Saturday 24th may,2003 11195العدد السبت 23 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أجرى لقاءات مع الاستخبارات الأمريكية في روما أجرى لقاءات مع الاستخبارات الأمريكية في روما
خفايا وأسرار القبض على طارق عزيز

* باريس - ياسمينة صالح:
على الرغم من أهميته داخل النظام العراقي السابق، وعلى الرغم من أنه كان أكثر الوجوه شعبية في الخارج، في تمثيله ليس للعراق فقط، بل لنظام صدام حسين، لم يحظ وزير الخارجية العراقي الأسبق «طارق عزيز» باهتمام كبير، حتى والإدارة الأمريكية تضعه في المراتب الأخيرة في قائمة المطلوبين التي اختارت لها صيغة لعبة ورق ليتسلى بها الجنود بحثا عن الذين تعتبرهم الإدارة الأمريكية أخطر الشخصيات العراقية وجوداً على الأرض.
طارق عزيز لأسباب غامضة لم يثر اهتمام الإعلام الأمريكي، ولأسباب غامضة لم يكن إلقاء القبض عليه مادة دسمة، بل ربما الأكثر غرابة أن جريدة «نيويورك تايمز» اعتبرت إلقاء القبض على شخص مثل «طارق عزيز» شيئا عاديا، واعتبرت أن «منح الأهمية لشيء كهذا يعتبر تضخيما ليس إلا». ولكن هل فعلا إلقاء القبض عليه أمر عادي وربما تافه كما يقولون؟
جريدة «لومانيتي» الفرنسية نشرت تقريرا عن «الأسلوب الخاص جدا» الذي عاملت من خلاله السلطات الأمريكية القبض على طارق عزيز.. والطريقة التي صار فيها الرجل الأول في الخارجية العراقية السابقة «رجلا بسيطا» وفق الأخبارالتي «عمدت» وزارة الدفاع الأمريكية الى نشرها في أكثر من جريدة أمريكية، معتبرة «الرجل ضحية أخرى من ضحايا الديكتاتور صدام حسين».. ولعل أكثر الكلمات غرابة أن يقول «دونالد رامسفيلد» نفسه إن «الجيش الأمريكي الموجود في العراق لم يلق في الحقيقة القبض إلا على جثة متحركة» وكان يقصد بذلك الحالة الصحية السيئة التي وجد عليها طارق عزيز، وهي الحالة التي جعلت عملية التفاوض على «استسلامه» تسير بسرعة كبيرة، باعتراف من أحد أقرباء طارق عزيز الموجودين في فرنسا.
الكثير من الصحف نشرت خبر «استسلام طارق عزيز للسلطات الأمريكية في العراق» ولكن صحيفة إسرائيلية واحدة فقط كتبت أن «الرجل استسلم للأمريكيين بعد شرطين أساسيين» أولهما عدم اعتباره «أسير حرب عسكري، وثانيا ضمان سلامة أسرته.
«مجلة» إسرائيل ديسي«الصادرة في جنوب فرنسا كتبت قبل يوم واحد من استسلام طارق عزيز مقالا عن «الرجل الذي سوف يكون جوابا لأكثر من سؤال حول النظام العراقي المخلوع» وكانت المجلة الأولى التي كتبت عن طارق عزيز بعبارة «سوف يسلم نفسه قريبا» والتي ربما لم تثر التساؤلات في حينها، ولكنها طرحت الكثير من التساؤلات حين استسلم «طارق عزيز» فعلا للأمريكيين، بنفس أسلوب «المساومة» التي تسميها بعض الأطراف بالشروط الأمنية.. ولكنها لم تكن كذلك في الحقيقة، لأن «طارق عزيز» يقول التقرير ساهم في مساوئ النظام السابق، لم يكن معارضا لأي قرار تعسفي ارتكبه صدام حسين ليس ضد العراقيين فقط، بل ضد جيرانه أيضاً.. كان مسيحيا، ويعتبر نفسه «تكنوقراطي» بمعنى أنه لم يكن عسكريا بالمعنى البراغماتي، بل كان دبلوماسيا يصلح للشؤون الخارجية أكثر من صلاحيته للشؤون العسكرية.. هذا سبب آخر للقول إن «طارق عزيز» كان واحدا من «النظام» العراقي بكل تناقضاته ومساوئه وبشاعته أيضا..ومع ذلك استفاد من «المعاملة الخاصة» بل «رحَّلته» الإدارة الأمريكية سراً إلى قاعدتها في المغرب، ليحظى بالعناية الطبية وليحقق معه بعيداً عن الأعين..
مجلة «إسرائيل مجازين» الصادرة في فرنسا أيضا كشفت أن الإدارة الأمريكية مارست عملية من التحايل على الإعلام الدولي، ربما بالطريقة التي تذكر الجميع بما فعلته فبل سقوط بغداد، بحيث إنها أرادت أن تبعد الأنظار عن حدث مهم نحو لفته إلى حدث أهم، فيوم تم الإعلان رسميا عن «إلقاء القبض» على طارق عزيز، حدث انفجار كبير في أحد مستودعات الأسلحة العراقية في منطقة «الصالحية» على أطراف بغداد.. لم تكن ثمة إصابات، وإنما كان الهدف في الحقيقة لفت النظر إلى «جرائم النظام العراقي في إخفاء الأسلحة في المناطق السكنية» وهو الانفجارالذي تلاه في الأيام الأخرى كما نعرف انفجارات كثيرة في مناطق أخرى بشكل كارثي وغير مفهوم.
اللجوء إلى إيطاليا
الإعلام الأمريكي الذي يعد أهم القنوات الإعلامية الدولية التفت إلى قضية الأسلحة، وبالتالي كان «سقوط طارق عزيز» شيئا عاديا.. شيء آخر كشفته صحيفة «روبوبليكا» الإيطالية عن «الاتصالات السرية» التي قام بها وزير خارجية العراق الأسبق مع «شخصيات مهمة» من مكتب الاستخبارات الأمريكية، حتى وهو يزور العاصمة روما لأجل الالتقاء بالبابا يوحنا الثاني في قلب الفاتيكان.. الصحيفة الإيطالية ذهبت إلى حد الكلام عن «اعتزام طارق عزيز طلب اللجوء السياسي» في ايطاليا لولا «خوفه على أمن أسرته» وهو الذي كان يعرف ماذا كان بوسع صدام حسين أن يفعل بأسرته لو أعلن العصيان من روما، في جولته التي كان من المفروض أن يقنع فيها الأطراف الدولية عن «براءة» العراق من امتلاك أي أسلحة دمار شامل.
مناورة بشعة
«تومي أندرسون» المكلف بالشؤون الإعلامية في الفرقة الرابعة البريطانية كشف لإذاعة ال «بي بي سي» أن «استسلام طارق عزيز لا يمكن اعتباره أكثر من شخص لن نبحث عنه ثانية».. وهو الأمر الذي كتبت عنه صحيفة ألمانية معتبرة أن الأمر لا يعدو كونه نفاقا كبيرا في كيفية التعامل مع «مطلوب وآخر» لأن الشعب العراقي كان ضحية مناورة بشعة ليس من نظامه المخلوع ولا من الشخصيات المعروفة داخل ذلك النظام فحسب، بل من الأمريكيين والبريطانيين أيضا، لأنهم ساوموا الجميع على شيء واحد وواضح وهو «كرامة الشعب العراقي»، يقول «ميلر كوفمان» المسؤول الإعلامي في الخارجية الألمانية.
أزمتان قلبيتان
الحالة التي وجد فيها «طارق عزيز» في بيت أخيه على أطراف العاصمة العراقية كانت سيئة، وقد تعرض لأزمتين قلبيتين خلال أسبوع واحد. الدكتور «مايكل سميث» الذي عاينه قال إن استنطاقه عملية انتحارية ليس إلا.. هذا هو السبب الذي بموجبه كانت أهمية «طارق عزيز» في أعين الأمريكيين كبيرة.. «رامسفيلد» أوهم البعض أن «طارق عزيز» سوف يعامل كأسير حرب، وسوف يحظى بالعناية الطبية داخل العراق نفسها.. ولكن طائرة طبية أمريكية عسكرية وصلت إلى العراق في ثاني يوم من استسلام طارق عزيز ونقلته إلى جهة مجهولة.. قناة «فوكس نيروز» المقربة من البيت الأبيض، كشفت أن ثمة احتمال نقل «طارق عزيز» إلى ألمانيا، ولكن طارق عزيز لم ينقل في الحقيقة سوى إلى المغرب، كانت المغرب وجهة مناسبة جدا بالنسبة للأمريكيين لأنها بعيدة عن مكان «الحدث» سياسيا وإعلاميا ولأنها وهذا المهم تطل على أكبر مكتب استخباراتي أمريكي في اسبانيا..
جريدة «جريزاليم بوست» كشفت في تقرير مماثل عن وصول بعض أفراد من عائلة «طارق عزيز» إلى المغرب.. وهذا يؤكد في النهاية أنه هناك يقول التقرير.
يبقى أن يطرح السؤال عن علاقة «طارق عزيز» بقناعة الأمريكيين الأخيرة أن أرشيف صدام حسين موجود فعلا في روسيا، «كونداليزا رايس» التي عادت للظهوربعد غياب مفاجئ أعلنت للصحف الأمريكية بأسلوب قاطع : «الأمريكيون متأكدون من وجود أرشيف صدام حسين في روسيا وهذا لم يعد محل أي شك».. وهل لطارق عزيز علاقة بإلقاء القبض على العالمة العراقية «هدى صالح عماش» الذي كان إلقاء القبض عليها نصرا حقيقيا على حد قول «دونالد رامسفيلد» و«بول وولفيتز» مهما يكن فإن الأيام سوف تحكي للعالم كل ما جرى.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved