* موسكو- سعيد طانيوس:
من الواضح ان الرسائل الاخيرة التي بعث بها مناهضو الولايات المتحدة بالصوت وحده حيناً (رسالة الظواهري التي بُثت من قناة الجزيرة) أو بالصوت والصورة معا كعمليات التفجير الاخيرة التي حصلت في الرياض والدار البيضاء، اثارت قلق السلطات الاميركية الشديد وجعلتها تطرح على نفسها سؤالا يجر أسئلة كثيرة: ماذا لو أن عرض العضلات هذا كان مجرد بروفة أو مقدمة لضرب أهداف داخل الولايات المتحدة نفسها؟ وإلى أي مدى ساهمت حملة واشنطن على ما تسميه الارهاب الدولي وعلى العراق أيضا في «انعاش» التطرف الذي يغذي الكراهية ويوقد الاحقاد التي تتحول الى عمليات دموية ليس ضد أهداف أمريكية وغربية وحسب بل ضد أهداف في الدول الشرق أوسطية أيضا؟
في «الويك اند» عطلة نهاية الاسبوع المرتقبة يصادف يوم «تذكار الموتى» في أميركا، وكالات الانباء تتحدث عن ان الكثير من الاميركيين سيضطرون الى تمضيته في المنزل بسبب الخوف من عمليات إرهابية جديدة.
كما ان شوارع نيويورك وحدائق واشنطن تثير الذهول بخلوها من الناس... وباختصار فان أميركا التي يصرح قادتها أنهم حققوا انتصارات مزعزمة على الارهابيين تعيش مجددا حالة رعب.
الادارة الاميركية سارعت لرفع مستوى الاستعداد لمواجهة الاعمال الارهابية وانتقلت من الدرجة «الصفراء» الى الدرجة «البرتقالية» انها الدرجة الثانية بعد الاكثر توتراً ودرجة التهديدات هذه فرضت منذ عام في البلاد.
البيت الابيض لم يدخل في تفاصيل الامر الذي اضطره لتغيير ضوء الدرجة الامنية في البلاد ربما لانه لا يملك الحقيقة التي تبرر ذلك، لكن الاسباب تتحدث عن نفسها بنفسها كون سلسلة الاعمال الارهابية الاخيرة التي طالت أهدافا مختلفة في عدد من البلدان، لا يجمع بينها ظاهريا سوى تنسيقها الواضح الذي يثير الذهول، واستخدام الانتحاريين لسيارات مفخخة واحزمة متفجرةلضرب اهداف لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بالاميركيين، كما لو انها كلها من أساليب تنظيم «القاعدة» التي من الصعب عدم معرفتها. في الماضي قامت إدارة بوش ثلاث مرات برفع درجة الخطر الى المستوى البرتقالي وخلال أسبوعين كانت تخفضها في العادة الى «الصفراء».
المرة الاخيرة التي رفعت فيها واشنطن درجة التحذير الى البرتقالي كانت خلال أيام الحرب العراقية لكن المفارقة ان عمليات التفجير تحصل في الفترات الفاصلة التي لا تحمل أي تحذير أميركي وربما لذلك يرتفع صوت الاميركي العادي ليقول ان السلطات تثير هلعه من دون طائل عن سابق تصور وتصميم وتنفق الاموال الفدرالية وتلقي بها حسب رأيه في الهواء.
لكن التحذيرات هذه المرة تبدو أكثر جدية الحرس الوطني الاميركي سيطر على الممرات الارضية وجسور نيويورك وفي شوارع واشنطن سيرت دوريات الوحدات الخاصة للشرطة على مدار الساعة كما وضعت ناطحات السحاب في شيكاغو والابنية العالية في الولايات المتحدة والجسر المشهور باسم «البوابة الذهبية» في سان فرانسيسكو تحت السيطرة.
في الوقت الذي أغلقت فيه السفارات والقنصليات الاميركية في عدد من المدن في العالم، ومثل ذلك فعلت البعثات الدبلوماسية البريطانية هناك أيضا كون لندن كانت الحليف الرئيسي لواشنطن في الحرب العراقية.
الأمر الاخير يقود الى استنتاج يحمل مفارقات واضحة فبينما تقول واشنطن انها شنت وتشن الحروب في العراق وأفغانستان باسم محاربة الارهاب، وتزعم ان حملاتها العسكرية هذه تكللت بالنجاح وكما ولو ان الارهاب ارتعدت فرائصه من القوة الاميركية والبريطانية.
يعود هذا الذي تسميه واشنطن مجازا بالارهاب الدولي ليضرب بقوة، وليبدو انه تعزز أكثر من قبل وازداد انتشارا وبأسا، فلماذا؟
في الحقيقة كان يمكن لجورج بوش اليوم ان يندم كونه وفي خطابه في الاول من ايار/ مايو أعلن بأن المد في الحرب ضد الارهاب الدولي تحول الى جزر فالعامود الفقري لمنظمة «القاعدة» لم ينكسر كما أكد خبراء إدارة الامن الاقليمي الاميركي التي أنشئت مؤخرا... لسعادة الرئيس.
بالطبع لا خلاف على ان «القاعدة» اليوم ليست وحدها التي تقود المواجهة الارهابية مع واشنطن لانه يبدو ان رؤوس الشبكات الارهابية التي يتهيأ للبيت الابيض انه قطع دابرها بدأت «بتفريخ» رؤوس أخرى، وعلى أساس اقليمي بشكل اساسي، مما لا شك فيه، ان السياسة الاميركية عامة. وفي الشرق الاوسط خاصة جعلت من تنظيم «القاعدة» أشبه بماركة تجارية معروفة دوليا ومرغوبة اقليميا ينضوي تحت لوائها متطرفون وأصوليون من كل انحاء العالم، وحسب رأي الخبراء في محاربة الارهاب فان القادة الراديكاليين ل«القاعدة» استخدموا على الدوام تقريرا ذاتيا محددا من المحيطين ببن لادن الا انهم يرون اليوم أنفسهم ليس فقط منفذين بقدر ما هم مخططون.
كما ان اليافعين من المتطرفين يعترفون بان هدفهم هو الغرب وان توجيه ضربات ضده مشابهة أو تفوق ضربات 11 ايلول/ سبتمبر حاليا أمر غير سهل وغير يسير، ولذلك فان الشاحنات المليئة بالمتفجرت التي يقودها انتحاريون متطوعون هي الوسيلة الاكثر نجاعة في «الجهاد المقدس» ضد الشيطان الغربي.
وباختصار فان الارهاب الذي تحاول واشنطن إبعاده عن عقر دارها يعود الى الاقليمية بشكل اكبر وبدموية أكثر في وقت تتضح فيه اكثر «الكراهية» المفعمة بالرفض العارم للحضارة الغربية وتتحول الى عدائية واضحة المعالم للاميركيين وحلفائهم الذين يحاولون ضمان إدارة العالم من واشنطن.
على هذا الاساس يمكننا طرح السؤال الاتي: ألسنا نحن الآن شهودا على هزيمة الاستراتيجية الاميركية في محاربة الارهاب الدولي؟ أليست غطرسة القوة التي تفرضها الولايات المتحدة على المجتمع الدولي من أجل مصالحها السياسية هي التي تفقس أصوليين مع احزمة متفجرة؟ .
إذا أمعنّا الفكر في هذه الافتراضات فان التهديدات الارهابية ذات اللون البرتقالي تبدأ بالميلان الى اللون الاحمر... وما يتبع ذلك من اهراق دماء حمراء قانية!!!
|