Friday 23rd may,2003 11194العدد الجمعة 22 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في محاضرة بعنوان «حتى لا تغرق السفينة» د. عائض القرني: في محاضرة بعنوان «حتى لا تغرق السفينة» د. عائض القرني:
نريد أن نعيد الجاليات الأجنبية مسلمين وليس جنائز محمولة

*متابعة وهيب الوهيبي:
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني الداعية الإسلامي المعروف مساء يوم الاثنين الماضي محاضرة بعنوان: «حتى لا تغرق السفينة» وذلك بجامع الملك خالد بأم الحمام حيث بدأ فضيلته محاضرته بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..


مكةٌ موطني ونجدُ مقامي
وعسيرٌ من البلاد مصيفي
ورسولي بطيبةٍ ومناخي
حائلٌ، والحساءُ ظِلِّي وريفي
وبجازان إخوتي، وسحابي
نحو نجرانَ ماطري ووكيفي

ربُّنا واحد، ورسولُنا واحد، وكتابُنا واحد، ودينُنا واحد، وقبلتُنا واحدة، ونحن مجتمعٌ واحد، {إنَّ هّذٌهٌ أٍمَّتٍكٍمً أٍمَّةْ وّاحٌدّةْ وّأّنّا رّبٍَكٍمً فّاعًبٍدٍونٌ}.
* أمة الإسلام:
إن ما حدث في الرياض يوم الاثنين بتاريخ 11/3/1424هـ لهو أمرٌ محرمٌ شرعاً، خاطئٌ عقلاً، وهو عملٌ إرهابيٌّ، إجراميٌّ يستهدف النَّيْلَ من أمننا، وقد ساءنا وكدَّرنا، وأزعجنَا، واستثارَ مكنونَ خواطرِنا، وهو مهدِّدٌ لأمننا، ولراحتنا، وإنني أنادي الجميعَ حكْاماً ومحكومين أن يكونوا أمةً احدة، قال سبحانه وتعالى: {وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللّهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا} وقال: {إنَّمّا المٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ}.
* أمة الإسلام:
نحن الأمة الوسط {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا}، علماؤنا، فقهاؤنا، قضاتُنا، دعاتُنا، عقلاؤنا، أباؤنا، طلابُنا، رجالُنا، نساؤنا، كلُّهم وسط، وهم جماعةُ الاعتدال عليكم بالجماعة فإنَّ يدَ الله مع الجماعة، ومَنْ شذَّ شذَّ في النار، لا للتحزبِ، لا للطائفيةِ، لا للتفرقةِ العنصرية، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً»، وقال سبحانه وتعالى: {وّأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌهٌمً لّوً أّنفّقًتّ مّا فٌي الأّرًضٌ جّمٌيعْا مَّا أّلَّفًتّ بّيًنّ قٍلٍوبٌهٌمً وّلّكٌنَّالله أّلَّفّ بّيًنّهٍمً إنَّهٍ عّزٌيزِ حّكٌيمِ}.
* أمة الإسلام:
إن دمَ المسلم وعرضه، وماله حرامٌ على المسلم؛ كحرمةِ الشهر المحرم، في البلدِ المحرم، في اليوم المحرم، يقول سبحانه وتعالى: {وّلا تّقًتٍلٍوا النَّفًسّ التٌي حّرَّمّ اللّهٍ إلاَّ بٌالًحّقٌَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دمُ امرئٍ مسلمِ إلا بإحدى ثلاث: الثيبُ الزاني، والتاركُ لدينه المفارق للجماعة، والنفسُ بالنفس»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لزوالُ الدنيا بأسرها أهونُ عند الله من قتل امرئٍ مسلم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ولو اجتمع أهلُ السمواتِ والأرض على قتلِ امرئٍ مسلم لكبَّهم الله على وجوههم في النار»، وقال سبحانه وتعالى: {وّمّن يّقًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا وّغّضٌبّ اللهٍ عّلّيًهٌ وّلّعّنّهٍ وّأّعّدَّ لّهٍ عّذّابْا عّظٌيمْا}، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ من سَلم المسلمون من لسانه ويده»، ونظر ابنُ عمرَ رضي الله عنه إلى الكعبة، فقال: ما أعظمكِ وأشدَّ حرمتكِ عند الله، والمؤمنُ أشدُّ حرمةً منكِ.
* أمة الإسلام:
الأمنُ مطلبُ الجميع، فإن الأمنَ يَنْشُده الوالي، وينشده الراعي والرعية، والعلماء والعامةُ، والرجالُ والنساء، فإذا ذهب الأمنُ فلا أمان:


إذا الإيمان ضاعَ فلا أمانٌ
ولا دنيا لمن لم يُحي دينا

والرسول عليه الصلاة و السلام عدَّ الأمنَ من أعظمِ النعم، فقال: «منْ أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوتُ يومِه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، فالواجبُ علينا أن نسعى في استتبابِ الأمن، وأن نأخذَ على يدِ مهدِّدِ أمننا، ولا نرضى بسلوك منهجهم، ولا باتباع طريقهم، ولا نُقِرّهم على خطئهم، ونبرأ إلى الله من فعلهم.
العظة والعبرة
* أمة الإسلام:
ألا نعتبر مما حصل في دول فقدت الأمن، وقدَّمت صوتَ البندقية على صوت العقل، واستخدمتْ حوارَ الرصاص على حوار المنطق، ألا ننظر الى ما حلَّ في بعض البلدان؛ من سَفْكٍ للدماء، وهتكٍ للأعراض، واقتحام للبيوت، وبقْر بطونٍ حوامل، قتل أطفال، تمزيق شيوخ، إغلاق مدارس، خراب مؤسسات، ذهاب اقتصاد، سلب ونهب، فُرْقة وخلاف، قلقٌ واضطراب، فزعٌ وخوف، بعد أن كانوا قبل ذلك مقبلين على عودةٍ صادقةٍ إلى الله، كانت مساجدهم ممتلئةً بالمصلين، وكان بينهم أخوةٌ ووفاق، ثم انحرف الحال، فتمزقوا أيدي سبأ، وصاروا شَذَر مَذَر، وأطلقوا السلاحَ على بعض، وهُدِّدت طُرُقاتهم، ونُسِفت مساجدُهم، وصاروا عظةً للمتعظين، وعبرةً للمعتبرين، فمُزِّقوا كلَّ ممزَّق، وذهب ذاك الهدوءُ والأمن، وتعطلت التنميةُ، ودُمِّرت المساكن، {وّكّذّلٌكّ أّخًذٍ رّبٌَكّ إذّا أّخّذّ القٍرّى" وّهٌيّ ظّالٌمّةِ إنَّ أّخًذّهٍ أّلٌيمِ شّدٌيدِ}، ألا نعتبر بما حصل بأفغانستان، يوم أن صاروا شيعاً وأحزاباً، وصار فيهم ما يقارب عشرة أحزاب، كلها ترفع لافتة الإسلام، فتقاتلوا فيما بينهم، واستحلَّ بعضُهم دمَ بعض، فأصبحوا شيعاً وأحزاباً، ثم تسلط عليهم عدوُّ من خارجهم، فاستباح أرضهم، وسفك دماءهم، ووطئ ترابهم، وغيرها من البلدان التي ذهب الأمنُ منها والأمانُ والإيمان، فصار الإنسانُ لا يأمنُ على نفسه ولا أهله، ولا أبنائه.
* أمة الإسلام:
إن علينا واجبَ طاعةِ وليِّ الأمر في طاعة الله، نناصحه ولا ننافقه، ولا نخرج عليه، ما لم نرَ كفراً بواحاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أّطٌيعٍوا اللهّ وّأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ وّأٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنكٍمً} وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثٌ لا يُغَلُّ عليهن قلبُ امرئٍ مسلم: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمور، ولزومُ جماعةِ المسلمين، فإن طاعتهم تحيط بمن وراءهم»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
* أمة الإسلام:
هذا خطاب وجهه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسسُ هذه الدولة، إلى بعض رعيته عام 1335هـ، يقول في أحوالٍ مشابهة لأحوالنا: «وقد بَلَغَنا عن أناسٍ يدَّعون أنهم على طريقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أموراً مخالفةً لما هو عليه، وهي أنهم يتجاسرون على الإفتاء بغير علمٍ، ويُطلقون التكفير والتضليل بغير علم، بل بالجهل ومخالفة الدليل، ويتناولون النصوص على غير تأويلها، ويسعَوْن في تفريق كلمةِ المسلمين، ويتكلمون في حقِّ من لم يساعفْهم على ذلك من علماء المسلمين بما لا يليق.
والأمور المكفِّرة لا تخفى على مَنْ عرف دينَ الإسلام، فمنْ أعظمِ ذلك الشرك الأكبرُ، نصبُ أوثانٍ تُعبد من دون الله وحكمهم بالقوانين، وتركُ تحكيم الكتاب المبين، واستحلالُ الخمور، وغيرُ ذلك مما يطول ذكره، وهذا أمرٌ بيّن لا يخفى على من له بصيرة، فمن كان ثابتاً عنده أن الشيخ محمدَ بنَ عبدِ الوهاب - رحمه الله - مجددٌ لهذا الدين الذي هو توحيدُ ربِّ العالمين، ومتابعة سيد المرسلين، فهذه كتبه مشهورةُ فليعتمد على ذلك، ونحن إن شاء الله أعوانٌ له على ما يرضي الله ورسوله، ومن كان عنده شكٌّ فليسألِ اللهَ الهدايةَ، ويطلبْ بيانَ ذلك من كتاب الله و سنةٍ رسوله صلى الله عليه وسلم، ويسألْ من يثقُ به من العلماء المحققين. إذا فهمتم ذلك فاعلموا هداكم الله أننا إن شاء الله بحول الله وقوته أنصارٌ لمن دعا إلى ما دعا إليه الشيخُ محمدُ بن عبدالوهاب، - رحمه الله -، قائمون بما قام به أجدادُنا الذين نصروه، ومن خالف ذلك إما بتفريطٍ، أو إفراطِ، فلا يلومنّ إلا نفسه».
* أمة الإسلامة:
ألا يسعنا ما وسع علماءَ الأمة، ودعاتَها، وقضاتها، وعقلاءها ألا يسعنا ما وسع العالمين الفاضلين المعاصرين؛ سماحة الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين وغيرهما من علمائنا الأجلاء؛ حيث دعوا إلى الله عز وجل في هذا المجتمع، بالحكمة والموعظة الحسنة، وأخرجوا طلاباً وعلموا تلاميذَ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وأسَّسُوا، ودرسوا، وألَّفوا، ومع ذلك نصحوا بالتي هي أحسن، فأقاموا المعوَجَّ، ونبَّهوا على الخطأ، وأبرأوا ذِمَمهم، وهم في التقوى والورعٍ مَنْ هم في محلتهم وميزانهم، إن على الجيل أن يسعهم ما وسع هؤلاء الأئمة العلماء، وأن يتقي الله عز وجل، فلن يأتي هو بعلمٍ كعلمهم، ولا فضلٍ كفضلهم.
* أمة الإسلام:
لماذا نترك ما اجتمعت عليه الأمةُ ونأخذُ بالشاذ؟ نترك الحجةَ والمحجةَ والطريقَ المستقيم، ونذهبُ إلى الطريق الملتوي، الذي يؤدي إلى الهلكة؟ لماذا نهجرُ الألفةَ وندعو للفرقة؟ لماذا نُعرضُ عن اليقين إلى الظن؟ وعن الواضح إلى المشتبه؟ لماذا نعمل تحت الأرضِ في الظلام، ولا نبني فوق الأرض في رابعةِ النهار؟ لماذا نتركُ الواضحاتِ من المسائل والمشتهرات، ونذهبُ إلى الشبهات؟ لماذا نهجرُ الحديثَ الصحيح الصريحَ إلى الحديث الضعيف الواهن؟ لماذا لا نثقُ بعلمائنا، ودعاتِنا، وولاة، أمرنا، وعقلائنا، ونذهبُ إلى آخرين لا نعرفُ علمَهم، ولا نصحَهم، ولا صدقهم؟.
* أمة الإسلام:
ليس في ديننا أسرارٌ، ولا ألغازٌ، مبادئنا تُعلن من على المنابر والمنائر وفي المحافل والأعياد، والمنتديات، ولذلك قال عمر بن عبدالعزيز: إذا رأيت الناسَ يتناجون في دينهم، فاعلم أنهم على دسيسة، فإذا كان العلمُ سراً، في الأقبيةٍ، وفي المخابئِ، وتحت الأرض، وفي الجلسات السرية، أصبح هناك خطورةٌ، وأصبح هناك ظنٌّ، وأصبح هناك وهمٌ، وأصبح هناك ريبةٌ، ولذلك أظهر صلى الله عليه وسلم دعوتَه على الصفا، وأظهرها في المحافل، وفي أسواقِ العرب، ودعا جهاراً نهاراً، وقال له ربه: {وّمّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ لٌَلًعّالّمٌينّ}، وقال: {فّاصًدّعً بٌمّا تٍؤًمّرٍ و عّنٌ المٍشًرٌكٌينّ}، فلماذا نستتر بدعوتنا إذا كنا صادقين؟ ولماذا نتخفَّى إذا كنا واثقين؟ ولماذا نعمل خلايا سريةً إذا كنا ربانيين عالميين؟ لماذا لا نعمل في الجامعاتِ، والمساجدِ، والمدارسِ، والمحافلِ والنوادي والمعاهد؟.
أهداف الداعية
* أمة الإسلام:
نحن نريد باختصارٍ أن تكون كلمةُ الله هي العليا، وأن يكون الدينُ كلُّه له، فليس للداعيةِ، ولا لطالبِ العلم، أهدافٌ من وراء دعوته، بل الهدفُ أن يُصلح الناس، وأن يكونوا عباداً صالحين أتقياء أخياراً، بررةً، مهيئين لدخول الجنة، مهذَّبين في أخلاقهم، مؤدَّبين في سلوكهم، يؤدُّون حقَّ اللهِ، وحقَّ الوالي، وحقَّ الجار، وحقَّ الضيفِ، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن لربِّك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حق حقه»، فهذا هو واجبُ الداعية، فليس له مقصدٌ سياسي، ولا هدفٌ دنيويٌّ غير رفع لا إله إلا الله، وتعبيدِ الناس لرب العالمين.
* أمة الإسلام:
إنَّ على الجيل أن يدعو إلى هداية الناس إلى الطريق المستقيم، قال سبحانه وتعالى: {وّإنَّكّ لّتّهًدٌي إلّى" صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ} وقال عليه الصلاة والسلام لعليِّ بن أبي طالبٍ وهو يرسله إلى اليهود: «فوالذي نفسي بيده لأنْ يهدي اللهُ بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمرِ النَّعم»، لماذا لا نكون رحمةً لا عذاباً؟ {وّمّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ لٌَلًعّالّمٌينّ}، لماذا لا نكون برداً وسلاماً على الناس بدل أن نكونَ مصدراً لشقاوتهم وتخويفهم، وزعزعة أمنهم، واضطرابٍ أحوالهم؟، لماذا لا نكونُ فجراً جديداً على العالم، نبشره بالرسالةِ الربانيةِ والنبيِّ الخاتم، والدين الخالد، والرحمةِ المهداة، والنعمةِ المسداة؟.
* أمة الإسلام:
أين التيسيرُ يا دعاة التعسير، «إنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين»، ويقول سبحانه وتعالى: {فّبٌمّا رّحًمّةُ مٌَنّ اللهٌ لٌنتّ لّهٍمً وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ}، أين دعاة الحكمة يا دعاة الغلظة؟، {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ وّالًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}، {فّقٍولا لّهٍ قّوًلاْ لَّيٌَنْا لَّعّلَّهٍ يّتّذّكَّرٍ أّوً يّخًشّى"}، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة؛ إن الله يُعطي على الرفقِ مالا يعطي على العنف»، أين البشرى برحمةِ الله والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول: «بشَّروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا».
الجهاد المرفوض
* أمة الإسلام:
علينا ألا نجعل الممارسات الخاطئة جهاداً، ولا ننفرد بالرأي الشاذِّ، ولا نتبعَ الأهواءَ الشخصيةَ، ولا نصدقَ الأفهامَ الفرديةَ التي لا تنطلق من علمٍ راسخٍ، ولا من فهمٍ قويمٍ، ولا من سداد في النظرة، ولا في دراسةٍ للمصلحة، وإنما تأتي باندفاعاتٍ عاطفية، وبعقولٍ طائشةٍ، وبتخرصاتٍ ظنيةٍ، لا دليلَ ولا برهان، ولا نورَ ولا محجة:


