تعد العناية المركزة في جميع المستشفيات رافدا أساسيا لقسم التخدير وأقسام المستشفى عامة، حيث تستقبل الحالات الحرجة التي تتطلب عناية خاصة ومراقبة لحظية دقيقة، وهي في الحقيقة مقسمة في المراكز الطبية الكبيرة إلى اختصاصات مختلفة تهتم كل منها بفرع من فروع الطب الذي يتطلب هذا النوع من العناية الدقيقة، فمثلا لدينا العناية المركزة الجراحية، والعناية المركزة القلبية، والعناية المركزة العصبية، ووحدات القصور التنفسي، وهي تحتوي على أجهزة خاصة تتناسب مع نوعية الخدمة التي يتلقاها المريض فيها .
ويشرف على هذه الوحدات أطباء التخدير والعناية المركزة، حيث يصعب علينا أن نتصور طبيباً في التخدير والإنعاش دون أن يكون ملماً بشكل كاف بمهارات العناية المركزة وأسرارها، فالتخدير يبدأ بسلسلة من الإجراءات والفحوصات ومجموعة مختلفة من الأدوية التي تؤمن للمريض النوم وتسكين الألم وتهدئة الجملة العصبية المركزية والإرخاء العضلي، الأمر الذي يوفر للجراح ساحة مريحة يمكنه من إجراء الجراحة بيسر وسهولة .وعلاوة على ذلك فإن مراقبة العلامات الحيوية للمريض من نبض وضغط دموي وتنفس وحرارة وأكسجة كافية ومحافظة على وظائف الأعضاء الحيوية كالدماغ والكلية والكبد بحالة أقرب ما تكون إلى الحالة الطبيعية .
وتأتي مرحلة الصحو حيث إن هناك الكثير من الإجراءات والاعتبارات التي تنقلنا إلى مريض كامل الوعي، هادىء الجوانح، ساكن القلب، لا يشعر بأي ألم .. غير معرض لبعض العوارض التي تحدث عادة بعد التخدير كالإقياء والغثيان والتي تتم معالجتها بالأدوية اللازمة .
هذا بشكل عام ما يحدث بعد تخدير المريض الصحيح الجسم والذي احتاج إلى عملية جراحية بسيطة كاستئصال اللوزات أو الزائدة الدودية أو الفتق الإربي بأسفل البطن أو حتى استئصال المرارة عن طريق المنظار وهذا على سبيل المثال لا الحصر .ولكن هناك بعض المرضى الذين يعانون أمراضاً لا علاقة لها مباشرة بالعملية الجراحية المزمع إجراؤها، كارتفاع التوتر الشرياني واضطرابات نظم القلب ونقص التروية القلبية والداء السكري والربو القصبي فضلا عن احتشاء العضلة القلبية وقصور الوظيفة القلبية أو الكلوية أو الكبدية .
هذه الأمراض كل حسب شدته ودرجة تأثيره في الجسم بحاجة في بعض الحالات لا كلها إلى اهتمام أكثر وعناية لحظية، وذلك بمراقبة هذه الأعضاء المصابة ودعمها بأدوية خاصة ونظام متكامل من المراقبة المستمرة للمريض حتى يتماثل للشفاء، فقد يحتاج بعض المرضى إلى يوم أو يومين في العناية المركزة تحت هذه الظروف الأكثر سلامة.
وتعدّ العناية المركزة مرحلة مهمة في استقبال وعلاج المرضى المعرضين للحوادث والرضوض الشديدة التي تؤثر في استقرار أجهزة الجسم وحيويتها وخاصة الجهاز العصبي والتنفسي .
يضاف إلى ذلك القصور الحاد والمزمن في الجهاز التنفسي، والذي يحتاج إلى الدعم الطبي المراقب بشكل دقيق يصل في بعض المرات إلى استعمال جهاز التنفس الاصطناعي الداعم لأكسجة أنسجة الجسم والقيام بعمل الرئتين في حالة قصور وظيفتهما، وهذا الجهاز غالبا ما يستعمل لمدة مؤقتة ريثما يستعيد العضو المصاب عافيته سواء كان سبب القصور التنفسي رئويا أم دماغيا أم استقلابيا.
( * ) أخصائي التخدير والعناية المركزة
|