الشرعية الجلية لا مكان لأولئك الذين يدورون حول «معصرة السِّمْسم» معصوبي الأعين، اولئك الذين يتخيلون بأذهانهم وتحت تأثير أوهامهم، أن تديُّن الانسان المسلم، والتزامه بتعاليم شرعه، شكلاً ومضموناً يمكن ان يكون سبباً من أسباب حدوث مثل هذا العمل الاجرامي المشين.
هنالك يا رجالَ «معصرة السِّمسم» فئات في المجتمعات البشرية كلها، على مدى التاريخ، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً يميلون الى العُنْف، ويسوِّغون للاعتداء، ويفهمون الأمور فهماً خاطئاً معكوساً، هم الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم الشنيعة وهم الذين، يخالفون نصوص الشرع، ويحطمون حواجز الأنظمة التي تضبط حياة البشر، وتحفظ حقوقهم، ولا علاقة لهؤلاء بتعاليم الدين الذي ينتمون إليه إلا من خلال فهمهم وتصورهم الخاطىء، أما أصول الدين، وأحكامه فهي ثابتة واضحة، يتعلم منها الناس الخير، والحق، والعدل، وحفظ الحقوق، والرؤية الواضحة في التعامل مع القريب والبعيد، والعدو والصديق.
ومن المعروف أنه ما من جماعة بشرية، ولا أهل ديانة من الديانات الموجودة إلا وهم يعانون من تلك الفئات التي تخرج على المبادىء والقوانين، إمَّا استجابةً لنوازع الشر الموجودة في نفوسهم، وإمَّا انخداعاً بآراء مخالفة للفهم الصحيح لمبادئهم، وإمَّا تنفيذاً لأوامر الذين يسوقونهم في هذه الطرق الموحشة.
نحن عندما نتحدث عن مبادىء الاسلام، إنَّما نتحدث عن دين ثابت صحيح، ومنهج واضح اختاره الله للبشرية كلها، وأنزله كاملاً صالحاً لكل زمان ومكان على خاتم أنبيائه ورسله عليه وعليهم الصلاة والسلام.
هذه ركيزة مُهمَّة لا مجال للاختلاف عليها إلا عند مَنْ يدورون معصوبي الأعين «على معصرة السِّمسم» وهؤلاء لا يبرحون مواقعهم لأنهم يعودون الى موقع بدايتهم دون رؤية لما يجري.
ونحن ننصح هؤلاء أن يرفعوا عن أعينهم تلك العصابة، وأن يستخدموا وسائل «العصر» الحديثة التي تفرز قشر حبوب السِّمسم عن الزيت فرزاً سريعاً وان يعلموا أن ما يردده أعداء الدين من اتهامات وشبهات لا مكان له في وعي المسلم الذي يرى الشمس صافية لا تشوبها شائبة.
يمكن للمسلمين ان يراجعوا - بأنفسهم - مناهج تعليمهم، وأنظمة وقوانين مؤسساتهم على ضوء شريعتهم، وبحسب الحاجة الى تلك المراجعة، وهم على يقين ان ذلك كله في جانب، وما يجري من الأحداث والمخالفات والجرائم في جانب آخر، هذا ما نريد ان يستقر في الأذهان بعيداً عن دوران «معصرة السِّمسم» حول نفسها.
وسيظلُّ مظهر الانسان المسلم دليلاً على التزامه بدينه بلحيته المباركة وثوبه النظيف القصير، حتى يقع منه ما لا يوافق شرع الله، وعند ذلك يحاسب كما يحاسب غيره من البشر، دون أن نجعل المظهر الموافق للشرع شعاراً لما يحدث من الانحراف.
إشارة:
إذا قَستْ الخطوبُ عليك فاصبر
عليها وانتظر فرجاً قريباً
|
|