لقد وقعت الواقعة، واستطاع الخارجون على الشرعية والمشرعنون للفوضوية والوجود الأجنبي أن يفجروا ما بقي بأيديهم، وأن يستغلوا ما بقي لهم من وقت.
فكان أن هدمت بيوت، وأزهقت أرواح، وأحرقت ممتلكات، واختل أمن، وذعر الناس مما وقع، ومما هو آتٍ. وما علينا عند الصدمة الأولى إلا الصبر والاسترجاع، لنكسب الوعد الصادق بالصلوات والرحمات والهداية. وكالعادة أعقب ذلك الدوي دوي إعلامي موازن، انطلقت به الحناجر، وسالت به أنهر الصحف، تروي ما حصل، وتشهد بما سمعت، لا بما رأت، وأقبل المحللون والمعللون والمعلقون والمتنبئون يخبطون خبط العشواء، ويقرؤون الحدث قراءة متسرعة أو غير بريئة، فكل يحيل إلى أهدافه وغاياته وتصوراته، ويسترفد خلفياته المعرفية، ويوظف الحدث لتكريس رؤيته، محملاً الوطن ومؤسساته مسؤولية ذلك ووقف أهل الشأن في ذهول، عينٌ على الحاضر، وأخرى تستشرف المستقبل، ويد على الصدر، وأخرى تلزم الرأس المصاب بالدوار. فالحدث جلل، والنار من مستصغر الشرر، ومن استخف بما حدث، هيأ نفسه لما هو أدهى وأمر، وإن كانت البلاد وأهلها يحتمون بعز الله الذي لا يضام وبعينه التي لا تنام.
وحدث كهذا لا يُحسم بثورة كلامية، تلامس أطراف القضية، مكتفية بالتجريم والتخوين والتخمين، وإنما يواجه في الحفر العميق، والتفكيك الدقيق، وتقصي خلفيات اللعب وفلولها، والمؤامرات وذيولها، والتخطي إلى الحواضن الحقيقية التي نسل منها المنتحرون، من شباب غسلت أدمغتهم، وذرعوا فجاج الأرض الواسعة في عمليات قتالية باسم الجهاد: تارة في أفغانستان وأخرى في البلقان، وثالثة في الشيشان، ورابعة في العراق، فكان أن تحولوا من آدميين إلى دمويين. والحدث العصي على التصور والاحتمال لا يتخلص من ذيوله بالإحالة على مؤسسات البلاد ورجالاته، وإنما يصار إلى معرفة النشأة الأولى، ومن وراءها من دول وساسة و(لوبيات) و(ميكافيليات) حولت العالم الثالث إلى مقاتل أجير.
إننا بحاجة إلى أن نجوس خلال (أفغانستان) و(باكستان) و(البوسنة والهرسك) و(الشيشان)، وأن نتعرف على الجماعات والتنظيمات القائمة والمنحلة، هنا وهناك، وأن نخبر القيادات الدينية والحركية، التي تقاطرت من كل فجاج الأرض إلى بؤر الصراع العالمي، موظفة إمكاناتها لمن يدفع أكثر، ومن ثم هيئت لها الأجواء للتدريس والتأليف والتنظيم والقيادة، وفتحت لها الخزائن، وجمعت لها التبرعات، والتطمست أفكارها على مسمع ومرأى من كل الدول الكبرى، بوصفها اللاعب الرئيس، وبهذا الاستشراف لا يكون الحدث الرهيب وليد اللحظة، وليس صناعة محلية، إنه حلقة في سلسلة أحداث مماثلة، وقعت في بقاع كثيرة من العالم، وعلى فترات متباعدة، وليس من الحصافة أن ندين أنفسنا ومناهجنا وقادة الفكر في بلادنا، لنتعرض لتفجير داخل التفجير، ونمزق أنفسنا بقدر ما مزقت العبوات شواهق العمارات. والفضوليون الفارغون لا يتورعون من التأويل الجائر، ولا يتهيبون من إحداث تصدع الجبهة الداخلية، ومن ثم يلقون الكلام على عواهنه، ولا يظنون بذويهم خيراً.
