في هذه الأيام.. استؤنفت حركة الشدِّ والجذب حول طلبة الثانوية العامة والنسبة المئوية.. وهي قضية حادَّة تجعل طلبة وطالبات الثانوية العامة يقاسون ويعانون الأمرَّين خشية تدني المستوى.. ثم يصيرون مجرد رقم في البطالة.. لا عمل ولا دراسة ولا شيء آخر.. ويصبحون نهباً لهذا وذاك.. أو أداة طيعة لمن يسبق أولاً.. وهل هناك أسوأ من البطالة و«العطالة»!!؟!
** والأسوأ منها.. أن يعيش الإنسان بلا هدف ولا غاية ولا مستقبل.. ويعرف انه لن يدرس ولن يتوظف ولن يكون له دخل معقول.. ولن يملك بيتاً.. ولن يتزوج.. أو لن تقبل به أي امرأة.. ولن يكون له مكانة في المجتمع.. ولن يكون له أي احترام.. بل هو بوظيفة «عاطل» ومحل سخرية «اللي يسوى واللي ما يسوى»..
فقد يجد وظيفة فرَّاش على البند وقد لا يجد.. وقد يعمل حارس أمن في سوق ب«1200» ريال بالوفاء والتمام كل ثلاثين ليلة.. وقد لا يجد وقد يجد وظيفة مراسل أو مراقب أو ما شاكلهم وقد لا يجد.
** الوضع بالفعل.. مخيف للغاية.. والضغوطات النفسية على الطلاب والطالبات تتزايد.. والأشباح تلاحقهم هذه الأيام في كل مكان.
** الآباء والأمهات.. هم الآخرون على أعصابهم.. الكل يخاف من الأسئلة التعجيزية.. والكل خائف من نسبة «70%» و«75%» وأسوأ منه.. نسب الستينيات.. الذين إذا ذهبوا ومعهم شهادات لأي مكان.. صاروا يشعرون بالخزي والألم والحسرة.. بل العار.. وكأنَّ كل واحد منهم قد ارتكب منكراً عظيماً أو اقترف خطيئة كبيرة أو «طامرٍ على الجيران»..
** شيء آخر مزعج اسمه «الأسئلة التعجيزية» أشبه بالأشباح.. تلوح أمام الطلاب في صحوهم ونومهم.. وكأن هناك مكافأة كبرى ومجزية للمدرس الأكثر تعجيزية في وضع الأسئلة.
** هذا الموسم الذي نعايشه هذه الأيام هو بالفعل.. موسم الأشباح والخوف والرعب الطلابي..
** هو موسم يضيف إلى مرحلة البلوغ وما يصاحبها عادة من تبدلات وتحولات وارهاصات ومشاكل.. يضيف إليها مصائب أخرى وضغوطات أخرى ومصائب تتراكم.
** في المجالس لا همَّ اليوم سوى همّ الطلاب والطالبات فإما القبول في الجامعة ومستقبل معقول.. وإما البطالة والضياع.. وكان الله في عون المجتمع في التعامل مع هؤلاء الصائعين الضائعين.
** المشكلة.. أن جامعاتنا التي نستجديها الحل.. ترفع نسبة القبول سنوياً وتزيد من التعقيدات..
والمشكلة.. أن جامعاتنا التي تدَّعي أن لها دوراً اجتماعياً واسهاماً في حل مشاكل المجتمع.. هي لا تكتفي بمجرد التخلي عن هذا الدور.. بل تسهم في ايجاد مشاكل اجتماعية بالجملة.. وتسهم في زيادة أعباء المجتمع عندما تضاعف أرقام البطالة وتقتل طموح الطلاب وتحطم معنوياتهم.
** فالشاب الذي طردته الجامعة.. لأن نسبته «80%» تصوروا.. «80%» والشباب الذين هم بالآلاف تحت هذه النسبة.. سيكونون عبئاً على المجتمع والأمن.. وعبئاً على كل شيء.. ومع ذلك.. قد نصيح في أي لحظة ونقول.. ابحثوا عن الحلول؟!
** نعم.. نقول ما الحل في مشكلة الشباب؟ كيف أصبحوا أداة طيعة في أيدي المتطرفين؟
** كيف وصل شبابنا إلى هذا المستوى؟ كيف ضاع شبابنا؟
** ابحثوا عن الحلول.. أين الحلول؟
كيف راج سوق المخدرات؟
** وعندها.. يكون الوقت قد مضى.. والجامعات مشغولة بالتعيينات والترقيات والتنقلات للسادة أعضاء هيئة التدريس.. وتوزيع بعضهم لإجراء بحوث تافهة مكانها الأدراج والرفوف «بحوث لمصقة» من أجل الترقية.
** الجامعات مشغولة بتعزيز البنود من أجل البدلات والمكافآت وتمويل مشاريع إدارية وندوات هامشية.
** الجامعات مشغولة جداً بكل شيء.. إلا همّ الطلاب.. فهو لا يعنيهم أبداً.. ولو حصل ان تكون جامعة بدون طلاب لما تأخروا.. لأن الطلاب مزعجون للغاية.. والتدريس متعب.. ويُلهي سعادة عضو هيئة التدريس عن متابعة العقار والأسهم وعن سهرات «صكة البلوت» وعن التمشية والتسدح في الاستراحات.
** هموم الطالب ومشاكل الطالب.. الذي هو هم المجتمع كله.. هو صلب عمل الجامعة.. وصلب مسؤولية الجامعة.. ومع ذلك.. فالجامعة تعتبر ذلك شيئاً هامشياً ولا يعنيها.
** لعلكم تزورون بعض عمادات القبول والتسجيل أو عمادات شؤون الطلاب بالجامعات وتشاهدون بأم أعينكم.. كيف يُهان الطالب هناك.. وكيف «يُمرمَط» وكيف يُهزّأ.. وكيف يُهان من أجل ان يطفش ويأخذ ملفه «وينقلع» الله لا يرده.. في ستين داهية.
** في ثلاثة الأشهر الأخيرة سمعنا وقرأنا عن زيادة نسبة المرضى النفسيين.. مَنْ المسؤول؟!
** الله أعلم..
** لا غرابة.. مادام ان الجامعة «مشغولة» عنهم وهم في ذيل الاهتمامات.
** المشكلة.. ان الشباب لا يمكن تعليبهم وتصديرهم.. وإلا.. لكان هذا اقتراحا وجيها من أجل ان ترتاح الجامعات منهم.. وتأتيهم الرواتب والترقيات والانتدابات وهم في «الاستراحات»
** «والله.. ثم والله» انني أقول هذا الكلام غيرة على وطني وعلى شباب وطني.. وحرصاً على وطني وأهل وطني.
** نقول هذا الكلام ونحن نسمع هذه الأيام حوارات ونقاشات حول تحديد المسؤولية عن ضياع بعض الشباب ومع ذلك.. لم يلتفت أحد للمضيِّع الأول لهم.. وهي الجامعات التي «كَرَشَتْهُم»
** هل هناك جامعات في الدنيا ترفض أي نسبة أقل من «80%»
** جاوبوني واسكت.. نعم.. والله لأسكت
** هل هناك جامعات في الدنيا.. يقف الطلاب طوابير من «5» صباحا إلى «5» مساء لمدة عشرة أيام أو عشرين يوماً ولا يتمكن الطالب حتى من مجرد محادثته من موظف «الكاونتر» الذي ملأ مكانه غطرسة وصلفاً؟
** هل هناك جامعات تنتقي أسوأ الموظفين وأطولهم ألسناً وأبشعهم أخلاقاً وتضعهم في مكاتب استقبال الطلاب؟
** هل يوجد جامعات تتسابق وتتبارى في رفع نسبة القبول؟
** أخيراً أقول.. إن هؤلاء الذين تطردونهم وتهينونهم وتسيؤون لهم.. وتتسابقون في رفضهم.. هم أبناؤنا.. أبناء الوطن.. وليسوا بنغاليين ولا سيرلانكيين ولا كوريين ولا شيء آخر غير انهم أبناؤنا.
** وإذا كانت الجامعات لا تدرك حجم مسؤولياتها.. ولا تدرك رسالتها ولا دورها الاجتماعي.. ولا صلب مسؤولياتها.. فالأولى لها ان تغلق أبوابها وتكتب لوحة على البوابة «الجامعة مغلقة للتحسينات» وذلك لضمان استمرار رواتب السادة المسؤولين فيها.. والسادة أعضاء هيئة التدريس.. وفقهم الله في أداء واجباتهم المسائية والليلية وأعانهم على السهرات والتمشيات.
** إني هنا.. لا أعمم الكلام على أعضاء هيئة التدريس.. فهناك نسبة جيدة منهم.. هم قمة في المسؤولية.. وقمة في التفوق والمكانة العلمية.. وقمة في العطاء والعمل والإنجاز ويدركون دورهم ورسالتهم جيداً ولكن.. أين هم؟
** كان الله في عونكم أيها الطلاب.. فالجامعات مشغولة بما هو أهم منكم.
|