طلبت من بعض الدَّارسات ممَّن لم أجد لديهن القدرة على التركيز فالاستيعاب، فالفهم، إشارة إلى عدم قدرتهن على القراءة الجيِّدة، أن يقرأن فصلاً محدَّداً في كتاب، ثمَّ يقمن بتلخيصه مع الإشارة إلى الأهداف الرئيسة منه، رغبة في مساعدتهن كي يتدرَّبن على القراءة الجيِّدة. وبعد أن ذهبن تبادر إلى ذهني سؤال: ومن ذا الذي يمكنه أن يقرأ مجريات واقع الإنسان في الأنحاء المتناثرة في العالم قراءة جيِّدة؟ ثمَّ من هو هذا القارىء الجيِّد الذي سيتمكن عند تركيزه من الوصول إلى استيعاب تام لمجريات ما يحدث ويصل إلى فهم دقيق له؟... إنَّه بمثل ما لم تتعوَّد أولئك الدَّارسات منذ نعومة التنشئة، على التركيز في التفكير، والتركيز عند القراءة، وبالتالي فإنَّهن لا يستوعبن ما يقرأن، ولا يفهمن ما يتضمَّنه النَّص الذي يقرأنه، فإنَّ النَّاس لم تتعوَّد ولم تتدرَّب على قراءة ما يحدث، قراءة استيعاب يُفضي بهم إلى فهم الحقائق، فهماً يمكنِّهم من اتخاذ موقف يكون في صالحهم، لذلك فبمثل ما تتخبَّط الدَّارسات، ويحرْن ولا يصلن إلى محصِّلة ناجحة، ولا يحصدن نتائج جيِّدة، نتيجة عجز قدراتهن على القراءة الجيِّدة بشروطها الأساس، فإنَّ النَّاس، لا تستطيع كذلك، وتقع ممَّا يحدث في الحياة من حولهم فيما وقعت فيه الدَّارسات...، وبمثل ما هي الجامعة لأولئك فإنَّ جامعة الحياة لهؤلاء كذلك...
الفارق بين الدَّارسات وبين النَّاس، هو أنَّهن يجدْن من يأخذ بملَكاتهن، ويدرِّب مهاراتهن، ويصقل قدراتهن، ويأخذ بهنَّ إلى تصويب الخلل في تنشئة هذه الملَكات، والمهارات، والقدرات، فتصبح لهنَّ الجامعة بوتقة يتخرَّجن فيها قادرات على حصد نتائج ناجحة، في تحقيق أهداف تنمية مستوى القرار لديهنَّ، في كيف يكُنَّ عناصر فاعلة، فاهمة، واعية، مدركة، في حدود ما يقمْن به في حياتهنَّ، من أدوار، أو يُزججنَّ فيه من مسؤوليات...، أمَّا عامة النَّاس، فإنَّ جامعة الحياة على مدى رقع الأرض المنبسطة، لا من يوجد فيها من يقوِّم أو يصقل، أو يأخذ بهم نحو شيء من هذا، ذلك لأنَّ محكِّ تصويب مسارهم، هي التجارب ذاتها، لا الأفرد الذين يمارسون صناعة مضامين الأحداث المتراكضة على ساحة الأرض...
فمنْ يطلب من الآخر، أن يجلس في لحظات تأمُّل يقرأ دفاتر الأحداث، والأنباء، في حياة النَّاس اليومية، ويركِّز في قراءتها، ومن ثمَّ يستوعب ما يقرأ، كي يفهم ما يجري؟ ثمَّ كيف يمكن فهم أحداث متلاحقة، متشابهة، وليكن المثل هو وجود تفجُّرات دموية قاتلة، وحارقة، في أكثر من موقع في العالم العربي، على سبيل المثال: في السعودية، فتركيا، فالمغرب، ف... ف... وفي زمن متقارب جداً...؟
ثمَّ كيف يمكن استيعاب هذا التَّبدُّل العاجل، والسريع، في مصطلح: «الفدائيين الفلسطينيين» ليصبح مصطلح: «الانتحاريين»؟ وكيف تبدَّلت خارطة الأرض على نحو ما يجري؟ وجرت هذه المصطلحات بسرعة فائقة؟... وداهم الإرهاب الأعشاش الآمنة، على أيدٍ لا تزال قراءة مصادرها ضمن محتويات ما تعجز قدرات النَّاس على قراءته، بل على التركيز فيه، ومن ثمَّ يعصى عليهم استيعابه، ولا يتحقق لهم فهمه؟...
وبينما طالباتي يتحلَّقن حول النَّص المحدَّد في كتاب...
فإنَّه لا يزال النَّاس مشتَّتين، فالنصوص أمامهم، لما يجمعها بَعْدُ كتاب!!!.
|