والعمليات الانتحارية المنظمة لا تحركها تربية أمة، ولا تصنعها مناهج دولة، وإذا أحلنا عليها ما نلاقيه، أو أحاله المتنفسون من تحت الماء، فلمن نحيل تفجير (فندق ممباسا) و(منتجع بالي بإندونيسيا) و(سفارات أمريكا في كينيا وتنزانيا) و(مركزالتجارة العالمية في نيويورك) و(سفينة كول في عدن) و(عمليات الدار البيضاء) قبل ثلاثة أيام وعشرات العمليات المجهضة قبل التفجير، وفوق هذه كلها (أحداث الحادي عشر من سبتمبر) لماذا نساير الأعداء في توجيه الاتهام إلى مراكزنا ومؤسساتنا، ومن رام الإصلاح وهو حتم فليضع التصور، ولا يكتفي بالاتهام الجائر، ومن أحال إلى مناهج التعليم في البلاد، فقد غفل عن رؤوس الفتنة القابعين في الأدغال والكهوف. ولغط المتحاملين يزيد في العنف بسطة، ومن واجب المترفين ألا يظاهروا أعداء الأمة باتهام التعليم.
إن هناك حلقة مفقودة، لما نزل بحاجة ماسة إلى العثور عليها، وما لم نواجه الحدث برمته، بوصفه ظاهرة عالمية، لا مفردة زمانية ومكانية، فإننا سنظل نفتح ملفاً ونرفع آخر، ونزيد في حجم الكيانات المناوئة وتعددها. ولست ممن يتوقع حسم الشر، ولا ممن يصر على تزكية الذات، ولكنني ممن يسعى لتحديد مصادر الشر ومحاصرته، والعودة به إلى حجمه المعقول، فالجريمة في سباق مستحر مع المكافحة.
وتعرض البلاد لمثل هذه الممارسات المتباعدة زمناً، والمتشابهة حدثاً، تتطلب رد العجز على الصدر، وقراءة الأحداث منذ النشأة الأولى، واستجلاء كل الآراء، واستدعاء كل القراءات، واسخدام المجسات والمسابير في كل الأحداث المماثلة في الشرق والغرب، واستبعاد واحدية المصدر، فالذين يحيلون على الداخل، ويجعلون الحدث منتجاً محلياً له أسبابه ودواعيه المحلية، ويغفلون عن اللعب والثارات، وتعارض المصالح، ومحاولة إرباك الخصوم، والحيلولة دون نفاذ التسويات السلمية، يفوتون على أنفسهم مؤشرات مهمة، والذين يستبعدون أحداث فلسطين، وأفغانستان، ولبنان، والسودان، والصومال، وإيران والكويت، والعراق، والجزائر، وسقوط الاتحاد، وسباق التسلح، وصراع الحضارات، والتنظيمات المفككة، والحركات المطاردة، وفلول اللعب ترم جروحهم على فساد، واعدة بانفجار جديد. لقد طالت المواجهات الإرهابية
أقوى دول العالم عدة وعتاداً، وأقدرها تحرياً ورصداً، وأمضاها هيمنة وسلاحاً، فهدمت أبراجها الاقتصادية، وقوضت معاقلها العسكرية، ولما يزل الحدث الجلل أخفى من دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في ظلمة الليل. ومهما حاول الإعلام العربي والمتنخوبون بكل ما هم فيه من ريبة تحديد الفاعل ومقاصده، فإن المسألة تظل حمالة أوجه، وستظل أكثر انغلاقا على الأفهام من قتل الرئيس الأمريكي (جون كندي). لقد طاف الباحثون بالعمليات الانتحارية على كل الطوائف والتنظيمات والديانات والعرقيات، وكل قوم ينفون علاقتهم بها، ويقدمون الشواهد، وينضمون إلى فريق التصدي، وقد يقدمون بين يدي إثباتهم ضربة وقائية، ليبرهنوا عن صدق مواجهتهم للإرهاب بمفهومه الغربي. ولم تتريث أمريكا المجروحة حسا ومعنى، حتى يتحصحص الحق، بل بادرت إلى فرضيات متسرعة، وضربت ارضا محروقة وشعباً منهكاً، وصدَّق الناس مقولتها، ومضى كلُّ إلى غايته، وبقيت الضارة كما هي، تنام حتى يأمن الناس، فإذا غفوا أخذتهم بغتة، وهم لا يشعرون، والمتوقع أن يتسع انتشارها، لأنها مارد انطلق من قمقمه، وعلى المستهدفين أن يقعدوا له كل مرصد.
ولهذا وتلافياً لما هو حاصل بالفعل فإن المواجهة الانفعالية، وتبادل الاتهامات، وانتهاز الفرص، لإعادة الخطابات الفئوية، وتصفية الثارات، لا تحسم الإشكالية، بل تزيد في استفحالها. إن الحدث خطير، ومدان بكل المقاييس، ولن يلتمس له عاقل أي عذر أو مبرر، وقد قالها (الأمير عبدالله) ليلجم أفواه كل الأضوائيين والانتهازيين، فالأنفس المسلمة معصومة بإسلامها. والأنفس الأخرى معصومة بذمة ولي الأمر التي أعطاها، والمسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، فما بالك بأعلاهم، ومن قتل ذمياً لم يرح رائحة الجنة، ومن آذى ذمياً فقد آذى رسول الله، والذين يؤكدون بأفواههم من مواجهة أمريكا، هم الذين شرعنوا لها الوجود، والذين يواجهونها اليوم، هم الذين خدموها بالأمس.
وإذ يكون الحدث ماثلاً للعيان بالأشلاء والأطلال فإن الأدمغة المدبرة والأصابع المنفذة لما تزل غائبة، والأجهزة الزمنية تركض وراء الخيوط، التي قد تلتاث في منتصف الطريق. ومما لاشك فيه أن هناك أسباباً، وحواضن، وأطرافاً تحلم في أن تجني من الشوك العنب. ومن الحصافة أن يسعى المعنيون إلى تقصي الإشكالية، ووضع الحلول، لتوقي ما بقي من شرورها، والمؤلم أن العالم الإسلامي لما يزل مجالاً لتنفيذ اللعب الكونية، عليه غرمها، ولغيره غنمها.
والسؤال الأكثر إلحاحاً: من جمَّع هؤلاء؟ ومن صاغ أذهانهم، ودرب أجسامهم؟ ومن خطط لهم، وأعطاهم المال والسلاح؟ ، وعبر أي المنافذ دخلوا بما معهم؟ وأين رأس الحية المدبر؟ ولماذا لم تصل إليه اليد الأقوى مضاء، يد أمريكا المستهدفة مصالحها؟ لقد وضعت في أولويات مهماتها في (أفغانستان) و(العراق) الوصول إلى الرؤوس المدبرة أحياءً أو أمواتاً، ولكنهم جميعا لما يزالوا مجهولي المصير. ويمضي لهاث الأسئلة الحائرة: لماذا تطالنا الأذية من أيد آثمة، من بينها أيد سعودية، خرجت من ديارها، نظيفة الفكر، سليمة العقيدة، تحت مظلة الجهاد الذي باركته أمريكا، لتعود إليها بعد أن تضلعت من الشر، ممارسة أبشع الأعمال وأجرمها؟ وهل هذا العمل الإرهابي بتدبير خارجي، ومن أجل أهداف سياسية عالمية، أم هو بتدبير داخلي، ولأهداف محلية؟ وهل العمليات لمواجهة السياسة المحلية، أم أننا مجرد ساحة لمواجهة الآخر؟ بلادنا أبعد الدول عن المواجهات الأهلية والحروب الداخلية، وما يحصل من عمليات إرهابية، لا تعدو أن تكون تصفية حسابات، وعلينا ترتيب مواقفنا على ضوء ذلك، ومن أحال إلى غير ذلك فقد أسهم في تعميق سذاجتنا.
والتفجير البشع الذي رمَّل ويتم، وقتل الوحيد والحبيب، استهدف مواقع معينة، والمؤشرات تؤكد أن التدبير خارجي، وأن الأهداف سياسية عالمية. والمخططون المنفذون ليسوا ناتج مناهج، ولا سلالة حلقات ولاجماعات، إنه عنف دولي منظم، لا يقدر عليه أفراد بمفردهم، وإذ وقع الفأس على الرأس، فإن علينا مواجهة التداعيات. لا الوقوف عند الوقوعات، وعلينا استثمار الحدث وتداعياته، وتجويد مواجهته، إذ إن كل حدث له آلياته المناسبة له، وليس من المصلحة الاهتياجات والانفعالات، وتبادل الاتهامات. وفي ظل متاهات التأويل: هل نبادر من باب الوقاية إلى تحصين حدودنا، بحيث لا تتسرب الأسلحة، ولا يتسلل المنفذون، أم نحصن أبناءنا، بحيث لا تشكل ذهنياتهم على غير مراد الله؟ وهل من خيارات أولية أو ثانوية تسبق هذين الخيارين؟ وهل المواجهة وقف على (وزارة الداخلية)، أم أن هناك جهات أخرى، يجب أن تشارك في المواجهة أو في الوقاية؟. إن هناك سطواً حسياً على الأرض، وسطواً معنويا على الأفكار، ولابد من تحرف سديد لصد السطوين، ومن ثم لابد من التأسيس لحوار شمولي، تلتقي حوله كل الأطراف، ويعرف المتحاورون مشروعية الرؤى، وحدود الحريات، ومقتضيات الانتماء، ومجالات الاجتهاد وأهليته، وليس من الحصافة أن نربط الإصلاحات الشاملة والضرورية بما نلاقيه من أحداث، فالإصلاحات السديدة لا تحركها الاهتياجات العاطفية، وقد ألمح إلى شيء من ذلك خادم الحرمين الشريفين في خطابه التاريخي يوم السبت، مؤكداً على حتمية المراجعة الذاتية، مستبعداً أن تكون محاولات الإصلاح استجابة لضغوط خارجية، مؤكدا على الخطاب الوسطي المعتدل، مناشداً علماء الشريعة النهوض بمهمتهم الجسيمة.
إن ما بعد الحدث أشد وأعتى من ذات الحدث، وأشلاء المعنويات أخطر من أشلاء الحسيات (والفتنة أشد من القتل) وتعميق الاضطراب في قراءة الحدث أشد بلاء من عقابيله الحسية، فلكم لقيت من يسأل عن الأسباب والدوافع، وعمن يواجهون أمريكا لذاتها، ثم لا يجدون إلا أرضنا مجالاً لمواجهتها، أهم ضد وجودها في أرضنا؟ أم ضد نفوذها في مشرقنا العربي؟ وإذا كان وجودها في مشرقنا مؤذياً، فإن وجودها على أرضنا لم يكن طارئاً، بحيث يستفز أحداً من الناس. لقد عاشوا في أرضنا أكثر من سبعين سنة، ينقبون في الصحاري الشاسعة، لا يرافقهم إلا أدلاء من الأعراب العزل، يستنبطون كنوز الأرض، يأخذون، ويعطون على قدم المساواة، وما سيء لأحد منهم، فضلاً عن أن يُغتال، ولقد عايشناهم في أحلك الظروف، ظروف المد الثوري الاشتراكي، وظروف الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، وما شكلوا عبئاً على خطابنا السياسي، ولا على مركزنا الإسلامي.
وعلينا ألا نسلم للخطابات المجتثة من فوق الأرض، خطابات الإحالة على الإسلام بوصفه مصدر الإرهاب أو الإحالة على المواقف السياسية بدعوى استسلاميتها، أو الإحالة على المناهج تناغماً مع اللوبي الصهيوني. العنف والإرهاب حسب مفهومه الإسلامي لا جنسية له، ولا وطن، ولا عقيدة، ولا زمان، وما اغتيالُ (عمر) و(عثمان) و(علي) إلا ذروة الإرهاب.
والصهاينة في فلسطين يمارسون أبشع العمليات الإرهابية. إننا أحوج ما نكون إلى تحديد المفاهيم، وتجويد التأويل، وحفظ التوازن، والأخذ بالوسطية، وعدم الانتقال من لغة التفجير إلى لغة التفريق. والانتهازيون الذين يحددون طائفة أو عقيدة أو قبيلة أو بلداً أو منهجاً أو فئة بعينها، يزيدون في ارتكاس الأمة في الفتنة، المسألة شائكة ومعقدة، ومن اليسير تكثيف المطاردة والوصول إلى طائفة من الفعلة، وتنفيذ الحكم الشرعي بحقهم، ولكن من الصعب جداً حسم المشكلة، متى استمرأنا تعميق الاختلاف حول قراءة الحدث. إننا بحاجة الى نظرة شمولية، ودراسة مؤسساتية متقصية، ومواجهة صريحة، ومعالجة حاسمة، وتستشرف الواقع العالمي وتحولاته السريعة، وتتوقى بؤر التوتر في العالم، والمسألة في النهاية بقايا لعب، كما الألغام التي يمر بها الغافلون.
ولأن أمريكا ضالعة في أمور كثيرة، فإنها مستهدفة عالمياً، وهي تعلم ذلك علم اليقين، وهي تعلم أن الذين يتربصون بها هم بقايا صنائعها، واستهدافها لا يقتصر على أن لها وجوداً غير شرعي في المملكة، ولا لأنها تهيمن على مصادر الثروة البترولية في البلاد، فوجودها وفق معاهدات دولية، يملك الطرفان حق التصرف فيها، وقد فعلتها المملكة بإنهاء الوجود العسكري بانتهاء دواعيه، والثروة البترولية بيد أصحابها، وقد فعلتها المملكة حين اشترت أسهم الشركة الأمريكية وسعودتها، والثروة خاضعة للعرض والطلب، ونحن أحوج إلى الأسواق من الأسواق إلى خامنا. والدولة مسلمة سلفية، وأمريكا رأسمالية علمانية، وليس هناك تأثير على الثوابت، بحيث يأنف الإسلاميون الذين يحال إليهم كل فعل.
ووجود امريكا في البلاد حسياً أو معنوياً ليس له تأثير على القرار الداخلي، أما هيمنتها على العالم في قراراته الخارجية وخروجها على الشرعية فأمر لا يخص المملكة وحدها. وحين يتأفف البعض من وجودها الحسي فإنها متوغلة في كل بلاد الدنيا: مدنياً وحضارياً وصناعياً واقتصادياً. وحين لا أبرىء أحدا بعينه من الحماقات، فإنني لا أريد التخلي عن الإسلام والأسلمة، لمجرد أن طائفة من المسلمين ضلت الطريق، والخوارج في صدر الإسلام وبخاصة (الأزارقة) منهم كان لهم عنفهم وصلفهم وغلوهم ودمويتهم، ولم يفكر معاصروهم بإعادة النظر في إسلامهم، على أن الواقع المعاش مختلف جداً، إن علينا أن نفكر باللعب وبالثارات، وصدام المصالح ليس غير.
والمواجهات الإرهابية مواجهة مع أمريكا، يتخذ خصومها مواقع عدة في العالم، والمملكة قد تكون واحدة من تلك المواقع. وعندئذ لا يكون التفجير حدثاً مرتبطاً بالسياسة المحلية، وليس منتج تربية وتعليم، وليس منتجاً محلياً، إنه وافد على أرضنا. وإذا شارك بعض أبنائنا في العمليات الانتحارية في المملكة أو خارجها، فليس معنى هذا أن نكون مصدر إرهاب، فهم قد خرجوا من ديارهم سلفيين وعادوا إليها، وهم إرهابيون. ولو سايرنا الجهلة والمتسطحين لقطعنا بإرهاب أربعة ملايين مواطن، وهم مجموع طلابنا، إن علينا مواجهة الحدث بأسلوب لا يقف عند تبادل الاتهامات، متناسياً أبعاده العالمية ودوافعه المتعددة.
أمريكا ضالعة في كل اللعب، منتشرة في كل الآفاق، مؤثرة على كل المصالح، وليس بغريب أن تضرب مصالحها، وأمريكا تعرف أن مواجهتها ليست مواجهة بين (الكفر) و(الإسلام). ومثلما دعمت الجهاد لإسقاط الاتحاد، فإن هناك من يدعم جماعات التكفير والأصوليين لرد الصاع صاعين، وعليها وعلى المتساذجين المغثين بهمزهم ولمزهم أن يقرؤوا الخطاب العالمي بعيون ثاقبة، وأن يعرفوا اللعب واللاعبين. والبأس كله أن تتجاهل أمريكا هذا الواقع المؤلم، والأشد بأساً أن يقع النخبويون في مأزق التضليل ومتاهات التأويل.
|