Tuesday 20th may,2003 11191العدد الثلاثاء 19 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التورُّق بين التطبيق والاستخدام في العمل المصرفي الإسلامي التورُّق بين التطبيق والاستخدام في العمل المصرفي الإسلامي
بقلم/ د. موسى آدم عيسى(*)

توسعت المصارف في بيع المرابحة إلى أن بلغت نسبتها في بعض المصارف مقارنة بصيغ التمويل الأخرى حوالي 95% ،الأمر الذي أدى ببعض الحادبين على مسيرة المصارف الإسلامية لدق ناقوس الخطر، والقول بأهمية التقليل من المرابحة واستبدالها بصيغ التمويل الأخرى، ولكن بالرغم من ذلك استمرت المرابحة إلى أن طُرِحَ التورُّق باعتباره صيغة تمويل جديدة تقوم بديلاً عن كثير من صيغ التمويل المتعارف عليها (مشاركة، مضاربة، سلم، استصناع، مرابحة .. إلخ) فما هو التورق؟ وما هي الإجراءات التي يتم من خلالها؟ وهل يستوفي التورق وفقاً لتلك الإجراءات الضوابط الشرعية للبيوع، وهل يتسق التورق مع المقاصد العامة للشريعة في مجال المعاملات؟
تعريف التورُّق
التورق طبقاً لقرار مجمع رابطة العالم الإسلامي الصادر في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 11 رجب 1419هـ الموافق 31/11/1998م هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل ثم يبيعها المشتري بثمن مُعجّل لغير البائع للحصول على النقد (الورق).
ويتضح من هذا التعريف أن التورق هو قيام المتورق بشراء سلعة معينة بثمن آجل ليس بغرض المتاجرة بها وتحصيل ربح، وليس بغرض استخدامها والانتفاع بعينها، وإنما من أجل إعادة بيع تلك السلعة بثمن أقل من الثمن الذي اشتراها به، وتحصيل ذلك الثمن واستخدامه في أغراض أخرى يحتاج إليها من زواج أو قضاء دين أو غير ذلك.
ويمكن القول إجمالاً إن الدافع الأساسي للدخول في بيوع التورق هو الحصول على السيولة النقدية بطريق مشروعة، فالمُتورِّق ليس أمامه للحصول على السيولة سوى سبيلين:
الأول: هو القرض الحسن وهو مطلب صار عزيز المنال في العصر الحاضر.
الثاني: القرض الربوي، وهو محرم مجمع على تحريمه.
وعلى هذا الأساس لا يكون أمام الراغب في الحصول على السيولة سوى التورق وتلك الاعتبارات هي العلة التي استند عليها الفقهاء الذين أجازوا التورق.
التطبيقات العملية للتورق
يستخدم التورق في الحياة بعدة صور بعضها من خلال المصارف والآخر خارج نطاق المصارف وفي جميع هذه الحالات يتطلب تطبيق التورق وجود ثلاثة أطراف كحد أدنى، وقد يزيد عدد الأطراف إلى أربعة أطراف في بعض الحالات، والأطراف المشتركة في التورق هي:
المورد: وهو البائع الأول للسلعة أي الجهة المالكة للسلعة موضوع التورق.
المشتري الممول: وهو الجهة التي تشتري السلعة نقداً بقصد بيعها بالأجل إلى العميل المتورق.
العميل المتورق: وهو الجهة التي تشتري السلعة بالأجل من المشتري الممول بقصد بيعها إلى المشتري النهائي والحصول على ثمنها نقداً.
المشتري النهائي للسلعة: هو الجهة التي تشتري السلعة من العميل المتورق نقداً وقد يكون المشتري النهائي للسلعة هو المورد الأصلي الذي اشتريت منه السلعة وفي هذه الحالة يكون التورق قد تم عبر ثلاثة أطراف، وفي حالات أخرى يتم بيع السلعة على جهة غير موردها الأصلي وفي هذه الحالة تكون أطراف التورق أربعة.
