Friday 23rd may,2003 11194العدد الجمعة 22 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ليسلم لنا أمننا ليسلم لنا أمننا
عبيد بن عساف الطوياوي ( * )

الأمن مطلب مهم من مطالب الانسان في الحياة، يحتاجه أكثر من حاجته لطعامه وشرابه ولباسه ومسكنه، فعندما يُفقد الأمنُ، ويعيش الناس في خوف، فلن يهنأوا بطعام ولا بشراب ولا بمنام، ولذلك لما دعا الخليل إبراهيم عليه السلام ربه، ماذا قال؟ قال:{رّبٌَ اجًعّلً هّذّا بّلّدْا آمٌنْا وّارًزٍقً أّهًلّهٍ مٌنّ الثّمّرّاتٌ..} فدعا بتوفير الأمن قبل توفير الرزق.
فالأمن نعمة من أعظم النعم، ولا تعدلها نعمة من نعم الدنيا، ومما يدل على ذلك، أن الله جل جلاله، لما ذكَّرَ قريشاً بنعمه، ذَكَرَ نعمة الأمن فقال:{پَّذٌي أّطًعّمّهٍم مٌَن جٍوعُ $ّآمّنّهٍم مٌَنً خّوًفُ} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» رواه الترمذي وابن ماجة. وقد تميزت بلادنا بهذه النعمة، إذ لا يوجد على وجه الأرض اليوم بلاد تنعم بنعمة الأمن كهذه البلاد، ولكننا أخيراً، صرنا نجد من يحاول العبث في أمننا، وإخافتنا في أرضنا، وما التفجيرات الأخيرة، والتي قبلها، والتي قبلها، والتي قبلها، إلا وسيلة من وسائل ذلك.
نحن في هذه البلاد، كنا لا نعرف مثل هذه التفجيرات، فقط كنا نسمع بها عبر وسائل الإعلام، في بعض الدول، فما لبثنا إلا وعشناها واقعاً بيننا، بسبب تلك الأفكار الوافدة، والمناهج المنحرفة، والجماعات المتحزبة، والفتاوى المحمسة، التي تجعل الانتحار شهادة، والتفجيرات بطولة.
نعم، إننا منذ عرفنا تلك الجماعات، وانتسب بعضنا لها، وصار منا من يدعو الى مناهجها، ويمجد رموزها، ويروج أفكارها، والنقص في أوضاعنا، والتغير في أحوالنا. ولنتأمل: متى صرنا أحزاباً وجماعات؟ هذا يُخطئ هذا، متى؟. متى صار الدعاة الى الله تعالى أعداء متناحرين متباغضين، يكره بعضهم بعضا؟ متى صار الداعي الى الله تعالى ينظم درساً، ويقيم محاضرة، ويلقي خطبة، ليفرق المسلمين، ويشتت شملهم، ويحرضهم على بعضهم، ويكره اليهم ولاة أمرهم؟
متى صار العالم يضرب عند محراب مسجده، والقاضي تطلق عليه النار وهو في طريقه الى خطبته؟ متى انتشر التكفير، وظهر التفجير، وكثر التشهير؟
أليس بعد دخول أفكار الجماعات ومناهجها الى بلادنا، وانتشارها فيما بيننا!
أليس بعدما نجح دعاة الضلال في بث مناهج تلك الجماعات في مجتمعنا! أليس بعدما أعرضنا عن فتاوى علمائنا المعتبرين وصرنا نعمل بفتاوى بعض الوعاظ والمثقفين في القنوات الفضائية المغرضة، وبعض المواقع المشبوهة، التي يقيء بها بعضهم ما في جوفه من سموم؟
وّإذّا تّوّلَّى" سّعّى" فٌي الأّرًضٌ لٌيٍفًسٌدّ فٌيهّا وّيٍهًلٌكّ الحّرًثّ وّالنَّسًلّ وّاللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ الفّسّادّ} .
إن ما حدث ليس له مسوغ شرعي أبداً، إنما جاء الدين بخلافه، وبالتشنيع بمن فعله أو رضي به، يقول تعالى:{وّمّن يّقًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا وّغّضٌبّ اللّهٍ عّلّيًهٌ وّلّعّنّهٍ وّأّعّدَّ لّهٍ عّذّابْا عّظٌيمْا} ومن يقتل مؤمناً، سواء طعنه أو فجره أو رماه أو دهسه {فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ}.
إن نفس المسلم عند الله عزيزة، لا يجوز إزهاقها دون مبرر شرعي، يقول جل جلاله: {مٌنً أّجًلٌ ذّلٌكّ كّتّبًنّا عّلّى" بّنٌي إسًرّائٌيلّ أّنَّهٍ مّن قّتّلّ نّفًسْا بٌغّيًرٌ نّفًسُ أّوً فّسّادُ فٌي الأّّرًضٌ فّكّأّنَّمّا قّتّلّ النَّاسّ جّمٌيعْا وّمّنً أّحًيّاهّا فّكّأّنَّمّا أّحًيّا النَّاسّ جّمٌيعْا...} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم».
دم المسلم عند الله له مكانة وله قدر، لا يحل أن يراق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة» رواه البخاري. فقتل المسلم لأخيه المسلم لا يجوز أبداً، بل لا يجوز للمسلم حتى أن يقتل نفسه، حرام على المسلم أن يفجر نفسه، فالانتحار ليس من الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً».
وكما أن الدين جاء بتحريم قتل المسلمين، فقد جاء بحفظ دماء المعاهدين، وحرم قتلهم، وتوعد من فعل ذلك بعدم دخول الجنة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً».
فقتل المعاهد جريمة وذنب عظيم، إذا كان قتل المعاهد عن طريق الخطأ أمر أوجب فيه الدية والكفارة فكيف بقتله عمداً والعياذ بالله. يقول الله تعالى: {وّإن كّانّ مٌن قّوًمُ بّيًنّكٍمً وّبّيًنّهٍم مٌَيثّاقِ فّدٌيّةِ مٍَسّلَّمّةِ إلّى" أّهًلٌهٌ وّتّحًرٌيرٍ رّقّبّةُ مٍَؤًمٌنّةُ} .
يقول علماؤنا: من أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له ومن قتله فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم يرح رائحة الجنة»، وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم».
ولما أجارت أم هاني رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله، ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرت يا أم هاني».
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله. انتهى.
فلن يسلم لنا أمننا، ولن تتآلف قلوبنا، ولن نكن يداً واحدة إلا إذا اعتصمنا بحبل ربنا، وكنا على ما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وسرنا على ما سار عليه سلفنا الصالح.

( * ) حائل ص.ب 3998

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved