Monday 19th may,2003 11190العدد الأثنين 18 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نهارات أخرى نهارات أخرى
حق التعبير
فاطمة العتيبي

** منذ سنوات وحين كنت أقف وقبالتي أعين تتوق لأن تنعتق عن العادي والممل والمؤدى بشكل يريد أن ينتهي لا أن يبدأ.
وكان خلفي لوح أخضر وطباشير بيضاء..
كنت أشكِّل منهما حمامة وغصن زيتون ورحلة مع تحريك الراكد وبث الشيء المختلف الجميل..
صوّرت قصيدة أبي القاسم الشابي الشهيرة على عدد طالبات الصف الثالث الثانوي كان ذلك عام 1413هـ وكتبت لهن:
تناولن هذه القصيدة بالتفحص والتأمل وطبقن عليها كل ما درستنه وكل ما خبرتنه في الحياة والإبداع والأدب والسياسة والاقتصاد وعارضنها إذا شعرتن بأن فيها مواضع خلل.. تعلمن كيف تستخرجن اللآليء من المحار والصدفات..
كانت إحدى التلميذات هي ابنة فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وحفظ الله ابنته ووفقها.
وبعد أيام خرجت ابنة الشيخ بعد انتهائي من واحدة من حصص الدرس على فصلها وحدثتني بهدوء وسماحة وقالت لقد كنت أسأل الوالد عن بعض ما في النص وقال إن البيت الأول فيه مأخذ ديني كبير..


إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر

فقلت لها لعلك تنقلين له أننا سنتدارس مواضع الإبداع والزلل في النص وسنتناوله من كافة الجهات وسنقوِّمه وسنخضعه لمدارسة نقدية لا تفصل بين ما هو إبداعي وما هو ديني وفي ذلك تعليم للتلميذات على التمحيص والتدقيق والاستفادة من النصوص الإبداعية مع تقيا التأثُّر بما هو متعارض مع الدين.
وانتهى الأمر إلى هذا الحد..
لاحظ كيف كان الأسلوب في تقديم الملاحظة بدون مجاهرة أو اتهام أو إرجاف..
ولم تعد ابنة الشيخ إلى الموضوع.
وبعد أيام عبَّرت الطالبات عن القيمة الإبداعية ومواضع الخلل في النص..
وجاءتني مهاتفات في منزل والدي من أولياء أمور «عاديين» جداً وكانوا يناقشون بعدوانية وتهم مجانية.
ومن أبسط ما قال بعضهم إن في هذا نشراً للكفر... لم ألتفت لذلك فلم يقل هذا فضيلة الشيخ.. وانتهى الموقف الذي مرَّ عليه الآن عشر سنوات.. دون أن يجعلني أنسى قيمة الحوار وآدابه.
** كنت في كل عام وأنا أودِّع تلميذاتي خريجات الثانوية لا بد أن تكون بينهن من داومت الكتابة الإبداعية أو الرسم أو العمل الصحفي في المدينة الصغيرة الهادئة.
إذ تجد التلميذات قدرة على التعبير ويشعرن بأن هذا من حقهن..
** السنوات مرَّت..
وحق التعبير الذي نعرفه بسماحة الدين وبساطة المجتمع وتواؤمه وهدوئه في تتابع خطواته وجنوحه إلى الاختلاف والسعي إلى تغيير الركود الآسن في النظرة الاجتماعية التقليدية المكرورة..
واختفاء الناس بوعي من يختلف طالما أنه مثلهم في الإيمان بالمسلَّمات واحترام المعتقدات والثوابت.
السنوات.. مرَّت.. والأمور جنحت إلى طرفي نقيض..
** ما الذي حدث الآن؟
حق التعبير الآن..
أين بلغت سفائنه...
هذا الذي نراه في مواقع الإنترنت.. هل يعبِّر حقاً عن تنامي وتطور النظرة الديمقراطية إلى حقوق الناس في التعبير..
هل التعبير أن تكفِّر أو تغالي أو تبيح قتل المسلمين وتجرِّم وتعلمن المجتهدين.. وتعيش في الظلام مثل الخفافيش.
وهل التعبير أن تمس الثوابت وأن تعمم التهم الإرهابية بمجانية على كل المتمسكين الساعين إلى الإصلاح المشتغلين بالدعوة لأن نفراً من المحسوبين عليهم خرجوا عن السلوك السوي..
** لقد نفرت منا مجاميع متطرفة في الاتجاهين وصار لها ظهورها الإعلامي..
والوقت الآن مناسب جداً لمعالجة وكبح جماح الاتجاهين، فالاعتدال والوسطية هو نهجنا..
لا قبول لنا بتطرف من أي نوع وأي اتجاه..
والإعلام مسئول اليوم عن تعديل خطابه والتدقيق في طرحه فلا نريد أن يتحوَّل بعض كتُّابنا إلى فريدمان آخر يرمي بالويل والثبور لكل ما هو مسلم وملتزم، فالإسلام بريء من الإرهاب.. والمسلمون جميعاً ينفرون من القتل والتدمير.. والمتلبسون بثوب الإسلام هم أكثر من شوَّهه وأذاه وفتح عليه النار.
لكن الإعلام بحاجة اليوم ماسة إلى إستراتيجية مدروسة في خطابه.. ولنا عودة بإذن الله.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved