يعتبر الكثير من الفنانين والنقاد الغربيين ان لوحة الفنان الاسباني العالمي فرانثيسكو دي جويا المسماة «الإعدام رمياً بالرصاص» من اعظم لوحاته بل ومن اعظم اللوحات الخالدة التي يضمها متحف «البرادو» بمدريد والتي يعود تاريخها الى عام 1814م لانها تحكي قصة نضال الشعب الاسباني ضد قوات نابليون الفرنسية، وتكتسب اهميتها لتجسيدها واقعة حقيقية حدثت بالفعل عام 1808م في ميدان «مونكلوا» اشهر ميادين مدريد عندما وقفت قوات نابليون تحمل السلاح في لحظة تنفيذ الحكم بالإعدام رمياً بالرصاص على مجموعة من الابطال الاسبان الثوار من المقاومة الشعبية اعتبرتهم قوات نابليون متمردين رافضين لتحالف حكومة اسبانيا مع القوات الغازية ورافضين الاحتلال ومطالبين بدحر الغازي.. ويعتبر النقاد ان جويا استطاع تغيير مسار الفن التشكيلي تاريخياً، عندما استطاع نقله في زمنه من مرحلة تمجيد لحظة انتصار وطنه على اعدائه، لصياغة لحظة انكسار وألم عظيم يمر به هذا الوطن، وكان متساميا بإنتاجه الفني على اللحظة الزمنية التي يصوغ داخلها فنه وفوق الواقعة المحلية التي يجسدها جماليا داخل لوحته، لينتج لنا فنا يلمس الوجدان الانساني ويهز الضمير البشري في كل زمان ومكان.
واللوحة ليعيشها القارىء ويمكنه تخيلها رسمت بالالوان الزيتية على قطعة من القماش مساحة 266 x345 سم وتبدو قاتمة في اضاءتها بشكل عام ورسم في الجزء الايمن منها طابور من جنود نابليون يحملون بنادقهم في وجه مجموعة من المناضلين الثوار الابطال، وتعمد جويا رسم جنود نابليون بدون ملامح على وجوههم كناية عن تجردهم من الانسانية وتجسيدهم كتلة من الشر بلا ملامح فهم القتلة المغتصبون لحق الانسان على ارضه، وفي الجهة اليسرى من اللوحة والمقابلة للجنود الفرنسيين تقف مجموعة ثائرة من الشعب الاسباني تعبر عن مختلف فئاته الكادحة وبعض منهم جثث ملقاة على الارض تسبح في دمائها، بينما يتوسطهم بطل اللوحة تركز عليه الاضاءة بشدة مرتدياً قميصاً ابيض ويقف فاتحا يديه مستقبلا بصدره لبنادق جنود نابليون يواجه الموت ومصيره المحتوم، بعيون مفتوحة، وبجرأة نادرة، وبوضع كالمصلوب، ويلتف حوله مجموعة من المناضلين والثوار والرهبان في وضع يجسد قداسة الموقف «إلى حد يستحضر فيه جويا مشهد المسيح عليه السلام وهو مصلوب ومن حوله حواريوه المخلصون» كما ذكر ويشدد النقاد الغربيون في تحليلهم لتلك اللوحة الفنية.. ولذلك اكتسبت اللوحة قداسة كبيرة لديهم لانهم ارادوا ان يرفعوا من شأن رسالة النضال ضد المحتل والغازي للأرض والوطن الى درجة عالية من التقديس، بينما يخفي البعض من ابناء الشعب وجوههم بأيديهم حتى لا يروا بطلهم يسقط امام اعينهم ببنادق جبروت وطغيان الظلم للمحتل والغازي.
فذلك القاتل المغتصب لحق الانسان على ارضه ودماء الابطال والأبرياء في اللوحة، هذا مشهد واقعي يتكرر كل يوم وكل لحظة بتفاصيله الاكثر بشاعة مما عاصر وشاهد جويا، في ارجاء كثيرة من عالمنا العربي والاسلامي بل تخضع الشعوب لعقاب جماعي الآن، وما زالت رائحة الدماء المسلمة العطرة تختلط برائحة البارود والقنابل وتملأ انوف الكثير من شعوبنا وما زال صوت الطلقات والمدافع والاباتشي والجرافات يصم آذان الكثير من شعوبنا تحت وطأة الاحتلال والمغتصب فربما لو كانت تلك اللوحة لفنان عربي او مسلم لانهم بالارهاب او بالتحريض عليه ولما اعتبره الغرب مثل جويا فنانا بارعا وبطلا وطنيا خالدا يؤيد النضال والتحرر من الاستعمار والغزاة.
ونحن لا نبالغ عندما نقول ان العالم يحرم علينا النضال ضد الاستعمار ويحرم علينا التصدي للقوات الغازية بل يقف موقف المتفرج الاخرس حيال جميع الممارسات الاجرامية علينا التي تتجلى فيها اعتى اشكال إرهاب القوى، لأن إعلامنا العربي لايدين بشدة وبعنف إلا العرب والمسلمين عندما يرتكبون أعمال عنف أو ما يسمى بالإرهاب لكن عندما تقدم قوى غربية على ممارسة اعتى الوان الارهاب علينا، فنحن نفتقد تماما لذلك الحماس في مهاجمتها وفي ادانتها.. فما تقوم به اسرائيل كل يوم من مجازر في وضح النهار وتستخدم كافة الاسلحة المحرمة دولياً وما تقوم به بعض الدول الغربية والقوى العظمى في العالم من ممارسات إرهابية في حق العرب والمسلمين وسقوط الآلاف من الابرياء والضحايا المسلمين فنحن نصبح تماماً مثل الغرب المتفرج الأخرس.
ففي اوج غليان الانتفاضة في مواجهة المغتصب الصهيوني، عرض مصمم عربي مجموعة من تصاميمه في حفل عالمي للأزياء وختم عرضه بثوب اسماه «الانتفاضة» رسم عليه صوراً لاطفال من ضحايا الارهاب الاسرائيلي وقد نشرت صورهم من قبل في كافة الصحف ووسائل الاعلام والامر معروف للجميع، ولكن اراد ان يوصل رسالة للعالم اجمع من خلال فنه ومن خلال ذلك العرض العالمي ليتعاطف العالم مع الشعب المحتل وقضيته ويدرك العالم مدى جبروت وبطش المحتل الصهيوني حتى لم يسلم منه الاطفال، فقوبل بعاصفة من النقد والهجوم من الإعلام الصهيوني ومن الإعلام الغربي المصهين وبالطبع من قبل الإعلام العربي ذلك الببغاء صدى الصوت للإعلام الغربي ليس إلا..
فكيف نطالب الغرب بالاحترام والانصاف لنا ولقضايانا، ونحن لا نحترم ولا ننصف أنفسنا؟
ص.ب 4584 جدة 21421
فاكس: 6066701ـ02
|