ويمكن ملاحظة ثلاث صور للتطبيقات العملية للتورق:
الصورة الأولى: تطبيقات التورق خارج الجهاز المصرفي
التورق باعتباره وسيلة للحصول على النقد كان معروفاً منذ الصدر الأول، يُثْبِت هذا الأمر آراء فقهاء جميع المذاهب حوله. أما في العصر الحديث فإن التورق كان يستخدم بدرجات متفاوتة لدى عامة الناس وذلك قبل أن تفطن إليه المصارف وتحوله إلى صيغة تمويل منظمة. فقد كان العامة يشترون السلع كالقمح والشعير والصابون والسكر من التجار بالأجل ويعيدون بيعها نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على السيولة. وهذه ظاهرة منتشرة في السودان وفي المملكة العربية السعودية حيث تعرف في السودان باسم «الكسر» أي شراء سلعة وبيعها بأقل من ثمنها. كما تعرف في المملكة العربية السعودية باسم «الوعدة» وكذلك «الدينة» وقد كان العامة الذين يتعاملون بالتورق يستفتون الفقهاء حول مشروعيته الأمر الذي تمخض عنه إصدار عدد من الفتاوى من قبل مجموعة من الفقهاء منهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة العربية السعودية الأسبق، الذي استُفْتِي عن «الدينة» وأفتى سماحته بجوازها بناءً على الأصول التي يقوم عليها المذهب الحنبلي. ففي جواب على سؤال حول التورق ذكر سماحته:
هذه المسألة تسمى «مسألة التورق» والمشهور من المذهب جوازها .. ثم قال بعد استعراض آراء فقهاء المذهب حولها .. والمشهور الجواز وهو الصواب. قال في «مطالب أولي النهى» ولو احتاج إنسان لنقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر كمائة وخمسين مثلاً ليتوسع بثمنه فلا بأس.
كما أفتى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز يرحمه الله بجواز التورق قائلاً:
إذا كان مقصود المشتري لكيس السكر ونحوه بيعه والانتفاع بثمنه وليس مقصوده الانتفاع بالسلعة نفسها فهذه المعاملة تسمى مسألة التورق ويسميها العامة «الوعدة» وقد اختلف العلماء في جوازها على قولين: الأول: أنها ممنوعة أو مكروهة، لأن المقصود منها شراء الدراهم بدراهم ، وإنما السلعة المبيعة واسطة غير مقصودة.
القول الثاني للعلماء: جواز هذه المعاملة لمسيس الحاجة إليها، لأن ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا، ولدخولها في عموم قوله سبحانه «وحل الله البيع» وقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه» ولأن الأصل في الشرع حل جميع المعاملات إلا ما قام الدليل على منعه ولا نعلم حجة شرعية تمنع هذه المعاملة وأما تعليل منعها أو كرهها بكون المقصود منها هو النقد فليس ذلك موجباً لتحريمها ولا لكراهتها ،لأن مقصود التجار غالباً في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك ،إنما يمنع هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة فإن ذلك حيلة على الربا. أما التورق التي يسميها بعض الناس «الوعدة» فهي معاملة أخرى ليست من جنس مسألة العينة.
الصورة الثانية : تطبيقات التورق التي تتم جزئياً من خلال الجهاز المصرفي
كان التورق يتم جزئياً عبر المصارف حيث نشطت في التمويل الشخصي والمقصود به قيام المصارف بتقديم التمويل للأفراد للوفاء باحتياجاتهم الشخصية (غير التجارية) وهذا الجانب كان يمول بالأساس عن طريق القروض الشخصية، ومع ظهور المصارف الإسلامية وإيمان كثير من الأفراد بحرمة القروض بفائدة، فقد تم تطوير آلية المرابحة الشخصية التي تؤول إلى التورق بديلاً لذلك. إذ تمول المصارف الأفراد عن طريق قيامها بشراء سلعة معينة (وبالأخص السيارات) بناءً على طلب العميل وعلى وعد منه بشرائها من البنك، ثم يبيعها البنك على العميل بالأجل وتقسيط ثمنها عليه، ثم يقوم العميل بعد ذلك بإعادة بيع تلك السلعة إما إلى نفس المورد الذي اشترى البنك منه السلعة أو إلى جهة أخرى دون أن يكون للبنك دور في عميلة البيع النهائية.
وآلية المرابحة التي تنتهي بالتورق (والأمر ينطبق أيضاً على البيع بالتقسيط) كانت ومازالت تمثل محور نشاط المصارف خاصة في دول الخليج لتمويل الأفراد أو ما يسمى Retail Banking حيث دلت بعض الدراسات الإحصائية إلى أن نحو 75% من الأفراد الذين يشترون السيارات من خلال المصارف في المملكة العربية السعودية يعيدون بيعها تورقاً في سبيل الحصول على السيولة.
وهذه الآلية لم تكن تثير جدلاً فقهياً حول جوازها حيث إن بيع المرابحة للآمر بالشراء صدر بجوازه عدة فتاوى أهمها قرار مجمع الفقه الإسلامي الصادر في دورة مؤتمره الخامس المنعقد بالكويت في الفترة 1 - 6 جمادي الأولى 1409هـ الموافق 15/11/1988هـ والذي جاء فيه:
أولاً: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم ، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
ثانياً: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاءَ إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
ولاخلاف في أن الذي يشتري سلعة ويتملكها يكون له حق التصرف فيها حسبما تقتضيه مصلحته سواء بإعادة بيع تلك السلعة بأكثر أو بأقل من ثمنها الذي اشتراها به، أو باستهلاكها أو إهدائها إن شاء. ولذلك جاءت عدة فتاوى تجيز للأفراد إعادة بيع ما اشتروه على سبيل التورق، لأن ذلك لا يتعارض مع نصوص الشريعة ومقاصدها العامة علاوة على أنه يفي بحاجات أصلية لدى الأفراد.
ومن الفتاوى التي أجازت هذه الآلية فتوى مجمع رابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 11 رجب 1419هـ الموافق 31/10/1998م والتي نصت على: (... أن بيع التورق هذا جائز شرعاً وبه قال جمهور العلماء لأن الأصل في البيوع الإباحة لقول الله تعالى «وأحل الله البيع وحرم الربا» ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين أو زواج أو غيرها..)
الصورة الثالثة: التورق المنظم كلياً من خلال الجهاز المصرفي
بعد انتشار عمليات التورق على السلع والبضائع التي تشترى بتمويل من المصارف اتجهت المصارف لتنظيم هذه العمليات التي كانت تتم بصورة عشوائية وفقاً لآليات ومنتجات مرتبة وذلك تحقيقاً لهدفين رئيسين:
الأول: السرعة في إنجاز المعاملة.
الثاني: تخفيض نسبة الخسارة التي تحيق بالعميل عند إعادة بيع السلعة التي اشتراها من البنك حيث شكل هذان العاملان الدافع الرئيسي لتأطير عمليات التورق وتنظيمها.
استخدام التورق في
التمويل الشخصي
طورت بعض المصارف التورق وقدمته بمسميات مختلفة مثل «تيسير الأهلي» الذي يقدمه البنك الأهلي التجاري كصيغة يتم استخدامها في تمويل الأفراد الراغبين في الحصول على السيولة النقدية بطريقة مشروعة.
وتقوم صيغة التورق التي طورها البنك الأهلي على أساس قيام البنك بشراء سلعة وامتلاكها ثم بيعها على العملاء بالتقسيط مع توفير الإمكانية للعملاء لتوكيل البنك لإعادة بيع السلعة نيابة عنهم وقيد ثمنها في حساباتهم وفيما يلي تحليلٌ للإجراءات التي تتم بها العملية:
أولاً: استيفاء المتطلبات الشرعية لشراء البنك للسلعة وامتلاكها قبل بيعها لعملائه:
يوقع البنك اتفاقية مع شركة معينة تسمى «اتفاقية شراء سلع» وهذه الاتفاقية تمثل الإطار العام الذي ينظم العلاقة بين البنك باعتباره مشترياً وبين شركة معينة باعتبارها بائعاً.
وتتم عمليات الشراء عن طريق قيام البنك بطلب كمية معينة من سلعة محددة مثل الحديد أو الألمنيوم بمبلغ معين وذلك بالاتصال بالشركة وطلب الكمية المذكورة طبقاً لشروط الاتفاقية الموقعة بين الطرفين ثم يتم تبادل الإيجاب والقبول بين الطرفين، والفارق الوحيد هو أن البنك يشتري البضاعة لنفسه ولا يوكل مؤسسة خارجية لتتولى عمليات البيع نيابة عنه. كما لا يوجد التزام من قبل أي مؤسسة لتشتري البضاعة من البنك.
وقد يُثار السؤال حول الكيفية التي يتم بها قبض وتعيين السلع التي اشتراها البنك؟
ولتحقيق مطلب القبض تصدر الشركة البائعة شهادة ملكية تفيد بقيد كميات المعدن المشترى من قبل البنك إلى حساب البنك وفقاً لتواريخ الشراء التي جرت. وتتضمن هذه الشهادات إقراراً من قبل الشركة البائعة بأن ملكية المعدن المشترى هي للبنك منذ يوم الشراء وأن كمية المعدن المشترى سيتم تعيينها عن طريق رقم الصنف للمعدن الذي وقع عليه البيع وتحديد مكان تواجده. ويكون المعدن في حساب لصالح البنك إلى أن تتسلم الشركة تعليمات أخرى. ويكون البنك مسئولاً عن تسديد أجور التخزين والحراسة فيما إذا تأخر البنك عن الاستلام في التاريخ المحدد.
ويمكن اعتبار أن تحديد رقم الصنف للمعدن المشترى وتحديد مكان تواجده تعييناً للمعدن طالما أن رقم الصنف يشير إلى كمية محددة من المعدن بمواصفات معينة موجودة في مكان معين. وطالما أن البنك يتحمل المخاطر التي يمكن أن تلحق بذلك المعدن كما يتحمل التكاليف المرتبطة به.
ونخلص من ذلك إلى أن عملية الشراء التي يتملك البنك بموجبها المعدن تعد صحيحة ومستوفية للشروط الشرعية طبقاً للفتوى الشرعية الصادرة من مجمع الفقه الإسلامي الدولي التي تجيز إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة والتي سبقت الإشارة إليها فيما تقدم.
ثانياً: استيفاء المتطلبات الشرعية في مرحلة بيع البنك السلعة للعملاء.
بعد امتلاك البنك للسلعة طبقاً لما ذكر يبدأ البنك عندئذ التصرف في البضاعة ببيعها لعملائه، فيقوم البنك في هذه الحالة بإدخال كمية السلعة المشتراة على نظام الحاسب الآلي بحيث تستطيع الفروع البيع منها على العملاء، ويتيح نظام الحاسب الآلي بأن يتم إنقاص أي كمية يتم بيعها على العملاء من الرصيد الذي يمتلكه البنك من هذه السلعة، ويتوقف البيع بمجرد نفاد الكمية المملوكة للبنك حتى لا تجري عمليات بيع لسلع لا يملكها البنك.
أما عملية البيع فتتم وفقاً لإجراءات متسلسلة على النحو التالي:
يتقدم العميل بطلب لشراء سلعة بالتقسيط ويسمى هذا الشراء تقسيطاً لأن البنك مالك للسلعة التي يطلبها العميل ولا يشتريها البنك بناءً على طلب مُسبق من العميل.
وعند قبول الطلب يتم إفادة العميل من قبل الموظف المختص بأن على العميل توقيع عقد البيع، كما يفاد العميل بأنه بتوقيعه على عقد البيع يكون قد امتلك كمية معينة من المعدن طبقاً للمواصفات المحددة في العقد ومكان تواجده، كما يفاد العميل بأن له حرية التصرف فيما اشتراه، فإن شاء تسلُّم المعدن مَكَّنَهُ البنك من ذلك، وأما إذا رغب في توكيل جهة أخرى لبيع المعدن نيابة عنه فله الحق أيضاً، وله إن شاء أن يوكل البنك في إعادة بيع السلعة نيابة عنه وقيد ثمنها في حسابه وذلك يتطلب منه أن يوقع على عقد وكالة يفوض البنك بموجبه القيام بذلك.
ثالثاً: استيفاء المتطلبات الشرعية في مرحلة بيع السلعة وكالة عن العملاء:
بعد اكتمال عمليات البيع للعميل يتم رصد أسماء الأشخاص الذين اشتروا من البنك كما يتم تحديد الكميات التي اشتراها كل واحد منهم ويتولى البنك بيع تلك الكميات إلى طرف ثالث وذلك بموجب عقود الوكالة الموقعة من هؤلاء العملاء.
وقد حرص البنك على أن تتم إعادة البيع إلى طرف ثالث غير الشركة التي اشترى منها البنك المعدن بالرغم من جواز ذلك من الناحية الشرعية، إلا أن السعي للبعد عن الصورية هو الذي حدا بالبنك إلى جعل المعاملة تتم عبر أربعة أطراف وليس ثلاثة.
وتتم إجراءات البيع نيابة عن العملاء عن طريق توقيع اتفاقية شراء بين البنك وإحدى الشركات وهذه الاتفاقية هي إطار عام ينظم العلاقة بين الطرفين، وتجري عملية البيع عن طريق تبادل الإيجاب والقبول عبر الفاكسات حيث يتم تحديد الكميات المعروضة للبيع والثمن وشروط البيع بذات الآلية التي يجري بها البيع في مرابحات السلع الدولية المشار إلى تفاصيلها سابقاً وعند اكتمال تبادل الإيجاب والقبول وانعقاد البيع يتم تحويل الثمن إلى حساب البنك الذي يتولى فيما بعد قيده في حسابات العملاء لديه طبقاً لكميات وأسعار السلع التي تم بيعها نيابة عنهم، ويحيل البنك الشركة المشترية منه لقبض المعدن من الشركة التي اشترى منها.
تقويم آلية التورق المستخدمة في التمويل الشخصي
إن الخطوات والإجراءات المتبعة في منتج التورق الجديد كما تم شرحها فيما تقدم تستوفي الجوانب الشرعية لعقد البيع. وتبدو هذه العمليات أكثر مشروعية من مرابحات السلع الدولية وكذلك من بيع المرابحة للآمر بالشراء وذلك للأسباب الآتية:
1 - في عمليات التورق يشتري البنك السلعة وتدخل في ملكه ويتحمل مخاطرها دون أن يكون هناك عميل معين طلب منه شراء تلك الكمية كما هو الحال في المرابحة. بل إن البنك يشتري السلعة ويتربص بها الأسواق كحال التجار، فقد يبيعها وقد تبور وقد تهلك وهي في حوزته بينما في المرابحة فمخاطر البنك مغطاة بوعد العميل بشراء السلعة.
2 - وحيث إن البنك يتملك في التورق هذه السلعة التي يشتريها ويتحمل مخاطرها فلا يطلب البنك من عملائه وعداً بالشراء كما هو الحال في المرابحة.
3 - لا تتضمن عمليات التورق توكيل البنك للبائع أو المشترى للتصرف في المعدن المشتري كما هو الحال في مرابحات السلع الدولية.
4 - قد يعترض البعض على حالات توكيل العميل للبنك لإعادة بيع السلعة نيابة عنه وفي هذا الصدد أود أن أشير أنه ليس هناك إلزام من قبل العملاء على توكيل البنك، فمن شاء وكل غيره ومن شاء قبض سلعته، فالتوكيل عقد منفصل تماماً عن عقد البيع وليس شرطاً فيه بأية حال. وإنما البنك بحكم خبرته وبحكم علاقاته يكون أكثر قدرة على إيجاد جهات تشتري تلك السلع من العملاء بثمن مناسب وفي وقت وجيز.
