هل صحيح أن خطابنا الدعوي الذي انطلقنا به نجوب الارض باسم بلادنا منذ اكثر من سبعين عاماً هو عمر الدولة السعودية الحديثة هو خطاب فاشل!
وهل صحيح ان مخرجاتنا الدعوية ومؤسساتنا الدينية الشرعية كانت ولازالت محاضن للعنف ومصدراً لفكر الارهاب؟
وهل هو حقيقة ان المنهجية الدعوية السائرة في بلادنا تحتاج الى نقض ثم اعادة بناء؟
تلك تساؤلات جريئة طرحتها بعض الاقلام التي تناولت الحدث مؤخراً.
وهي وان تباينت في رؤيتها لتلك التساؤلات التي طغى عليها التجني احياناً وعدم الواقعية اخرى مع عدم الخلاف على ان كل عمل قد يصحبه خطأ او نقص او تقصير.
واذا كان ثمة محاكمة ومراجعة لتلك المرحلة التي تجاوزناها فيتعين ان نكون بمنأى عن المصادمة الفكرية والانقلاب على شتى المبادئ والقيم التي نحملها.
والتي يلزم منها ان نعلن الخطأ الطويل غير المبرر طوال تلك المرحلة بلا قيد او تفصيل.
ان المعاين للخطاب الدعوي الذي خطت عليه بلادنا خصوصاً في مرحلتها الحاضرة يدرك بجلاء تطور الخطاب وترقيه.
وليس ثمة عيب ان يكون للخطاب الدعوي محطاته وتنوعاته ومرحلياته التي لا تقدح البتة في ثوابته ومنهجيته ومنطلقاته.
اذا كان هناك من يوغل في التحليل ويشطح بعيداً عن موقع الداء لتقبع الامة في مواجهة رصاصات لا تتوقف من التهم وكيلها بلا اية ضوابط او ادلة سوى تهمة الانغلاق والتي لا يجدون حلاً لها سوى كامل الانفتاح حتى لو ادى بالنهاية الى انبطاح.
ويروَّج بأن جرم الثقافة التكفيرية والتي يصفونها بالسائدة حسب دعوى البعض هو السبب في مآسينا ومن ثم إلصاقها بكل توجه دعوي او شرعي.
وأحسب أن هذا الاسلوب قد يشعل الفتيل ويفضي إلى التعسف في الرأي فيقع اولئك فيما يفرون منه وهو مصادرة الآراء واحتواء الفكر والوصاية على الآخرين.
إن الخطاب الدعوي الذي اقيم وروعي في بلادنا اظهر بمجمله نجاحه وصلاحه واختراقه لكثير من الطروحات الاخرى التي اصطبغت بجلاء حزبي او فكري منحرف.
وليس من لوازم الذب عن منهجية الدعوة السائر عدم الاعتراف بثغرات وثقوب بانت في مضامين المنهج والخط الدعوي المرسوم.
ها هو خطابنا الدعوي وصل إلى الآفاق واحتضن الآلاف منذ عشرات السنين فلم تحسب عليه سوأه ولم تضبط عليه هنّة قياساً على مدِّه وانتشاره.
وها هي جامعاتنا وكلياتنا الشرعية تضخ كل فصل وعام الآلاف من شبابنا فما وجدناهم طوال الخمسين عاماً حرباً على بلادهم وامتهم ووطنهم، وها هي المنابر الدعوية والدور التربوية تقدم طرحها الهادئ المستنير بضوء الشرع بعيداً عن المغالاة المنسوبة وها هي بلادنا واسعة الاطراف متعددة الروابط مع الآخرين من مسلمين وغيرهم من مراكزنا الاسلامية ومكاتبنا الدعوية في الخارج فما حسب يوماً انها تكفيرية حسبما يروج له الافكاون.
ولم تكن تلك الافكار المتهاوية التي تحمل ضمناً عاهة التكفير بل لم تزل مخنوقة ومنبوذة.
وهاهو التسامح في كثير من الخلافات التي تجري بيننا، فلم تسجل مواجهات مذمومة ولم تصل الامور الى قطع الطريق والغاء الهدف.
ومن العبث ادخال بلادنا في مهاترات ومقارنات مع بعض الدول الاخرى عبر «جزأرة» او «لبننة» او «افغنة» كما يدعي البعض.
واذا كان ثمة مطالبات لشرائح الدعوة واطيافها ان تعي المرحلة الحاضرة بظروفها وملابساتها وخطابها فتسعى الى مزيد من التسامح واللين والعطف واحتواء الآخر وسماع الرأي المخالف، فهذا يستلزم ضبط تلك المطالبات وتأطيرها وفق قواعد معلومة بحيث لا تفضي الى تمييع الدين والاستخفاف بالشرائع والاصول والا فالتسامح والتعايش مطالب حث عليها ديننا وهي في ذات الوقت من ثوابتنا.
ان مؤسسات الدعوة مطالبة بضرورة اعداد استراتيجيات مدروسة تدرك حرج الموقف وحساسية الوقت والزمن واهمية النهوض بلا توانٍ والمسارعة في سد بعض تلك الثغرات حتى لا يجد بعض المغرضين منفذاً وسلماً لمقصد سيىء ومغزى بغيض.
ومن لوازم المرحلة ان نعجل بالفحص الشامل لشتى منسوبي مؤسساتنا الدعوية حتى لانفاجأ يوماً بمتطلبات الفرض والاكراه التي تركض نحونا ونحن لا نعي ذلك.
ومن إضاءات الحدث: سعي البعض الى التأجيج إعلان المتهمين في بيانات صحفية وغيرها ورسمهم للمنابر والمؤسسات الدينية والدعوية، انها مصدر كل بلوى ومأوى كل نازلة ومحنة.
ومن العجب ان تلك التهم لا يحجزها شيء فكل منهج حمل معه خللا او شطحا او تجاوزا حاولوا الصاقه بدعوة هذه البلاد فوصفوها بالقطبية والإخوانية والسرورية حتى استصدروا مؤخراً مصطلح «غلاة الوهابية».
فهل هذه معالجات نطمح من خلالها الى الإصلاح ام هي منازلات ومقارعات!! تزيدنا وهناً على وهن لتتدحرج البيضة على اقدام القوم فيقع كسرها.
ومن إضاءات الحدث: سعي البعض إلى إشاعة دعوى خبيثة تتضمن ان تلكم المصيبة التي حلت بنا في الاسبوع المنصرم تحظى بتعاطف خفي ومبطن من قبل بعض رجال وشخصيات وعلماء واوساط الدعوة وطلبة العلم عموماً وان استنكارهم وشجبهم مميع متذبذب، وهذه جنية وفرية وما والله صدق من يقول بهذا بل هو بهتان عظيم.
يدرك المراقب ان القصد منه ايقاع الدعاة الى الله والعلماء والعاملين في اجنحة الخير في فخ وشرك معد ومن ثم مزايدتهم على وطنيتهم والتشكيك في ولائهم وحبهم لوطنهم واخلاصهم لولاة امرهم وقادتهم حفظهم الله.
وتلك مهاترات مكشوفة بائن عوارها مدرك غايتها، فحب هذا الوطن الام الكبير ليس حكراً على فئام تتسلق في الظلام او حين يشغل الناس بمصائبهم فينصبون انفسهم العلماء واهل الاصلاح، مدعين ان حبل النجاة مرهون بانفتاح غير مقيد يتحرر من قيود المفتين والموقعين عن رب العالمين.
فيسعون حينئذ ان تكون الساحة مرعى لكل ناعق او متعالم.
ان الرد الى العلماء والصدور عن رأيهم هو ديدن الامة الاسلامية منذ الصدر الاول لها وليس من الحق جعل الشريعة مأدبة مكشوفة تمتد لها كل الايادي مهما حاول المتذرعون تلفيق الاعذار واستنزاف الحيل.
ومن اضاءات الحدث: ان على عقلاء الامة لا أحداثها ودهمائها ان يقودوا الناس برفق وسكينة وليعلموا يقيناً ان ذلكم النشاز الذي تولى تلك كبر الجريمة النكراء لا يجوز ان يصور المجتمع برمته صوراً اصلية لاولئك النفر المحدود الذين هم باجماع الامة اقزام وقلة لا خلاق لهم وعلام التهويل والارجاف والتأجيج ونحن نعلم اننا امة مستهدفة أضعاف غيرنا يراهن ويتربص بنا الأقارب فضلاً عن الاباعد.
فهلا استبدلت تلك الخطابات المتشنجة بدعوات صادقة الى دراسة الحدث وابعاده ومسبباته بعقلانية ورفق، لا الانكفاء على الذات وتراشق الاتهامات.
ان العنف والارهاب العملي الذي اكتوينا بناره وذقنا مرارته وتجرعنا علقمه في العليا والخبر والحمراء واشبيليا لا ينبغي ان يهرول بنا ويدفعنا الى عنف وارهاب فكري آخر لا يقل شناعة وألماً.
ان الخشية التي يأنف منها الغيورون ان تسعى اقلام مندفعة الى احداث الوقيعة في اطلاق شرارات مؤذية متذرعة برداء المعالجة وزي العلاج وهي بفعلها تحقن السم وتنشر الداء.
|