بعث اليَّ شاب سعودي برسالة طريفة شرح فيها تجربة عبَّر عنها بأنها مؤلمة مع الخطوط السعودية حينما تأخرت الرحلة التي كان مسافراً عليها مع زوجته الى الطائف من مطار الرياض، ونظراً لما رأيت في رسالته من طرافة، ومن اشارات ربما يكون من المهم أن تطّلع عليها ادارة الخطوط السعودية في مطار الرياض فإني سأعرض هنا بعض النقاط التي أشار اليها.
يقول: لعلي أخرج زاويتك من القضايا الثقافية والفكرية والاجتماعية الكبرى الى بعض القضايا الصغيرة التي تجري في حياة عامة الناس، وتتعلَّق بظروف حياتهم اليومية، وما دام عنوان هذه الزاوية «دفق قلم» فما المانع أن يعرج هذا القلم على ما يهم عامة الناس أحياناً.
ثم بدأ يسرد عناصر موضوعه عن الخطوط قائلاً: أرى أن يكون تركيزنا على موضوع خدمة المسافر، وليس خدمة المسافرين، لأمرين، الأول: التعميم يولِّد - غالباً - الاهمال وعدم المتابعة من قبل بعض الجهات التي لا تهتم كثيراً بشكوى المواطن المسكين، فلو قلنا خدمة المسافرين في الخطوط سيئة - مثلاً - لكان الرد بأنه لا توجد خدمة سيئة، بل هنالك خدمات متميزة وشهادات دولية، وربما يحظى هذا النفي بتأييد بعض المسافرين الذين لم يواجهوا مشكلات مع الخطوط، أو أنهم ممن يحصل على خدمات خاصة متميزة.
أما إذا قلنا: خدمة المسافر في الخطوط سيئة، وذكرنا الموقف والسبب فإننا بذلك نحدِّد المشكلة، ونجد مئات المسافرين الذين تعرَّضوا بصورة فردية لمواقف سلبية من الخطوط يؤيدون هذا النقد، ويضعون أيدينا على الحقيقة.
الثاني: أنه من غير المعقول أن تقع الخدمة السيئة على كل المسافرين فلابد من باب الأمانة والموضوعية أن نحدّد الموضوع تحديداً صحيحاً.
ثم قال الشاب السعودي في رسالته: اسمح لي ان أعرض هنا موجزاً لما لاقيتُه في رحلتي من الرياض الى الطائف في عدد من النقاط:
- تأخرت الطائرة عن موعدها المحدَّد للإقلاع لمدة ساعة كاملة غير منقوصة.
- لم يتم الاعتذار - ولو بمكبر الصوت - عن هذا التأخير الطارئ.
- لم يتم مساعدة بعض المرضى الموجودين في صالة الانتظار المخصصة لهذه الرحلة المتأخرة.
- لم تتم ضيافة المسافر على هذه الرحلة حتى بكأسٍ من «الماء الساخن» أو حتى «الماء المملَّح».
- لم يكن هناك في تلك الساعة موظفٌ يعيرك سمعاً للإجابة عن استفسار السائلين، وليس معنى كلامي هذا أنه لم يكن هنالك موظفون موجودون، فقد كان هنالك بعض الموظفين ولكن لا جواب، فكأنهم غير موجودين بالنسبة الينا نحن المسافرين.
- تأخرت الطائرة نصف ساعة أخرى، وأصبح حال الأسر والعوائل والشيوخ والأطفال وبعض المرضى مؤسفاً، وقد أتاح لي الانتظار الطويل رصد حالة الناس، وحالة «اللامبالاة» التي تعامل بها الموظفون الموجودون مع المسافرين، فصدقت ما كنت أظنه من باب المبالغات مما يكتبه بعض أصحاب المعاناة من المسافرين على متون طائرات الخطوط السعودية.
ثم قال الشاب في رسالته: ربَّما لا تُعنى برسالتي، وبموضوعها، ولكني أطلب منك إن كنت قد تعرَّضت لموقف كالموقف الذي ذكرته لك أن تعتني بهذه الرسالة وأن تبلِّغها عبر زاويتك الى المسؤولين في الخطوط السعودية، والى كل قارئ مرَّ بموقف مشابه، فربما تفتح بذلك أبواب حوارٍ هادئ.
ثم قال: إنَّ معاناة المسافر مع بعض موظفي الخطوط السعودية الغالية علينا تدلُّ على أنّ نقص التدريب والتأهيل للموظف في أساليب التعامل مع الناس هو السائد، فالابتسامة مفقودة تماماً، والنظرة غير المريحة جاهزة إذا وجَّهت سؤالاً الى الموظف، بل كلمة «رُح هناك» و«خلّك بعيد» و«يا ولد خلَّك في الطابور» - وربما يكون الولد المخاطب هنا رجل عمره ثمانون سنة - وغير ذلك من أساليب التعامل، كُلها تدلُّ على أن التدريب على أفضل وسائل المخاطبة والاستقبال مهم جداً، وخاصةً أن المطارات هي الواجهات المهمة للوطن الغالي.
ثم سأل الشاب سؤالاً طريفاً: يا ترى من المسؤول عن تعويض هؤلاء المساكين الذين يمرون بمثل هذا الموقف ويؤثر فيهم نفسياً وبدنياً، من المسؤول عن تعويضهم عن وقتهم، وتعبهم، والاهمال الذي يلقونه، هل هم موظفو الخطوط السعودية الذين ينظرون الى المسافر المتسائل - بنصف عين - أم أن المسؤول عن ذلك التعويض - غير المتوقع - هي الجمعيات الخيرية، أم مراكز الرعاية الاجتماعية، وهل لابد من فتح مكاتب في المطار للجمعيات الخيرية لمساعدة المسافرين المتأخرين الذين لا يجدون عنايةً تناسب الموقف الذي يتعرضون له، لا أدري، أفيدونا بارك الله فيكم.
وأقول:
إنَّ طرافة طرح ذلك الشاب للموضوع مع ما فيها من حرارةٍ تدل على معاناة هي التي جعلتني أطرح موضوعه هنا.
وهو موضوع واضحٌ لا يحتاج الى شرح.
إنَّ المطارات هي - فعلاً - واجهة مهمة للبلاد، وإنَّ الانطباع الذي يتركه الموظف في المطار في نفوس المسافرين مواطنين أو مقيمين، أو زائرين - سلباً أو ايجاباً - هو الذي يبقى في النفوس.
أما حسن التَّعامل فإنَّ المسلم أولى الناس به، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بذلك {وّقٍولٍوا لٌلنَّاسٌ حٍسًنْا} و {إنَّ اللهّ يٍحٌبٍَ المٍحًسٌنٌينّ}.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان المثل الأعلى وما زال القدوة الأولى في حسن التعامل وكرم الخلق، وعدم الإساءة الى أحد.
ولاشك ان في الخطوط السعودية من الموظفين المتميزين مَنْ لا يصح لنا أن نغمطهم حقَّهم، ولكننا هنا نتحدَّث عن قضية عامة مهمة، ومن الواجب علينا ألا نتهاون بمطلبٍ أحدٍ من الناس إذا كان مطلباً معقولاً.
إشارة:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
|
|