Monday 19th may,2003 11190العدد الأثنين 18 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
إلى كل أب
عبدالله بن بخيت

من المعروف في المداولات الفكرية أن الفكر الخلاق يحول المصائب إلى مكاسب وانفجارات الرياض الآثمة من المصائب التي سوف تساعدنا كثيراً على إعادة النظر في كثير من الأمور الخطيرة التي سكتنا عنها فترة طويلة فمنذ عام ثمانين ميلادية من القرن الماضي دخلنا في تحولات مختلفة أربكتنا وأربكت مسيرة التنمية.
قبل الثمانينات كانت المملكة من أكثر الدول في العالم حركة نحو التقدم والانفتاح بعثات علمية، توسع في الجامعات، ورش عمل بناء في كل مكان، خبراء من العالم يساعدون على نقل التقنية الى المملكة، شباب متفائل بناء، حتى أن كثيراً من الناس كانت تتضايق من جرعات التقدم التي يتلقونها بشكل يومي سارت الأمور في ذلك الزمان بوتيرة متسارعة دون أن يفقد أحد الاتزان أو أن يتنازل عن الثوابت.. تنمية ساهم فيها كل فئات المجتمع بما في ذلك الأقلية المتزمتة، الشيء الرائع في تلك الأيام أن الناس كانت تتعامل مع الدين كجزء من تركيبها الوجداني والثقافي وهو الملف الأخير في الروح الذي لا يطاله تغيير أو تمسه التحولات وليس مجالا للحديث اليومي، فالاسلام في تلك الأيام شيء غير مطروح للنقاش أو التفاهم أو المداولة لا أحد يتذكر أنه كان هناك طبقات إسلامية: شباب ملتزم وشباب غير ملتزم ولا أحد يتذكر ان كان هناك شباب ملتح وشباب غير ملتح.
إذا شاهدت شابا ملتحياً لا يعطيك أي احساس بالتميز وحتى هو لا يشعر بالاختلاف والتميز. من الطبيعي في تلك الأيام ان ترى شلل الشباب باشكالهم المختلفة، تشاهد شلة من الشباب ثلاثة حليقين وواحد ملتح يتضاحكون وينكتون ويقصفون وإذا سمعوا الأذان ذهبوا كلهم إلى أقرب مسجد دون أن يشعر أي منهم بأنه أدى واجباً متميزاً يشكر عليه أو يستوجب من المجتمع أن يمنحه امتيازاً خاصاً يتكبر به على المجتمع لأن الدين شيء متعال في حياة الناس، كل فرد تربى على أن هذا الدين هو حدودي كإنسان، فقولي أنا مسلم كقولي أنا إنسان.
ومن السخف أن يردد الناس أنهم بشر لأن كونك من البشر أمر بديهي لا يحتاج إلى مراجعة يومية ولا تأخذ مكافأة عليه. وهذا هو موقف الناس من عقيدتهم في تلك الأيام، الاسلام لم يكن مطروحاً للنقاش أو العبث أو المتاجرة أو الاستغلال وتحقيق المكاسب، لم يأت أحد يفتح مكاناً لبيع العسل بمهابة دينية أو باستغلال العاطفة الدينية. كلنا نعرف دائما فوائد العسل والحبة السوداء، فالعسل كان يبيعه تجار العسل وهم نفس تجار الأرزاق الأخرى أو الفلاحين الذين ينتجونه، والحبة السوداء إذا أردتها تجدها عند العطارين مثلها مثل الحلتيت والرشاد والنينخا.
لم نكن نعرف أن هناك مكتبة إسلامية ومكتبة غير إسلامية فالكتاب الاسلامي جزء من الثقافة اليومية وليس شيئاً مفصولاً عن سياق المجتمع، لم نكن نعرف صفحات إسلامية مفصولة عن بقية صفحات الجريدة الأخرى، كل صفحات الجريدة في نظرنا هي إسلامية، ولم يكن للدين قيادات ومراكز تجمع واستديوهات واستراحات وكشافة وشعراء ومحاضرون ومعارض دعوية، لا يوجد شاعر صحوة وكاتب إسلامي وهذا من الأحبة وهذا أبو الفاروق فالشاعر كان يغني بقلمه في كل شيء (الحب والحياة والدين والوطن) كنا آمنين مطمئنين حتى ظهر سيىء الذكر جهيمان فانقلب الأمر رأساً على عقب.
ان شباب الأمس الذين أتحدث عنهم في هذا المقال هم آباء اليوم أسألهم بالله هل حافظتم على دينكم بصراخ الكاسيتات وتحذيرات المطويات وشبهة التجمعات والمعسكرات وبالمحاضرات عن غسيل الميت.أرجو أن تكون هذه المصيبة فرصة كبيرة لنعود إلى الروح الإسلامية الخالية من التوجهات النفعية أو السياسية، وأذكر الشباب أن الإسلام في الروح وليس في الشكل.

فاكس: 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved