لقد جاءت مضامين الخطاب الملكي السنوي الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - أمام أعضاء مجلس الشورى في سنته الثالثة من دورته الثالثة الأسبوع الماضي ملامساً لكافة القضايا التي تهم الوطن والمواطن ومجيباً على كثير من التساؤلات التي تطرح أحياناً في وسائل الإعلام والتي يقصد منها الاصطياد في الماء العكر إذ جاء الخطاب واضحاً في مضامينه حول توجه المملكة نحو الإصلاح الذي بدأته منذ فترة وأنه لم يكن نتيجة لضغوط خارجية كما يتصور البعض بل بقناعة المسؤول الذي يرى أن التطور طبيعة الحياة وأن الإصلاح من المتطلبات الضرورية للتطور وقد أكد حفظه الله على شمولية هذا الاصلاح كافة قطاعات الدولة حيث قال «أحب أن أؤكد لكم أننا سنستمر في طريق الإصلاح السياسي والإداري وسنعمل على مراجعة الأنظمة والتعليمات وأحكام الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية وفتح آفاق أوسع لعمل المرأة في اطار تعاليم الشريعة الغراء وغني عن الذكر أن مجلسكم الموقر سوف يقوم بدوره الكامل في تحقيق الإصلاحات المنشودة».
ومجلس الشورى ينظر إليه على أنه هيئة سياسية استشارية يهدف إنشاؤه إلى تقديم المشورة والرأي لولي الأمر بما يخدم وينفع مواطني هذه البلاد وعلى المجلس أن يستفيد من مضامين الخطاب الملكي فيسعى إلى اصلاح نظامه أولاً بما يتوافق مع تأهيله للقيام بدور أكبر في الحياة العامة وثانياً إعادة هيكلته من الداخل بالشكل الذي يعين أعضاءه على القيام بما هو مطلوب منهم وحتى لا يصبح المجلس مجرد متلق لما يمكن أن ينظر فيه ويدرسه من أنظمة وتقارير واتفاقيات وخلافها فمن الأولى أن يكون هذا المجلس صاحب مبادرة في كل ما من شأنه رقي الأمة ورفعتها فالمجلس بما يملكه من عناصر ذات كفاءة عالية ومتنوعة في تعليمها وخبراتها يفترض أن يكون سباقاً إلى قيادة الرأي في هذه الأمة وصاحب المبادرة في قيادة الحوار مع الطرف الآخر فالمطلوب أن يتبنى المجلس حواراً راقياً ومتفتحاً في طرحه وأسلوبه داخلياً وخارجياً يرقى بأدائه ويزيد من تفاعله فالمجلس على الصعيد الداخلي مدعو إلى أن يتبنى الأفكار الجادة ومتابعة ما يدور داخل المجتمع وخارجه من قضايا وآراء ومحاولة التصدي لها ومعالجتها من خلال الحوار الفكري الجاد والطرح الواعي المدرك لما يدور حولنا وذلك من خلال الندوات والمحاضرات في الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية في المدن ومناقشة كل ما له شأن بالشأن العام ومصلحة الوطن والمواطن والتصدي للاشاعات والتطرف بأنواعه الفكري والديني ومحاربة الفساد بكافة أشكاله، كما أن عليه الاستفادة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، تشجيع الحوار والاستماع إلى وجهة النظر الأخرى والرد على الشبهات والاستفسارات عن قضايا الأمة كما أن المجلس مدعو أيضاً إلى التواصل مع فئات المجتمع عن طريق اللقاءات المفتوحة حتى ولو تطلب الأمر لقاء أو أكثر كل عام في رحاب المجلس يدعى له فئات مختلفة من المواطنين «أطباء - عسكريين - طلبة - موظفين - رجال أعمال.. الخ» والالتقاء بهم للاستماع لآرائهم ومقترحاتهم ومتطلباتهم التي يمكن أن تساعد في تنمية احساسهم نحو المجلس بأنه يعمل من أجل الجميع مع دعوة بعض الفعاليات النسائية لهذا الاجتماع وسماع وجهة نظرهن للغرض ذاته حيث يتوفر في المجلس البنية التحتية اللازمة لإدارة مثل هذه اللقاءات.
كما أن المجلس مدعو إلى تفاعل أكثر من خلال أرضية قانونية ملائمة تجعل المجلس حاضراً في عين الحدث ليكون مبادراً لمناقشة واستعراض الأمور الطارئة محلياً ودولياً.
وينبغي على المجلس أن يسعى على الصعيد الخارجي إلى الاستفادة بشكل كبير من الصحفيين وأصحاب الأقلام الذين يزورون المملكة وذلك من خلال اختيار من يحسنون مخاطبة الآخر باللغة التي يفهمها وطرح قضايا الأمة والدفاع عنها بشكل رائع ومدرك مدعومة بالحقائق والأرقام والوثائق والتصدي للحملات المغرضة التي تتعرض لها المملكة وتقديم المشورة للدولة في ذلك والسعي إلى تكوين فرق عمل بشكل منتظم تسافر إلى دول العالم لشرح وجهة نظر المملكة والرد على تلك الحملات كما أن على المجلس أن يستفيد بأقصى درجة من المؤتمرات والزيارات المتبادلة ببناء جسور الصداقة بين المجلس وتلك البرلمانات واستغلالها بالشكل الذي يمكن المجلس من ابقاء هذه الجسور مفتوحة وقابلة للتواصل كما أن عليه التعرف على الشخصيات الفاعلة في المملكة والعالم العربي التي لديها القدرة للتحدث إلى الأمة وشرح القضايا بما يساعد المجتمع السعودي على تكوين رأي صائب ومحاربة كل ما يحاك ضد الأمة من مؤامرات وأكاذيب طالما صارت سبباً في الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة مما أضعف قدرتها على التأثير في مجريات كثير من الأحداث التي تجري على ساحتنا العربية.
إن المجلس بحاجة في ظل الأوضاع الدولية الراهنة والمستجدات المتلاحقة أن يسعى إلى تطوير نفسه وأن يعدل من نظامه بما يتلاءم مع التطلعات التي ينشدها المجتمع.
ان المطلوب من المجلس الكثير وما تحقق لا يكفي فالمجلس عليه أن يتجاوز دوره الحالي إلى دور أكثر شمولية في مراقبة أعمال المؤسسات العامة وتقويمها ومراجعتها وأن يتم بناء إداري مدروس لإدارته وبنيته الداخلية وهيكلته ومراجعة نظامه بما يتفق مع ما يتطلعه الوطن والمواطن من هذا المجلس.والله الموفق.
* مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بمجلس الشورى
|