بالقرار الأخير لمجلس الأمن الدولي الذي حمل الرقم 1483 والخاص برفع العقوبات عن العراق، يكون العراق قد رجع قرابة قرن من الزمن، حيث يعد القرار بمثابة وضع العراق تحت الوصاية الأمريكية - البريطانية. وهو بهذا يعيد بذاكرة العراقيين والعرب وكل قارئ للتاريخ فترة الاستعمار البريطاني من احتلال واستعمار ووصاية.. وهيمنة على الحكم الصوري الذي منحه البريطانيون للعراقيين في العقود الأولى للقرن الماضي.
القرار الأخير ليس فقط يشرع الاحتلال الأمريكي والبريطاني، بل يعطي الصفة القانونية لكل ما سيقوم به الأمريكيون والبريطانيون من اجراءات سواء في نطاق ادارة العراق، أو التصرف بثرواته الوطنية وموارده الاقتصادية، بل وحتى تجزئته من خلال مخططات اللامركزية والفدرالية وغيرها من الطروحات التي تتداول لعراق الغد.
العرب جميعاً وليس العراقيون وحدهم لديهم حساسية، بل تخوف من «الوصاية» ففي ظل الوصاية البريطانية غير الأمينة على فلسطين، ضاعت فلسطين وحلت بدلا منها اسرائيل، والآن العراقيون والعرب معهم قلقون وقلقون جداً، ان يتم خلال الوصاية الأمريكية البريطانية الجديدة على العراق، تجزئته وتقسيمه الى ثلاث دويلات ان لم تكن أربع، اضافة الى نهب ثروات العراق من خلال توزيع موارده الاقتصادية على الشركات الأمريكية والبريطانية وتلك التابعة لمن شارك البلدين حربهما على العراق.. من خلال عقود يمنحها الوصيان الأمريكي والبريطاني لهذه الشركات.. بل وحتى اغراء المعارضين لبقائهم طويلا في العراق، فالفرنسيون والروس والألمان بحصة في هذه العقود، ان هم وافقوا على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير.. وهو ما حصل. الوصاية الأمريكية البريطانية غير محددة المدة زمنيا، ومرتبطة بتشكيل حكومة عراقية التي نرى في ظل المعطيات التي تشهدها الساحة العراقية أنها بعيدة، بعد تأجيل المؤتمر الوطني العراقي الموسع، والتباين الواضح بين الفصائل والأحزاب العراقية فيما بينها.. ومع ممثل الاحتلال الأمريكي في العراق بول بريمر الذي يسعى الى الغاء أي وجود لأي سلطة عراقية بعد سلسلة الالغاءات للوزراء والمؤسسات العراقية، وهذا سيزيد من مساحة الفراغ السياسي والاداري والأمني والسلطوي، مما يفرض اعادة تأهيل وانشاء ادارات وتشكيل أحزاب وبناء بنية سياسية محلية جديدة وهذا ما يمدد بقاء المحتلين واطالة مدة الوصاية الأمريكية البريطانية مثلها مثل الوصاية البريطانية لفلسطين التي فرضت لفترة قصيرة.. انتهت بانتهاء فلسطين.
|