ونصل إلى - تقاليد الفروسية عند العرب -، وهذه المقدمة، كما يقول الدكتور شكري، تنطلق من التقدير لواصف غالي مؤلف الكتاب، على نمط ما فعل الدكتور طه مع الاستاذ مصطفى عبد الرازق، فمرد المقدمين إذاً إعجاب كاتبهما بالرجلين.. واعجاب طه لشخصية واصف غالي كما يقول الدكتور شكري: تناول جوانبها السياسية والوطنية والثقافية، وتناول بوجه خاص حبها للادب العربي وحرصها على اظهار الغربيين، على ان الحضارة العربية، «راقية كأرقى ما تكون الحضارة، نقية مبرأة من كل الشوائب التي شابتها في نفوس الغربيين نتيجة للجهل بها او لتعمد الغض منها».. ما هذا التناقض، إذا قارنا ما قاله العميد هنا، وما قاله آنفاً عن اتهام البيان العربي، وان نشأته كانت يونانية.!.. ويقول طه حسين عن صاحبه واصف غالي في ص 33: «وما اعرف مصريا أو عربيا أبلى قبله مثل بلائه او قريبا من بلائه في اظهار الحضارة العربية للغرب كما اظهرها راقية نقية»!.
* ونجد وفاء واصف غالي للثقافة العربية وبيانها المشرق.. ففي - جنة الزهر -، وهو كتاب ضمنه «نماذج من الشعر الرائق الشائق، ليبين للفرنسيين الذين كانوا يعتزون بأدبهم، ان للعرب أدباً يستطيع ان يثبت للآداب العالمية الكبرى، وانهم لم يكونوا، كما كان يزعم لهم بعض المستشرقين، امة ينقصها سمو الخيال، وتنقصها رقة الشعور وصفاء الذوق، وانما كانوا مثلهم أمة ذكية القلب، نافذة البصيرة، واسعة الأفق».
* ومن كتب واصف غالي، كتاب «اللؤلؤ المنثور»، ويذكر الاستاذ العميد وهو يقرض كتاب صاحبه هذا فيعلن عن المؤلف: ليظهر للذين يرون ان العرب امة غليظة الطبع، مجدبة القريحة، ليس لها مثل ما لهم من القصص والاساطير - ان الامة العربية كانت وما زالت على غير ما يظنون، صافية الطبع، خصبة القريحة، تحسن الابتكار، وتصور مكارم الاخلاق، والزهد في الحياة، والطموح الى الارتفاع عن صغائرها، والتنزه عن نقائصها، واعطاهم من ذلك نماذج لا تقبل شكا ولا جدلا».
* ويعجب المرء من وفاء الاستاذ واصف غالي لامتنا، وغيرته عليها، واعطائها حقها، ومنافحته في الدفاع عنها.. فنجده في كتابه: «الفروسية عند العرب»: يبيّن فيه للفرنسيين الذين يعتزون بحبهم القديم للمثل العليا وتاريخهم المأثور في الفروسية.. ان الامة العربية قد عرفت الفروسية قبل ان يعرفوها، وأدّت اليها اكثر مما ادّوا من الحق، وكان فيهم المصلحون في سبيل الحق والخير والجمال، وكان فيهم الذين يحسنون انصاف المظلوم من الظالم، والضعيف من القوي، وكان فيهم الذين يؤوون الغريب ويغيثون الملهوف .. وكان فيهم الذين يستحون من أنفسهم قبل ان يستحوا من غيرهم، وكان فيهم الذين يأنفون ان يُعابوا بنقيصة أو يؤخذوا بوهن في الخلق او اعوجاج في السيرة الفردية والاجتماعية.
* ونعرف من سيرة الاستاذ واصف غالي، انه يتقن الفرنسية، وانه بارع في أدبها وفي علمه العميق الواسع في الادب العربي، ثم عن سيرته الوطنية، حين شارك الزعيم سعد زغلول في الجهاد الوطني، وحكم عليه بالموت. وكان في سيرته الاخلاقية، كما يقول طه حسين: «أزهد الناس في الشهرة، واشدهم انصرافا عن بعد الصوت، ولم يكن يكره شيئا كما كان يكره الحديث عنه او الثناء عليه، وانما كان متواضعا اشد التواضع، يود لو يجهل المواطنون عن جهاده كل شيء، وضرب لذلك مثلا اعتذاره عن تقبل عضوية مجمع اللغة العربية في القاهرة بعد اختياره وانتخابه».
|