أما من حيث الآثار التي ترتبت على تطبيق منتج التورق فقد كانت أكثر من مدهشة حيث أسهم هذا المنتج في تحول الغالبية العظمى من العملاء من الإقدام على طلب القروض الشخصية الربوية واستبدالها بهذا المنتج، الأمر الذي أدى إلى انحسار القروض الشخصية بدرجة كبيرة. وهذا يدفعني إلى القول أنه مهما يكن من أمر الخلاف حول التورق فإن الأخذ به أفضل من الاستمرار فيما هو مجمع على تحريمه. وعلى هذا الأساس صدرت الفتوى من الهيئة الشرعية التي تنظم إجراءات منتج «تيسير الأهلي» وهذا نصها:
الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .. وبعد ، بالإشارة إلى قرار الهيئة الشرعية في محضر اجتماعها الثاني والثلاثين بتاريخ 21- 22/6/1421هـ الموافق 19- 20/9/2000م، والذي أجازت فيه منتج «تيسير الأهلي» فيما يلي الإجراءات التي يجب مراعاتها عند التعامل بهذا المنتج:
أولاً: يقوم البنك بشراء كمية محددة من سلعة معينة تدخل بذلك في ملكيته دخولاً شرعياً.
ثانياً: يقوم البنك بعرض هذه السلعة على عملائه.
ثالثاً: وبما أن هذه السلعة تباع عن طريق الوصف لا عن طريق الرؤية غالباً فإن على البنك أن يحدد هذه السلعة صنفاً ونوعاً وأن يصفها وصفاً نافياً للجهالة وأن يحدد رقم تخزينها بموجب شهادة التخرين بحيث يكون المبيع معلوماً وموصوفاً وصفاً تنتفي معه الجهالة في البيع.
رابعاً: يتقدم العميل بإبداء رغبته في شراء كمية محددة من هذه السلعة بثمن مؤجل وبعد موافقة البنك على تلبية هذا الطلب يقوم البنك ببيع تلك الكمية على العميل بما يتفقان عليه من ثمن وأجل.
خامساً: للعميل الحق في أن يتسلم سلعته في مكان تسليمها إذا رغب في ذلك أو أن يوكل البنك في بيعها نيابة عنه.
سادساً: في حال توكيل العميل للبنك ببيع سلعته فإن البنك يقوم ببيعها وكالة على من يرغب شراءها ولا يجوز للبنك أن يبيعها لنفسه حيث إن ذلك من قبيل بيع العينة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،
وفي ختام هذا التحليل نود التأكيد على النقاط التالية:
1 - التورق، وهو شراء سلعة بالأجل لإعادة بيعها نقداً بثمن أقل بغرض الحصول على السيولة، كان ومازال معاملة معروفة لدى عامة الناس في كثير من الأقطار الإسلامية، كما أن عملاء المصارف الإسلامية كانوا يتعاملون بها في السلع التي يشترونها من هذه المصارف.
2 - التورق وفقاً لتعريفه الذي جرى ذكره أعلاه جائز لدى جمهور علماء المسلمين ولا يؤثر في مشروعيته كون القصد منه هو الحصول على النقد لأن مقصود التجار في المعاملات، كما يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، هو تحصيل مبلغ أكثر بمبلغ أقل والسلع المبيعة هي الواسطة.
3 - صيغة التورق التي تم تطويرها واستخدامها من قبل بعض المصارف والتي تتضمن توكيل العميل للمصرف في إعادة بيع السلعة المشتراة وقيد ثمنها في حساب العميل، هذه الصيغة تستوفي الضوابط الشرعية سواء في مرحلة شراء البنك للسلعة أو في مرحلة بيعها للعميل أو في مرحلة إعادة بيع السلعة وكالة عن العميل.
4 - بالرغم من مشروعية التورق إلا أنه من الأفضل قصر استخدامه في مجال التمويل الشخصي للأفراد وفي الحالات التي لا يمكن تمويلها عن طريق الصيغ المصرفية الإسلامية الأخرى.
إن المتأمل لصيغة التورق يلحظ بأنها تتميز بأمرين مهمين.
الأول: أنها تندرج تحت مجموعة المداينات ومن ثم تنخفض فيها نسبة المخاطرة التي تتعرض لها المصارف.
الثاني: بساطة إجراءات تنفيذها.
والأمران أعلاه يشكلان جوهر العمل المصرفي الحديث ولهذا لا يستبعد المرء توسع المصارف في استخدام التورق لأنه يقدم لها أسلوباً قريباً لما ألفته واعتادت عليه.

(*) دكتوراه في الاقتصاد الإسلامي - جامعة أم القرى

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved