هي رسالة.. ولكن ليست كأي رسالة. إنها رسالة تحمل في طياتها مبدأ عظيماً.. تحمل سياسة دولة.. تحمل فكر قائد.. رسالة تبيِّن علاقة هذه القيادة مع المسلمين في أنحاء المعمورة.. رسالة تقول إننا أمة واحدة لا مذهبية بيننا ولا طائفية.. أمة متبعة لا مبتدعة.
هذه الرسالة التي وجهها مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبد العزيز الى الأمة عام 1347هـ قال رحمه الله فيها: يسموننا «بالوهابيين» ويسمون مذهبنا «الوهابي» باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح.
ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محنٍ وأوصاب.
أما «التجديد» الذي يحاول البعض اغراء الناس به، بدعوى أنه ينجينا من آلامنا، فهو لا يوصل الى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية.
إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وماهم، ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة..
إننا لا نبغي «التجديد» الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله عز وجل، ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجدد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام، فخذلهم الله جل شأنه، ووصلوا الى ما هم عليه من ذل وهوان، ولو كانوا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله لما أصابهم ما أصابهم من محن وآثام، ولما أضاعوا عزهم وفخارهم.
لقد كنت لا شيء، وأصبحت اليوم وقد سيطرت على بلاد شاسعة يحدها شمالا العراق وبراً الشام، وجنوباً اليمن، وغرباً البحر الاحمر، وشرقاً الخليج، ولقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الايمان، وقوة التوحيد ومن «التجدد» غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصراً عزيزاً.
لقد خرجت وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ومن القوة البشرية، وقد تألب الاعداء عليّ ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائي، وفتحت كل هذه البلاد.
إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله وسنة رسوله، ومن خطأ الرأي الذهاب الى ان الاجانب هم سبب هذه التفرقة وهذه المصائب. ان سبب بلايانا من أنفسنا لا من الاجانب، يأتي اجنبي الى بلد ما، فيه مئات الالوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل بمفرده، فهل يعقل أن فرداً في مقدروه ان يؤثر على ملايين من الناس، اذا لم يكن له من هذه الملايين اعوان يساعدونه ويمدونه بآرائهم واعمالهم،؟ كلا ثم كلا، فهؤلاء الاعوان هم سبب بليتّنا ومصيبتنا. اجل ان هؤلاء الاعوان هم اعداء الله واعداء أنفسهم.
إذن فاللوم واقع على المسلمين وحدهم، لا على الاجانب، ان البناء المتين لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه، اذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون، لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور احد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم.
في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام، وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا، ولكن لن يتم لهم ذلك إن شاء الله وفينا عرق ينبض.
أجل، إن المسلمين هم مصدر البلاء الذي أصابهم، وأكثر ذلك يتأتى عن طريق أولئك الذين ينظرون إلى مصالحهم الخاصة، ومنافعهم الذاتية، فيدوسون في سبيلها كل شيء يعترضهم في الطريق، إن هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة، وينامون على الوثير من الفراش، لا يفكرون إلا في أنفسهم، ولم يحسبوا لله حساباً.
إن المسلمين بخير إذا اتفقوا، وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه، وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني حينذاك اتقدم إليهم، فأسير وإياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها.
والله إنني لأ أحب الملك وأبّهته، ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد، ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك، وليتفقوا، فإنني أسير وقتئذٍ معهم، لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير، بل بصفة خادم، أسير معهم أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد وهو خير الشاهدين(1).
.. واليوم ونحن نعيش في عام 1424هـ ويفصلنا عن تاريخ رسالة الملك عبدالعزيز ما يقارب سبعاً وسبعين سنة نجد أنفسنا احوج ما نكون ان يفهم الآخرون من نحن.. بل أن يفهم أبناؤنا من هم..!!
واقع لا شك مضطرب في هذا العالم الذي مع تقدمه التقني إلا انه بات يجهل ماذا يعني الالتزام بالدين.. ماذا يعني ان أكون مسلما.. ماذا يعني ان اكون موالياً أو معادياً.. ماذا يعني الولاء والبراء.. ماذا يعني ان يكون في رقبتي بيعة.. ماذا يعني أن أموت مفارقاً للجماعة.. ماذا تعني حرمة الدم.. ماذا يعني تكفير المسلم.. ماذا.. وماذا.. وماذا عساني ان أقول..
واقع مؤلم لأبناء هذه الأمة التي أُتيت من قبل أبنائها للظلم.. يوم ان تعض يداً مُدَّت لاطعامك وتُدمي فؤاداً علّمك وتفقأ عيناً باتت لك حارسة.
يوم أن فكر الملك عبدالعزيز في استرداد ملك الآباء والأجداد لم ينظر في قوته المادية وإنما نظر في قوته الايمانية.. نظر في هدفه من قيام هذه الدولة، فعلم علم المتيقن ان النصر آتيه لا محالة، حدثه قلبه الذي كان مفعما بالإيمان ان الله ناصره.. لماذا هذه الثقة وهو في نفر قليل لا يمكن ان يكون قوة تحقق نصراً..؟
إن الإجابة لا تحتاج إلى مزيد من جهد.. فقد كان هدفه رفع راية لا يمكن ان تُخذل ولذا أقدم بكل جرأة وثقة وتحقق له ما أراد فحقق حلم أمة.. أمة كانت تتطلع إلى الأمن وإلى الوحدة الإسلامية الحقه فناصرته وفتحت له قلوبها قبل بيوتها فعاش وعاشت كرجل واحد يتقاسمون القليل ويتعاضدون لنصرة هذا الدين. يحدثنا الآباء والأجداد عن وقائع تكاد تكون من الأساطير لولا أنها قيلت لنا مشافة لا مراء فيها ولا سمعة.. تاريخ يسجل لشعب وقيادة هي ملء القلب والبصر. هذا هو وطني.. وهذه هي قيادتي.. وهذا هو شعبي ومن خالف فليس منا ولسنا منه، فنحن أمة في رجل فكما كان الآباء مع المؤسس، فكذا الأبناء مع الأجداد يداً واحدة وقلباً واحداً.
فاكس: 4080796
(1) رسائل أئمة دعوة التوحيد د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز.
|