ومن يثني الأصاغر عن مرادٍ
إذا جَلَس الأكابرُ في الزوايا
وإنَّ تصدرَ الوضعاءِ يوماً
على الشرفاء من إحدى الرزايا
إذا استوتِ الأسافل والأعالي
فقد طابتْ منادمةُ المنايا

* أمة الإسلام:
لماذا لا نعرضُ الإسلامَ عبر الدرسِ، والخطبة، والكتابِ، والشريط، والقناةِ، وعبر الخلقِ القويم، والسيرةِ العطرة، والمواهب الجليلةِ، ونفعِ الناسِ، وتقديمِ المساعداتِ لهم، ومدَّ العون لهم؟ لا عرضَه عبر فُوَّهاتِ البنادق، وأزيز الرصاص، ورائحة البارود، فإن هذا هو التنفيرُ من دين الله، وهذه هي الإساءة للإسلام، وتشويهُ صورته، والصدُّ عن سبيل الله - عز وجل -، لقد دعا الرسولُ عليه الصلاة والسلام جارَه اليهودي إلى الدين، بأخلاقه عليه الصلاة والسلام، فلما أسلمَ اليهوديُّ، ثم مات، قال عليه الصلاة والسلام: «الحمدُ لله الذي أنقذه بي من النار»، وكان لعبدِ الله بنِ المبارك الإمامِ العادل، المجاهدِ الزاهد جارُ يهودي، فكان إذا اشترى لأهلِ بيته طعاماً بدأ باليهودي فأعطاه، وإذا ألبس أطفاله بدأ أطفال اليهودي فلبَّسهم، فأتى اليهوديُّ إلى ابنِ المبارك، وقال: واللهِ إنَّ ديناً أخرجَك لهو دينُ حقٍّ، أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله.
* أمة الإسلام:
نريد جيلاً ربانياً مؤمناً بالله، يعبدُ اللهَ في المسجدِ، والجامعةِ، والعيادةِ، والثكنةِ العسكرية، والمعمل، والمصنعِ، ولا نريدُ أن نربيَ في بلادنا ملحداً زنديقاً، يحاربُ اللهَ ويستهزئُ بالدين، ويغمزُ الصالحين، ويصدُّ عن منهجِ الله، ولا نريدُ بالمقابل أن نربيَ غالياً، متنطعاً، منفراً، مكفراً، يحمل السلاحَ في بلاد الإسلام، ويهدِّد أمنَ المؤمنين، ويزعزعُ الثقةَ فيما بينهم، ويورث الفتنةَ، ويزرعُ الشر في المجتمع، قال سبحانه: {أّلّمً تّرّ إلّى الذٌينّ قٌيلّ لّهٍمً كٍفٍَوا أّيًدٌيّكٍمً وّأّقٌيمٍوا الصَّلاةّ وّآتٍوا الزَّكّاةّ}، وقال سبحانه: {وّلا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ بّعًدّ إصًلاحٌهّا}.
* أمة الإسلام:
نريد أن نعيدَ الجالياتِ الأجنبية مسلمين، ولا نعيدَهم جنائزَ محمولين، ندلُّهم على اللهِ وكتابهِ ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، ولا نكرِّهَهم في ديننا وقيمنا، بل نحبب لهم الطاعة، ونقدمُ لهم الرسالةَ في أحسن صورها، وفي أبهى حُللها، رسالةً، إسلاميةً، طيبةً، نقيةً، سهلةً، ميسَّرةً، تخاطبُ العقلَ، وتوافقُ المنطق، ولها دليلٌ وبرهان، وليس بالتعسفِ، وركوبِ الصعب، واستخدامِ العنفِ، والغلظة في الخطاب، واستخدامِ القوة، وفرضِ السيطرة، وحملِ البندقية: {أّفّأّنتّ تٍكًرٌهٍ النَّاسّ حّتَّى" يّكٍونٍوا مٍؤًمٌنٌينّ}، {لّسًتّ عّلّيًهٌم بٌمٍسّيًطٌرُ}، {لا إكًرّاهّ فٌي الذَينٌ}.
إن الوافدين إلى بلادنا إما أن يكونوا مستأمنين، أو معاهدين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل معاهداً لم يَرح رائحةَ الجنة»، وقد تقرَّر عند الفقهاءِ أن من دخل بلداً من بلاد المسلمين على قدر من الأمان، أو العهد، حَرُم دمُه ولو كان عهدُ الأمان فيه مخالفةٌ لبعض مسائل الشريعة، فتأمينه واجب على المسلمين، وهو عقدٌ لازمٌ بين ولي الأمر وهؤلاء المعاهدينَ والمستأمنينَ من غيرِ المسلمين.
لسنا معصومين
* أمة الإسلام:
لسنا مجتمعاً ملائكياً، لا حكاماً ولا محكومين، ولسنا معصومين، لا الراعي ولا الراعية، ولكننا مسلمون، عندنا أخطاءُ نعم، ولدينا تقصيرٌ أجلْ، ومعنا ذنوبٌ بالطبع، ولكننا عند النعم نشكرْ، وعند المصائب نصبرْ، وعند الذنوب نستغفر، فنحن مسلمون، لا نريدُ غيرَ الإسلامِ ديناً، نقدمُ دماءنا، وأموالنا، وأرواحنا، فداءً لديننا، وهو أعزُّ مطالبنا، وغايتنا نَصْرُه، ونشرُه في الأرض، والتمكينُ له.


أبي الإسلام لا أبَ لي سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ

* أمة الإسلام:
دولتنا إسلامية، وشعبنا شعبٌ مسلم، ولا خيارَ لنا إلا الإسلام، وهو قَدَرُنا، وقضيتنا الكبرى، ولن نحيدَ عنه إن شاء الله، وهذا الذي أجمعنا عليه في طولِ هذه البلادِ وعَرْضِها، ومن شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وما اجتمعنا إلا على راية الإسلام، ولو أن المؤسسَ الملكَ عبدالعزيز - رحمه الله - جمعنا على غيرِ الدين لما اجتمعنا، فلم يجمعنا على قوميةٍ، ولا عرقيةٍ، ولا حزبية، إنما أعلن أن دولتَه إسلاميةٌ، فاجتمعنا على لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله وتآخينا، وتصافينا، وتوافقنا، واتحدْنا، فصار هذا الإنجاز، وصار هذا الإنتاجُ، وصارت هذه البركةُ - والحمد لله - في العلمِ والدعوةِ، والإصلاحِ وجمعِ الشمل، وإقامةِ مشاريع الخير في الأرض، ونشرِ الفضيلة بين الناس.
* أمة الإسلام:
إذا ذهب أمننا تعطلت المدارس، وأُغلقت الجامعات، ودمرت المصانعُ، وكسدت الأسواقُ، وأُقفلت المستشفياتُ، وصرنا خائفين، لا نستطيعُ الخروجَ من بيوتنا، ولا الصلاةَ في مصلياتنا، ولا ممارسة أعمالنا، ولا إقامة مشاريعنا، ولا القيام بواجبنا، حينها يكون النهارُ أسودَ، والليلُ مخيفاً، والظلامُ مرعباً، والفرقةُ حاصلةً، والشتاتُ وارداً.
* أمة الإسلام:
لماذا لا نوحِّد الخطابَ في الدروس والمحاضرات، والندوات، والتلفزيون، والراديو، والصحف، والمنبر؟ لماذا لا نجعلُ كلمتنا واحدةً، خطاباً راشداً واعياً وسطاً، خطاباً سهلاً ليناً وقوراً؟ قال سبحانه وتعالى: {وّقٍولٍوا لٌلنَّاسٌ حٍسًنْا}، وقال جل اسمه: {وّمّنً أّحًسّنٍ قّوًلاْ مٌَمَّن دّعّا إلّى الله وّعّمٌلّ صّالٌحْا وّقّالّ إنَّنٌي مٌنّ المٍسًلٌمٌينّ}، وقال عليه الصلاة والسلام: «الكلمة الطيبةُ صدقة».
* أمة الإسلام:
لماذا يخترقُنا صوتان ناشزانِ غاويان، صوتٌ يسبُّ الدينَ وأهله، ويحتقرُ المصحفَ والرسالةَ والصالحين: {وّإذّا خّلّوًا إلّى" شّيّاطٌينٌهٌمً قّالٍوا إنَّا مّعّكٍمً إنَّمّا نّحًنٍ مٍسًتّهًزٌئٍونّ الله يّسًتّهًزٌئٍ بٌهٌمً وّيّمٍدٍَهٍمً فٌي طٍغًيّانٌهٌمً يّعًمّهٍونّ}، ويقول سبحانه عن هؤلاء الذين يلمزون المطوِّعين من المؤمنين في الصدقات: {وّالَّذٌينّ لا يّجٌدٍونّ إلاَّ جٍهًدّهٍمً فّيّسًخّرٍونّ مٌنًهٍمً سّخٌرّ اللهٍ مٌنًهٍمً وّلّهٍمً عّذّابِ أّلٌيمِ}.
وصوتٌ في الطرف الآخر، يغلو في الدين، ويلوي أعناقَ النصوص، ويفسِّرُ الشريعةَ على هواه دون علمٍ، ولا فقهٍ، ولا ورعٍ، قال سبحانه: {قٍلً يّا أّهًلّ الكٌتّابٌ لا تّغًلٍوا فٌي دٌينٌكٍمً} وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو».
* أمة الإسلام:
نحن أمة واحدة لا نُقِر ولا نقبل إلا أمةً إسلاميةً واحدةً، ومجتمعاً إسلامياً واحداً، لا أحزابَ، فلا حزبَ اشتراكياً، ولا قومياً، ولا علمانياً، ولا بعثياً، ولا وحدوياً تحررياً، نحن جميعاً ننادي بملء أفواهنا حكاماً ومحكومين: «رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.


فإما حياةٌ نظَّم الوحيُ سيَرها
وإلا فموتٌ لا يسرُّ الأعاديا
رضينا بك اللهم ربّاً وخالقاً
وبالمصطفى المختارِ شهماً وهاديا

الجماعة رحمة، والفرقةُ عذاب، الجماعةُ أمنٌ وإيمان، والفرقة عذابٌ وحرمان.
* أمة الإسلام:
علينا أن نأخذَ على يد السفيه؛ لأنَّ السفيه قد يُغِرقُ السفينة، وقد وصف صلى الله عليه وسلم المجتمعَ المسلم بالسفينة، فَمَثَلُ من يسكتُ عن السفيه؛ كقومٍ أعلى السفينة، وقومٍ في أسفل السفينة، فكان أناسٌ يأخذون الماءَ يريدون خرقَ السفينةِ لأخذِ الماء، فيمرُّون عليهم قال: فإذا سكتوا عنهم غرقِوا وغرقوا جميعاً، وإذا نَهَوهم وأخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم:


وجُرمٌ جرَّه سفهاءُ قومٍ
وحلَّ بغير جانيه العذابُ

فالسفيه في مجتمعنا على قسمين:
- سفيه يحارب ربَّ الدين: فهو منخلعٌ من الديانة، سيئُ المعتقد، خبيثُ النفس، نذلُ الطباع، رذيلُ المنهج، ينالُ القداسةَ، ويغمزُ الرسالةَ، ولا يحترمُ القبلةَ، ولا يعرفُ للدين قيمته وحرمته، همُّه أن يكون طابوراً خامساً، وسوسةً تنخرُ في جسم الأمة، وغدَّةً مليئةً بالسُّمِ، ووباءً قاتلاً في جسم هذا المجتمع الطاهر البريء، فهو مريضُ القلبِ، سيئُ الإرادة، منحرفُ الطباع، فهذا سفيه يؤخذُ على يده.
- ويقابله سفيهٌ يغلو في الدين: ركب مِنْ هواه الاعوجاج، واتخذَ الغلوَّ سفينةً، فألغى آراء العلماء، وأخذ بالرأي المنفردِ الشاذ، وجعل الشدةَ والعنفَ والقسوةَ سبيلاً له، وهانت عليه الدماء، وقَلَب النصوصَ ظهراً لبطن، وفهمَ من الدليل فهماً معوجاً، فقبلَ أن تغرق هذه السفينة علينا أن نتناصح، وأن يقوم الجمهورُ الوسطُ العاقل، من الولاة والعلماءِ، والدعاةِ، والعقلاءِ، والمصلحين، قياماً واحداً، وصفاً واحداً، واجتماعاً موسَّعاً في مدارسةِ أمرهم، ومعرفةِ الخلل في صفوفهم، وإخراج السفيه من الطائفتين، قال عمر بن الخطاب في الطائفتين:
قصم ظهري رجلان: «فاجرٌ متهتك، وجاهلٌ متنسِّك»، فالفاجرُ المتهتكُ لا همَّ له إلا النيل من هذا الدين الذي أكرمنا الله به، واجتمعنا عليه، ونادتْ به دولتنا وأُسِّسَت عليه، فَنَصَرها اللهُ وأعلى قَدْرَها، وشرَّفها بين بلادِ العالم، لا لشيء إلا لأنها مهبطُ الوحي، ولأنها رفعتْ لا إله إلا الله، ولأنها احترمتْ القبلة، ولأنها قدَّمت الدعوةَ الإسلامية، فهذا الفاجرُ المتهتِّكُ لا يريد هذا، يريدُ مبدءاً آخرَ، وشريعةً أخرى، وقيماً أرضيةً، فهو يتخذُ من حماة الدين وحَمَلتِه والمنتسبين إليه خَصْماً وعدوّاً لدوداً، ينالهم، في كتاباتِه، ومجالسه، وتأليفِه، فهذا هو الفاجرُ المتهتكُ الذي قَصَده عمر.
وجاهلٌ متنسِّكٌ: تديَّنَ ولكنه جاهلٌ بالعلم، لم يحقق المسائل، ولم يطلب الدليلَ على يد المشايخ، ولم يَثْنِ رُكَبَه عند العلماء، ولم يَغُص في معرفةِ الحق، ولم يرسخْ في فهم الدليل، بل رَكِبَ الصعبَ و الذَّلولَ في تحقيق أغراضه، فكلما فهم من الدليل شيئاً أصدره، فهو المكفِّرُ، والمبدِّع، والمفسِّق، والمضلِّل، وهو الناجي وحده، والسالمُ من الخطأ، ومَنْ خالفه فهو زنديقٌ، أو كافرٌ، أو مرتدٌّ، أو ضللٌ، أو فاسقٌ، فهذا هو الذي عناه عمر بقوله: «جاهل متنسِّك»، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قال هَلَك الناسُ فهو أهلكهم» رواه مسلم، والمعنى: لإعجابه برأيه وانفرادِه بالشاذِّ من أحكامه، فحذارِ من هذا الفاجرِ المتهتك، الذي يعيبُ الشرعَ، ويهجرُ المسجدَ، ويعطِّلُ المصحفَ، ويصيرُ خنجراً مسموماً في ظهر الأمة، وحذارِ أيضاً من الجاهلِ المتنسِّك، الذي يشذُّ في الرأي، ويلغي الدليلَ، ويخالفُ العلماء.
* أمة الإسلام:
أما كنَّا قبل توحيدنا بهذه الدولة، متفرقين مختلفين لا يأمن المقيمُ ولا المسافرُ، قوافلُ الحجاج تُنهب، بضائعُ التجارِ تُسلب، القبائلُ يقتِّل بعضُهم بعضا، الدنيا فوضى، اللصوصُ عصابات، تحزبٌ وطائفية، نعراتٌ جاهلية، اختصامٌ وقتال، تفرُّقٌ وجدال، فجمعنا الله - جل ذكره - على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -، فأقيمَ سوقُ الشرع، وفُتحت المدارسُ، وأُسست الجامعاتُ، وُبنيت المستشفياتُ، وأمنَ الناسُ على دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فلا نسبةَ، ولا تناسبَ بين الخيرِ الموجودِ المتحقق في مجتمعنا، والشرِّ القليلِ والتقصيرِ الواردِ الذي لا يخلو منه بشر، فلماذا لا نكونُ عادلين في الحكم على الدولِ، والهيئاتِ، والأشخاص؟، قال سبحانه: {وّإذّا حّكّمًتٍم بّيًنّ النَّاسٌ أّن تّحًكٍمٍوا بٌالًعّدًلٌ}.
الّذٌي أّطًعّمّهٍم مٌَن جٍوعُ وّآمّنّهٍم مٌَنً خّوًفُ}، فغفر الله لذاك المؤسس ورحمه، فلم يكن بلشفياً أحمرَ، يكفِّرُ ولا يشكر، ينادي بالبرجوازية، بل كان حنيفاً مسلماً، وقائداً ملهماً. ولم يكن زعيماً يدعو للنازيّةِ، ويبشِّر بالليبرالية، بل كان إماماً عادلاً، وحاكماً فاضلاً، له في التاريخ جولة، ومع الدهر صولة، حتى أقام دولة.
لم يكن عبدالعزيز حزبياً، ولا عنصرياً، ولا أجنبياً، بل وحَّد ربَّ العبادِ برايةِ الوحدانية، ووحَّد البلادَ بالرسالة الإيمانية.


إذا كانَ نِهرو مُنقذاً فهو أهوجُ
وإن كان تِيتُو قائداً فهو مدبرُ
ولينينُ سفاكٌ وهِتلر طائشٌ
وصولاتُ نابليونَ موتٌ مُقَطَّرُ
وهذا حنيفٌ مُسلمٌ ثابتُ الخُطا
صلاةٌ تُؤدَّى أو كتابٌ يُفسَّرُ

وفد مارِكس بمشروع الإلحاد، تحت مُسمَّى الشيوعيةِ والاتحادِ، فقتل الرجالَ، وابتزَّ الأموال، وفعلَ الأهوال، وأطلّ هتلرُ بتفضيلِ الألمان، على بني الإنسان، حتى أحرق من خالفه في الأفران، وانتهى أمرهُ إلى الهوان، وباء بالخُسران، وأشرقَ عبدُ العزيز بمشروع الوحدة، تحت شعار الله وحده: {أّفّمّنً أّسَّسّ بٍنًيّانّهٍ عّلّى" تّقًوّى" مٌنّ اللّهٌ وّرٌضًوّانُ خّيًرِ أّم مَّنً أّسَّسّ بٍنًيّانّهٍ عّلّى" شّفّا جٍرٍفُ هّارُ }، ووُلدت معه مملكةٌ قوية، ودولةٌ فتيّة، دستورُها من السماء، وتعاليمُها من غار حراء، ووثيقتُها شريعةٌ سمحة.
أقول لمن يحسُدُ هذا البلد، وينالُه وتعرضُ له، ويغمزُ من أهله ويحطُّ من قدْره، اتقوا الله واعدلوا، أليس دارَ العروبة ومهبطَ الوحي، ومهدَ الرسالة، وقبلةَ المسلمين، نحن التاجُ، والمنهاجُ، عندنا البدايةُ والنهايةُ، أرض الطهر والقداسة:


ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَه
وألا أرى غيري له الدَّهرَ مالِكا
وحببَ أوطان الرجال إليهموا
معاهد قضّاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهودُ الصِّبا فيها فحنُّوا لذالكا

بلدنا أرضُ التوحيد، والمجدُ التليد، والنهجُ الرشيد. وهي أرضُ الإنسان، والبيانِ، والإيمانِ، والقرآن؛ لأنها دارُ الإنسان السَّوي، والمؤمن الرضي، التابع للمنهج المحمدي؛ ولأنها أرضُ البيانِ الخلاَّب، والأدبِ الجذَّاب، واللغةِ الحيّة، والموهبةِ الأدبية؛ ولأنها بلادُ الإيمان، فمنها أرسل الإيمانُ إلى العالم أنواره، وبعث إلى الدنيا قصصَه وأخبارَه، ولأنها مهبطُ القرآن بها نزل جبريلُ، على المعلّم الجليل، بآيات التنزيل.
ونقولُ لمن حَسَدنا أو شَمَت بنا أو فَرِح بمُصَابنا كما قال الأول:


قل للذي بصروف الدهر عيَّرنا
هل عاند الدهر إلا من له خطرُ
أما ترى البحرَ تعلو فوقه جيفٌ
وتستقرُّ بأقصى قَعْرِه دُرَرُ
وفي السماء نجومٌ لا عدادَ لها
وليس يكسِفُ إلا الشمسُ والقمرُ

عندنا قداسةُ الإنسان، وقداسةُ البيان، وقداسةُ الزمان، وقداسة المكان، فقداسة الإنسان: ماثلةٌ في الرسول العظيم، والنبيِّ الكريم، وقداسةُ البيان: قائمةٌ في القرآن، الذي أعجز الإنسَ والجان، وقداسةُ الزمان: كامنةٌ في عشر ذي الحجة ورمضان، وقداسةُ المكان: في الحرمين الطاهرين والمسجدين الزاهرين، ليس للزمانِ بدوننا طعمٌ، وليس للتاريخ بسوانا رَسْم، وليس للناس إذا أُغفلنا اسم، نحن شهداءٌ على الناس، ونحن مضربُ المثل في الجود والبأس. كأن النورَ وُلِدَ معنا، وكأنّ البشر لفظٌ ونحن معنى، جماجمُنا بالعزّة مدجّجة، وخيولُنا بالعزائم مُسْرَجة، نحن الأمةُ الوسطُ،لا غَلَط في منهجِنا ولا شطط، وسطٌ في المكان: فنحن قلبُ الكرة الأرضيةِ وزعماءُ الأخلاقِ المرضيّة، ووسطٌ في الزمان: فلم نأت في طفولة الإنسانيةِ ولم نتأخر إلى شيخوخةِ البشرّية، ووسطٌ في العقيدة: فنحن أهلُ التوحيد والمذاهب السديدة، فلم نعتنق الرهبانية، ولم ننهجْ نهجَ المزدكية، ولا مذهبَ الزرادشتية، ولا نِحلةَ المانوية، بل أمّتُنا معصومةٌ من الضلالة، مصونةٌ من الجهالة.


عشنا أعزاءَ ملءَ الأرض، ما لمست
جباهُنا تُرْبَها إلا مصلينا
لا ينزلُ النصرَ إلا فوقَ رايتنا
ولاتمسُّ الظُّبا إلا نواصينا
يومٌ من الدهر لم تصنع أشعتَه
شمسُ الضحى بل صنعناه بأيدينا
إنا لقومٌ أبتْ أخلاقُنا شرفاً
أن نبتدي بالأذى مَنْ ليس يؤذينا
بيضٌ صنائعنا، سودٌ وقائعنا
خُضْرٌ مرابعُنا، حمرٌ مواضينا

أليس في بلدنا الركنُ والمقام، والبلدُ الحرام، وعندنا عرفات، ومِنَى، حيث الجمراتُ، وزمزمٌ والحطيم، والمشعرُ العظيم، وفي أرضنا غارُ حراء، مشرقُ الشريعة الغرّاء، ونزل في أرضنا جبريل، على المعلِّم الجليل، وحَمَى اللَّهُ بيتَه من الفيل، بطَيرٍ أبابيل.
مَنْ كتب التاريخَ وأهمل الجزيرةَ، فخطيئتُه كبيرة، وقد أتى بجريرة، كيف يُهملُ الرسولَ والأصول، وأهلَ المنقول والمعقول؟! كيف يأخذ البدنَ بلا روح، ويجرِّدُ البستانَ من الدوح؟! كيف يبني القصرَ على غير أساس، ويقيم الجسمَ بلا رأس؟!
تريد المسجدَ بلا محراب، والمدرسةَ بلا كتاب، نحن الفصولُ والأبواب، ونحن السيفُ والنِّصاب، لسجلّ المكرمات كُتّاب، ولأرقام المجد حسَّاب، وعلى قصر الرسالة حُجَّاب.
نحن قلبُ المعمورة، وأصحابُ المناقبِ المأثورة، العالم يتّجه إلى قِبلتنا كلَّ يومٍ خمس مرات، والدنيا تُنِصتُ لندائنا بالصلوات، والكونُ يستمع لتلاوتنا بالآيات، زارنا بلالُ بن رباحٍ، فصار مؤذنَ دولة الفلاح، وجاءنا سلمانُ من أرض فارس، فلمَّا أسلمَ صار كأنه على قرنِ الشمسِ جالس، وَوَفَد إلينا صهيبٌ من أرض الروم، فأصبح من ساداتِ القوم، من بلادنا تشرقُ شمسُ المعارف، ويقام للعلم متاحف، وتنشر للهدى مصاحف، حتى ماؤنا يفوق كلَّ ماء، فماءُ زمزمٍ شفاء، ومن كلِّ داء دواء، ونحن بيتُ العَربَ العَرْباء، وعندنا سادات الكرماء، ولدينا أساطين النجباء، وأساتذة الحكماء، إنْ ذكرتَ العَلياء فنحن وَقُودها، وإن ذكرت الملةَ فنحن أسودها، وإذا سمعتَ بالرسالة فنحن جنودها.
فغربُنا أرض النبوة المحمديَّة، والسنة الأحمديّة، أرضٌ قدّمت للعالم أشرفَ هدية.
وشرقُنا أرضُ الخيرات، وبلدُ المسرَّات، ودارُ الهباتِ، والأعطيات. ووسطُنا دار المُلْكِ والإمارة، وبيتُ الجدارة، ومحلُّ الوزارة، والسفارة، وشمالنا أرض الجود، والندِّ والعودِ، والأسودِ، وحفظِ العهود، وإكرام الوفود، وجنوبُنا أرضُ الهمم الوثابةِ، والطبيعةِ الخلابة، والأخلاق الجذابة، والفهم والنجابة، والشعر والخطابة.
نحن كتبنا التاريخ للأحياء، ووصَلْنا الأرض بالسماء، أنجبنا العلماءَ، وأنتجنا الحُكماء، وأرسلنا للعالم الزعماءَ، وأهدينا الدنيا الحُلَماء.
وأقول لمرتزقة الأفكار الذين ينالون بكتاباتهم ولاةَ الأمرِ، والعلماء، والدعاةَ، والصالحين، ومؤسسات الدين من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكاتبِ الدعوة والمؤسساتِ الخيرية، والإغاثية، ويحكم اسكتوا، ويلكم اصمتوا، هذه ليست بلادُ ماركس، ولا لينين، ولا استالين، هذه بلادُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومحمد بن عبدالوهاب، ومحمد بن سعود.
ونقول للغلاة أهل الغلظة والجفاء، متتبعي الأخطاء، المستهزئين بالعلماء، الخارجين على الإجماع، عودوا إلى الجادة، راجعوا أنفسكم، حكِّموا الشرعَ في تصرفاتكم، اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
* أمة الإسلام:
إن الدين ليس مصدرَ شقاءٍ لكنه منبعُ سعادة، وليس دعوةَ إرهاب لكنه رسالة رحمة، وليس جانب خوفٍ ولكنه ميثاق أمان، إن الدين يخرج بنجباءَ عقلاء، وليس مسؤولاً عن الحمقى الأغبياء، وينتجُ عباقرةً أبراراً، ولا يصنع أقزاماً أشراراً، الدين يخاطبُ العقل السويَّ، والفطرة الراشدة، والضميرَ الحيَّ، والروحَ المهذبةَ، ولكنه لا يتحمل ُ تبعةَ النفس اللئيمة، والخلقِ الدنيئ، والطباع الدنسة، والأفكار الموبوءة:{إنَّ الله يّأًمٍرٍ بٌالًعّدًلٌ وّالإحًسّانٌ وّإيتّاءٌ ذٌي القٍرًبّى" وّيّنًهّى" عّنٌ الفّحًشّاءٌ وّالًمٍنكّرٌ وّالًبّغًيٌ يّعٌظٍكٍمً لّعّلَّكٍمً تّذّكَّرٍونّ}.
* أمة الإسلام:
إنَّ علينا واجبَ التربية لأبنائنا بحيث نرعاهم الرعاية الحقة؛ لقوله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا قٍوا أّنفٍسّكٍمً وّأّهًلٌيكٍمً نّارْا} وقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته»، فالتربية والتعليمُ أصلان عظيمان في تنشئة الجيل، قال تعالى: {وّلّكٌن كٍونٍوا رّبَّانٌٌيٌَينّ بٌمّا كٍنتٍمً تٍعّلٌَمٍونّ الكٌتّابّ وّبٌمّا كٍنتٍمً تّدًرٍسٍونّ}، وإنما يُخشى على أبنائنا من مسلكين خطيرين: مسلكِ الانحرافِ والفجورِ والإعراضِ عن طاعة الله وتعطيلِ أوامره وارتكاب نواهيه، ومسلكِ الغلوِّ والخروجِ على جماعة المسلمين، ونبذِ إجماعهم، وشقِّ صفِّهم، وتفريق كلمتهم، وإنما أرادنا سبحانه أن نكون إخوةً متحابين صالحين، قال سبحانه: {وّلا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ بّعًدّ إصًلاحٌهّا} وقال سبحانه: {وّلا تّكٍونٍوا كّالَّذٌينّ تّفّرَّقٍوا وّاخًتّلّفٍوا مٌنً بّعًدٌ مّا جّاءّهٍمٍ البّيٌَنّاتٍ وّأٍوًلّئٌكّ لّهٍمً عّذّابِ عّظٌيمِ}.
* أمة الإسلام:
نحن اليوم أكثرُ من أيِّ وقت مضى توحيداً ووحدةً واتحاداً متفقون لا مختلفون، متحابون لا متباغضون، مؤتلفون لا متفرقون، الله ربُّنا، محمدٌ رسولنا، الإسلامُ ديننا، الكعبةُ قبلتنا، الشريعةُ دستورنا، وليُّ أمرنا منَّا، نسدده وندعو له وننصحه ونطيعه، في طاعة الله، ولا نخرج عليه، نجمعُ ولا نفرِّق، نوحدُ ولا نشتت، نبشرُ ولا ننفِّر، نيسِّر ولا نعسِّر، نتوسط ولا نتطرف، نعتدل ولا نغلو، {يّا أّهًلّ الكٌتّابٌ لا تّغًلٍوا فٌي دٌينٌكٍمً وّلا تّقٍولٍوا عّلّى الله إلاَّالحّقَّ} {وّمّا جّعّلّ عّلّيًكٍمً فٌي الدينٌ مٌنً حّرّجُ }.
* أمة الإسلام:
وّإذّا تّوّلَّى" سّعّى" فٌي الأّرًضٌ لٌيٍفًسٌدّ فٌيهّا وّيٍهًلٌكّ الحّرًثّ وّالنَّسًلّ وّاللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ الفّسّادّ}.
* أمة الإسلام:
بدل أن يتألفَ غيرُ المسلمين بحسن الضيافة والدعوة بالتي هي أحسن للدخول في هذا الدين يُبيَتَّون بالقنابل، ويُمَسّون بالرصاص، ويقدَّمُ لهم الموتُ على أطباقِ العنف والجهل، أين نحن من قولِ الله تعالى: {$ّقٍولٍوا لٌلنَّاسٌ حٍسًنْا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسرين»، وقول ربعي بن عامر: «إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعةِ الآخرة، ومن جور الأديانِ إلى عدل الإسلام»وقال جوستاف لوبون: لم يعرفِ العالم فاتحاً أرحمَ ولا أعدلَ من المسلمين.قال الشيخ علي الطنطاوي: سلوا الناس عنَّا، سلوا كلَّ أرضٍ تحت كل سماء، من بنى للعدل مناراً؟ من أسَّس للفضيلة جامعةً؟ من أقام للحق منبراً؟ من أرسى للسلام قواعد؟ إننا نحن المسلمون.
* أمة الإسلام:
تعالوا نشرح صدورنا للحوار، ونقول لمن خالفنا تعال نتجاوز ولا نتقاتل، فديننا دين المحاورة، حتى مع المشرك، قال سبحانه: {وّإنً أّحّدِ مٌَنّ المٍشًرٌكٌينّ اسًتّجّارّكّ فّأّجٌرًهٍ حّتَّى" يّسًمّعّ كّلامّ اللهٌ}، وقال تعالى: {وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}، وإنني من هذا المقام أدعو المسؤول، والعالمَ، والداعية، لفتح باب الحوار، والسماعِ من المخالف برحابة صدر، وسعة بال، حتى نعذر إلى الله، ولا يبقى لمخالفٍ حجة، فنحن أهلُ الدليل والبرهانِ والمنطق السليم، وأقول لمن حملَ السلاح علينا، وعلى مجتمعنا: ويلك من الله، أما سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من حمل علينا السلاحَ فليس منا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميعٌ يريد أن يفرقَ جمعكم، فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان».
* أمة الإسلام:
أخطرُ ما يكون انشقاقُ المجتمع السعودي، وهذا الانشقاق يساهم فيه فئتان.
الفئة الأولى: أهل التفجير والتكفير الذين يعبثون بالأمن.
الفئة الثانية: المستغربون الذين يدينون مؤسسات المجتمع، ومدارسَه، ومناهجَه، ورجالاته، فيجب إيقاف هؤلاء وهؤلاء؛ حفاظاً على وحدة المجتمع وانسجامه، وإنَّ مجتمعنا
لا يصلح إلا بالدعوة الإسلامية الراشدة القائمة على الوسطية التي كان عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم، والحلُّ هو: تدعيم وتقريرُ المناهج الوسطية المعتدلة، والطرحُ الإعلامي الوسط، وإيقافُ جميعِ صور الاستفزاز للجميع سواء من الغلاة المارقين، أو المنحرفين المغرضين، فدينُ الله وسطٌ بين الفئتين، قال شيخ الإسلام ابن يتيمة في الوصية الكبرى: «دينُ الله وسطٌ بين الغالي فيه والجافي عنه، والله ما أمر عباده بأمرٍ إلا اعترض الشيطانُ فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر، إما إفراطٌ أو تفريطٌ، وإذا كان الإسلامُ الذي هو دينُ الله لا يُقبل من أحدٍ سواه قد اعترض الشيطانُ كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من شرائعه بل أخرج طوائف مِنْ أعَبْد هذه الأمةِ وأورعها عنه».
* أمة الإسلام:
هل نحن في حاجة لاستفزاز أممٍ أقوى منا سلاحاً، وعدةً وعتاداً؟ لماذا يتحرشُ بعضنا بقوى عالميةٍ تفتعلُ الذرائعَ والأسباب للاستيلاء على خيرات الشعوب، ومقدرات الأمم؟ هل من العقل والحكمة أن تأتي وأنت ضعيفٌ أعزلُ إلى قويٍّ جبار يحمل بيده رشاشاً، وتطلب منه المنازلة؟ إن الفِرَق المبعثرَة لا تصنع نصراً، ولا تحققُ هدفاً، وإن العصابات بلا قيادة لا تقطفُ ثمرةً، ولا تنال نجاحاً، وإن العملَ في السراديب لا يبني أمةً، ولا يقيم حضارة:


فقل للعيون الرُّمد للشمس أعينٌ
تراها بحقٍّ في مغيب ومطلعِ
وسامح عيوناً أطفأ الله نورَها
بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

* أمة الإسلام:
مما ندين الله به تحريمُ سفك الدماء المحرمة تحت أيِّ تأويلٍ، فنؤكد على كافة المسلمين من أهل هذا البلد، أو من دخله أنه يحرم نشرُ الفتنة، وسفكُ الدم بالتأويل، وليُعْلم أن من الجناية على المسلمين جرَّهم إلى مواجهاتٍ ليسوا مؤهلين لتحمُّلها وتوسيعَ رقعةِ الحرب بحيث تصبع بلادُ المسلمين الآمنةُ ميداناً لها، ولذا فلابد من تدبر عواقبِ الأمورِ ونتائجِ الأعمال وآثارها، والموازنة بين المصالح والمفاسد، كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية - رحمه الله - «ليس العاقلُ الذي يَعْلَمُ الخيرَ من الشر، وإنما العاقلُ الذي يعلم خيرَ الخيرين وشرَّ الشرين، ويعلمُ أن الشريعةَ مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيلِ المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك، فقد يدعُ واجباتٍ ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع» (مجموع الفتاوى 20/54،10/514».
وذكر العزُّ بنُ عبدالسلام في قواعد الأحكام «8»: «إن مصالحَ الدنيا ومفاسدها تُعرف بالضرورة والتجربة والعادة والظن المعتبر، وإن من أراد أن يعرف المصلحة والمفسدة فليعرض ذلك على عقله ثم يبني عليه الحكم، ولا يخرج عن ذلك إلا ما كان من باب التعبد المحض».
وليعلم أن تحقيق الأمن أخصُّ مقاصد المرسلين، وفي قوله الله عن الخليل: {وّإذً قّالّ إبًرّاهٌيمٍ رّبٌَ اجًعّلً هّذّا البلّدّ آمٌنْا وّاجًنٍبًنٌي وّبّنٌيَّ أّن نَّعًبٍدّ الأّصًنّامّ}، دليلٌ ظاهرٌ على أن المجتمع المستقرَّ الآمن هو الميدانُ الفاضلُ لانتشار دعوةِ التوحيد ورسوخها.
* أمة الإسلام:
واللهِ لقد كنا قبل هذا الاجتماعٍ على دولةِ التوحيد في نزاعٍ وانقطاع، وقتالٍ وجدال، وشقاقٍ وعدم اتفاق، وسلبٍ ونهب، وسفكٍ وفتك، ودمارٍ، وشنارٍ، ثم اجتمعنا، على ائتلافٍ فريد، على وحدةٍ وتوحيد، منائرُ ومنابر، جوامعُ وجامعات، محافلُ ومؤسسات، معاملُ وجمعيات، أخُّوة ووفاق، محبةٌ وعناق:


فالذئب والشاة في الدنيا قد اصطلحا
لا الذئب.. يعدو ولا شاة الحمى تجفُ
كأنما نحن في عيد تعانقنا
أرواحُنا أو كأن الخلد يزدلفُ

* أمة الإسلام:
هذه عشرة توصيات لمواجهة هذه الأزمة:
1- قيامُ العلماء والدعاة بدورهم في توعية الشباب ورعايتهم.
2- تحمُّلُ وسائل الإعلام مسؤوليتها في الخطاب الراشد الواعي.
3- رعايةُ الآباء لأبنائهم بالتربية، وكذلك الأساتذة.
4- فتحُ باب الحوار على مصاريعه من قبل المسؤول والعالم.
5- ترك استفزاز الناس في دينهم، وحمايةُ المؤسسات الدينية.
6- تقويةُ المنهج الوسط، وإفساحُ المجال له، ودعمه، وتأييده.
7- تأليفُ الرسائل والنشراتِ، والأشرطةِ التي تحذر من الإفراط والتفريط.
8- أخذُ العبرة مما وقع في بعض البلدان التي عصف بها الغلوّ والانحراف.
9- إدراكُ مسؤوليةِ المحافظة على لحمة الوطن، وحفظِ أمنه.
10- تصورُ الحال لو انفلتَ حبلُ الأمن، وأصبح الأمرُ فوضى.
* أمة الإسلام:
إني داعٍ فأمنوا:
يا رب فرِّج همنا، أمِّن خائفنا، أصلحْ حالنا، اشرحْ بالنا، قوِّ حبالنا، اهدِ ضالنا، اجمع كلمتَنا، وحِّد فُرْقَتَنا، وفق أمتَنا، أصلحْ ولاتنا، أيِّدْ علماءنا، احفظْ أبناءنا، ارفعْ أعلامَنا، ثبِّتْ أقدامَنا، سدِّد سهامَنا، أرشِدْ جاهلَنا، أشفِ مبتلانا، ارحمْ أمواتنا، قوِّ عزائمنا، لُمَّ شَعَثنا، اجمع شملَنا، احمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطنْ، جنبنا المحنَ، آمنَّا في الوطن، شافنا في البدن.اللهم اغفر الخطيئةَ، واجبر الكسرَ، وأقلِ العثرةَ، واعف عن الزلة، وتجاوز عن الخطأ، واحلم على المذنب، وارحم الميت، وأصلح الحيَّ، اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، نسألك عيشَ السعداء، ومرافقةَ الأنبياء، ومصاحبةَ الأولياء.اللهم احفظِ الدارَ، ونجِّنا من النار، وجنبنا الدمار، يا عزيزُ يا غفار، يمِّن كتابنا، يسَّر حسابنا، أجزلْ ثوابنا، سدِّدْ جوابنا، ارحمْ الدموعَ، اقبلِ الركوع، تقبل الخشوعَ. ارحم الرُّكَّعْ، احفظْ الرُّضَّعْ، اعطِ الرُّتَّعْ، وفِّق المقيمَ والمودِّعْ، لا نخاف وأنت ربُّنا، لا نحزنُ وأنت وليُّنا، لا نهزمُ وأنت ناصرُنا، لا نذلُّ وأنت معنا، لا نبأس وأنت ملجؤنا، لا نقلقُ وأنت ملاذنا، لا نهتمُّ وأنت عضدُنا، لا ن فتقر وأنت رازقنا، لا نخيبُ و أنت مقصدُنا، لا نعثرُ وأنت عزُّنا، لا نُهضمُ وأنت معنا، عليك توكلنا، إليك أنبنا، منك سألنا، بكَ استعنَّا، لديك أنخنا، عندك وفَقْنا، لك أسلمنا، بك آمنَّا، فيك خاصمنا، إليك حاكمنا، فافغر لنا ما قدَّمنا وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، عندك القوةُ إذا ضعفنا، عندك العزُّ إذا ذللنا، عندك الغنى إذا افتقرْنا، عندك النصرُ إذا هُزمنا، عندك الفرج إذا ضقنا عندك الشفاء إذا مرضنا، عندك الهدى إذا ضللنا، عندك السرورُ إذا حزنا، لك العظمةُ والكبرياء، لك المجدُ والعلياء، عزَّ جاهُك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه وآله وصحبه ومن والاه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved