أعرف أن مقالي هذا قد لا يكون مألوفاً، وقد يكون فيه خروج عما يتوقعه الناس، ولكن أسأل سؤالاً مباشراً، هل حاولت الولايات المتحدة أن تنقل الارهاب إلى منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً إلى المملكة العربية السعودية؟ هذا سؤال على الأقل جدير بالطرح والتفكير؟ فلربما هناك قوى داخل المؤسسة الاستراتيجية الأمريكية تحاول أن تنقل هذا النوع من الارهاب إلى ربوع هذه البلاد بشكل خاص، وحتى لو لم يكن هناك تخطيط، فسيكون هناك رضا عما يحدث هذه الأيام في المملكة.. فالرغبة الدفينة لدى مثل هذه القوى النافذة في المؤسسات الأمريكية هي في تحويل الارهاب إلى منطقة الشرق الأوسط، أملاً في تدوير هذه العجلة لتستمر بانتظام تأتي على مقدرات وأمن هذه الدول والمجتمعات.. وربما يكون الهدف المنشود هو أن يعيش أبناء هذه البلاد وغيرها من الشعوب العربية والإسلامية نفس المعاناة والضغط الذي عانى منه المجتمع الأمريكي خلال الأشهر الماضية.. وربما قد تكون هناك جهات داخل المؤسسة الأمريكية وليس بالضرورة الرسمية المباشرة تسعى إلى الوصول إلى مثل هذا الموقف الذي نعيشه في منطقة الشرق الأوسط عامة والمملكة العربية السعودية خاصة.
قد يرى البعض أن هذه مجرد اتهامات ليست في الحقيقة من شيء، إلا أني أود أن أوضح الأسباب التي قد تكون وراء هذه الاستفادات السياسية والاستراتيجية التي قد تجنيها الولايات المتحدة الأمريكية:
1- من المهم للولايات المتحدة ان تنقل الارهاب بعيداً عن اراضيها الى خارج الحدود.. وتصبح معنية بادارة الارهاب من بعيد وليس من الداخل الأمريكي.. وهذه الأحداث تمثل نقلة مهمة في الحرب الأمريكية على الارهاب.
2- تمثل حالات الارهاب في الخارج الأمريكي نجاحاً كبيراً للجهود الأمريكية حيث يعكس نجاحاً في وأد الارهاب ونجاح خطط الأمن والمتابعة والمضايقة للعرب والمسلمين داخل الولايات المتحدة.
3- منذ اليوم الثاني لتفجيرات نيويورك وواشنطون، والأنظار تتجه إلى المملكة العربية السعودية ، كمجتمع يفرخ الارهاب، ومناهج ترضع الكراهية والحقد.. وقد سعت كثير من دوائر النفوذ والمصالح إلى وضع المملكة في بؤرة اهتمام وسائل الاعلام الأمريكية.
4- تحاول الولايات المتحدة أن تؤسس لبؤرة ارهاب في مناطق أخرى، لتتسلى بها شبكات الارهاب والعناصر الانتحارية، وإلهائها عن دور ارهابي داخل الولايات المتحدة.
5- يتحقق للولايات المتحدة هدف نفسي ومعنوي مهم من خلال حدوث تفجيرات وقلاقل داخل المملكة، ومنها أن الدولة التي غذت الارهاب ها هي تكتوي بالارهاب وتعاني من حالات الرعب والخوف والتوجس في داخلها.
6- كانت الولايات المتحدة عبر عدد من مراكز الدراسات ومؤسسات اليمين المتطرف تنادي باعادة صياغة الشكل الاجتماعي والثقافي للمملكة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولم تستجب المملكة، ولهذا كانت تتطلع الى ظروف مواتية تساعد على بناء توجه رسمي أو شعبي داخل المملكة في هذا الاتجاه.
7- في اطار المنافع التي قد تجنيها الولايات المتحدة من تداعيات التفجيرات التي حصلت في الرياض، احداث تصدع بين المؤسسة الرسمية وبين المؤسسة الدينية، فالولايات المتحدة تحاول احداث شرخ كبير بين المؤسستين، وتريد أن تزرع بذور العداء بين هاتين المؤسستين.. حتى يمكن أن يتحقق هدف تهميش دور المؤسسة الدينية حتى المعتدلة منها.. فهي من ناحية تشكل ضغطاً على المؤسسات الرسمية بهدف أن تكون هي اشكالاً من الضغط على المؤسسات الدينية وقناعات الشعب السعودي.
8- تحاول الولايات المتحدة ان تزرع الشقاق بين المؤسسة الدينية وبين عامة أفراد الشعب، فالأحداث التي جرت في الرياض، وما تلاها من تهديدات في مناطق اخرى، وما يستلزم ذلك اجراءات احترازية أمنية يزرع الخوف بين أفراد الشعب السعودي، ويولد الريبة والشك بينهم.. وقد يولد خطاباً جديداً في المجتمع مبني على فكرة التحزبات والانقسام الفكري.
9- تهدف الولايات المتحدة إلى ايجاد خلخلة في نظام الشرق الأوسط، يؤدي إلى بناء سوق فكرية حرة بين الولايات المتحدة وهذه المنطقة.. على غرار سوق اقتصادية حرة التي اقترحها الرئيس جورج بوش مؤخراً.
10- تحاول الولايات المتحدة أن تشعل فتيل الخوف والرعب داخل المملكة، فتصدر التصريحات تلو التصريحات عن وجود تهديدات كبيرة ووشيكة منتظرة في الرياض أو جدة.. ثم يتلو ذلك اغلاق السفارة والقنصليات الأمريكية في المملكة، والايعاز إلي دول أخرى (بريطانيا ألمانيا مثلاً) باتخاذ نفس الاجراء لبناء حالة من الشك والريبة في الحالة الأمنية في المملكة.
هذه بعض أوجه الاستفادات التي قد تجنيها الولايات المتحدة من جراء تفجيرات الرياض، وكلها تصب في مصالح أهداف اليمين الأمريكي المتطرف، التي تخدم المصالح الصهيونية في المنطقة.. ولكن كيف لنا أن نستوضح هذا التوجه، أو نستكشف هذا الوضع.. كيف يمكن لنا أن ندلل على أن هذه الأحداث التي فجرت مواقع سكنية في الرياض وهددت مواقع وأماكن أخرى تصب في خدمة المصالح الصهيونية في المنطقة.
أولاً: من الأهداف الرئيسية لاسرائيل ومن ورائها الفكر الصهيوني هو اضعاف كل قوة اسلامية تقف أمام المصالح الإسرائيلية في المنطقة.. ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية كانت فيما مضى ولا تزال تدافع عن القضايا العربية والإسلامية بكل ما تملكه من قوة ونفوذ.. وهذه الأحداث في المملكة تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدولة التي عرفت بأمنها واستقرارها، وعرفت بصلابة موقفها تجاه القضايا والمصالح الوطنية والإسلامية.. وكلما انشغلت هذه الدولة بأمور هامشية، وبأدوار ثانوية، وبهموم غير جوهرية كلما تطلب منها - حسب التفكير اليميني المتطرف - التراجع عن حمل الهم الوطني الكبير وقضايا الأمة المصيرية.. وهذا هدف جوهري يتحقق للمصالح الإسرائيلية.
ثانياً: تحمل المملكة العربية السعودية على أرضها أطهر بقعتين على وجه المعمورة، وهما الحرمان الشريفان، وتريد هذه الأصوات ان تشوش على صورة المملكة الدينية في العالم.. من خلال التشويش على الخطاب الإسلامي الصادر من المملكة، وجعله أولاً متضارباً متناحراً في داخله، وثانياً غير قادر على المواءمة مع متطلبات الخطاب السياسي.
ثالثاً: التشويش على مواقف المملكة يعطي فرصة للتأثير على القوى العربية والإسلامية الأخرى في المنطقة، مما يهيء إلى ظروف مواتية لرسم خارطة الشرق الأوسط دون مقاومة أو اعتراض.
رابعاً: الهدف الاستراتيجي لكل هذه الأحداث هو دمج دول ومجتمعات الشرق الأوسط في نظام أمريكي مشترك.. وكلما حدثت تغييرات جوهرية في بنية المجتمع العربي والاسلامي، كلما أمكن لها أن تتسلل بفكرها وقيمها ومبادئها الى عمق التجربة الوطنية.
وأخيراً، من المهم التأكيد هنا إلى أن ما تسمى بشبكة القاعدة، وعناصر الارهاب في مختلف دول العالم الاسلامي والدول الغربية، لا تمثل سوى لعبة في يد أجهزة المخابرات الغربية تحركها يميناً وشمالاً، من أجل أن تهيىء لها بيئة وتبني لها فرصاً، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.. وحتى لو لم تمتلك هذه الأجهزة الاستخباراتية ادارة هذه الشبكات الارهابية فهي تحركها من بعيد وتديرها وتدفع بها من خلال ردود الفعل التي تضطر الى اتخاذها الى زوايا ومساحات وأفعال تصب في اطار المصلحة الاسرائيلية والصهيونية في المنطقة. فقد استطاعت مراكز القيادة الاستخباراتية الغربية ان تدير حركة الارهاب بما يتوافق مع مصالح هذه الدول.. وتظل هذه الدول تجني ثمرات هذه الأوضاع المتردية في العالم الإسلامي.. بحجة أنها تدافع عن الارهاب، لكنها في الحقيقة تدفع بالارهاب كوسيلة - مجرد وسيلة - لتحقيق اهدافها في المنطقة والعالم.. وقد فطنت الولايات المتحدة الى نظرية جديدة اكتشفتها بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر.. وهي الادارة بالارهاب.. وليس ادارة الارهاب.. على توازي مع العرف الذي نعرفه في ادارة الأزمات والصراعات.. الادارة بالأزمات، وليست ادارة الأزمات.
(*) رئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
استاذ الاعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|