Saturday 24th may,2003 11195العدد السبت 23 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
جهاد أم إجهاد؟! (1/2)
رقية الهويريني

ظهر فكر تكفير الدول إبان اصطدام الرغبة في اقامة دولة اسلامية محضة وبين قيام دولة تدين بالإسلام عقيدة دون شريعة، وظهر هذا الفكر وأصبح ينتشر في البلدان الإسلامية جميعها، حتى تطور إلى مصطلح تكفير الدولة على الاطلاق سواء التي تحكم بالشريعة أو سواها، حيث يرى متزعمو هذه الحملات بطلان القوانين الحديثة التي لم يرد لها ذكر في الكتاب والسنة ولو لم تتعارض معهما، على الرغم من أهميتها في حياة المسلم. وزاد من قوة هذا التيار الواقع الذي يعيشه المسلمون من اضطهاد، مما يثير عاطفة الشباب بالذات فيندفعون بحماس إلى تغيير الأوضاع الحالية بحجة أنها تعارض الشرع وأنها جلبت العار والهزيمة للشعوب الإسلامية، على الرغم من أن الدولة الإسلامية في نشأتها قد سنت القوانين التي تسهل العمل واستعانت بالفرس والروم في ذلك! إلا أن الصوت الهادر حالياً يتمثل بالاصرار على اخراج الكفار من جزيرة العرب دون التفريق يبن المحارب والآمن! وهل الكفار في بلادنا من أمريكا وأوروبا فقط؟! أم أن هناك جاليات من دول أخرى غير مسلمة، وقد تكون شيوعية ملحدة!! والاصرار على خروج غير المسلمين من جزيرة العرب مع قيام الحاجة لهم في مجالات خدمية متعددة يتعارض مع الواقع لا سيما أنه ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وما زال هناك يهود في المدينة، بل كان أحد جيرانه يهودي! أسلم بعد أن رأى سماحة الإسلام من خلال أخلاقه عليه السلام!
ولئن بدأ هذا الصوت يعلو، فإن له أطناباً ضاربة في التاريخ الإسلامي، بيد أنه تطور بأساليبه حتى وصل إلى التطرف والانحراف، وصار يجمع خليطاً من الأفكار ومزيجاً من الآراء الباطلة ومنها أن الغاية تبرر الوسيلة وما يحصل الآن من مظاهر للعنف هو نتيجة أفكار ملوثة منحرفة بحاجة إلى التصحيح، حيث يبدو أن العقول التي تحتضن تلك الأفكار لم تنضج بعد ولم تستشعر المسؤولية، لذا فإنه يتوقع لها النهاية حيث تمت ممارسة العنف بالجزائر وبدول أخرى إلا أنها لم تصل إلى نتيجة. والمصطلح الثأري الذي يرى أن كرامة الأمة لا تسترد إلا بالدم - وحده - قد أدى إلى الانحدار بوضع المسلمين من سيء إلى أسوأ! والواقع أن استرداد الحق لا يكون بالدم بل بالحوار والمجادلة الحسنة حتى لا يظهر الإسلام بالصورة الارهابية المرتبطة بالتدمير والخراب والشراسة امتثالاً لقوله تعالى : {وجادلهم بالتي هي احسن} وقوله تعالى: {ولو كنت غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقوله عليه السلام: «بعثت رحمة» لذا لابد أن نتفق على أن الأسلوب المتخذ -حالياً- لاسترداد الحق المغتصب أمر بعيد عن تعاليم ديننا الإسلامي فضلاً عن أنه أمر ترفضه الفطرة السليمة، كما أن الأخطاء في المجتمع لا يمكن أن تعالج بالعنف وتضخيم فكرة الفساد ولا يمكن أن تكون حجة لترويع الآمنين وقتل المعاهدين. إلا أنه يبدو أن الفتاوى التي يستند عليها أولئك الشباب قد صدرت من أشخاص يعتمدون على مرجعية تستنبط أحكاماً خطيرة من القرآن والسنة دون تدقيق، وقلة العلم الشرعي تؤدي بصاحبها الى الضيق بالرأي الأخر إذا كان مخالفاً له!! وتقوقع هؤلاء الشباب على بعضهم يؤدي إلى ضيق الفكر لديهم وقناعتهم بآرائهم القاصرة، بسبب النظرة الأحادية التي تمثل الجهاد على أنه (العنف) أو ليست الدعوة إلى الله على بصيرة نوعاً من الجهاد؟ ألا يجدر بهم التلقي من مصادر شرعية موثوقة والبعد عن الوصم بالتبديع والتفسيق لكل من خالفهم؟ ولئن أخطأ أولئك الشباب في التصرف وفقدوا حياتهم بسبب أخطائهم فإنه لا يزال هناك من يتبنى تلك التصرفات بل ويغذيها، فعلى عقلاء الأمة علاج خطئهم بالتروي والحكمة فالفكر المنحرف لا يعالج إلا بفكر مستنير! واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها، والاجراءات التي تتفق مع توجهاتها وذلك بالتوعية عبر كافة الوسائل وتوجيه الأسرة إلى الالتفات لأبنائها وتربية النشء وابعادهم عن الوقوع أو التأثر بالتيارات المخالفة للشرع.
إن هذا البلاء الذي ابتليت به الأمة الإسلامية من اتجاه الشباب الى اعتناق الفكر المنحرف سيؤدي إلى فقدان الأمة لصفوتها من الشباب سواء بموتهم أو قتلهم لغيرهم. اضافة إلى أن هذه الأفعال من شأنها أن تشوه صورة الإسلام الذي يرمز للسلام، بل انه يؤذي الأمة الإسلامية برمتها ويجرح مشاعرها حين توصم بالارهاب، كما أنه استهتار بكل القيم والمبادئ الإسلامية التي تستوجب تأمين الإنسان حتى ولو كان غير مسلم لا سيما حين يكون بينه وبين المسلمين معاهدة وذمة.
يأتي ذلك في الوقت الذي كنا نرجو من كل فرد مسلم حين يسافر إلى بلاد الغرب أن تكون أخلاقه الإسلامية داعية لغير المسلمين للاقتداء به والدخول في الاسلام، كما كانت أخلاق المسلمين الذين فتحوا البلدان في فجر الإسلام سبباً لاعتناق شعوبها الإسلام قبل السيف! والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» ويقصد بها الغنائم رغماً عن حاجة المسلمين آنذاك لتلك الغنائم! وقوله عليه السلام «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعونهم بأخلاقكم» فأين الرفق والاجتهاد بالدعوة للإسلام؟!!
وما بالكم أيها الشباب تشوهون صورة الإسلام الجميلة الناصعة المطرزة بالرحمة والتسامح، وتضيفون سهماً في رصيد بغض الغرب لنا؟! فلا نتمكن من دعوتهم للإسلام!! ونحن إذ ننتظر منكم بناء الأمة الإسلامية فإذا بكم تقوضون - بأفعالكم - صرح الإسلام العظيم القائم على العدل والسلام!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved