إن علاج الجريمة ، حتى وقتنا الحاضر وللأسف يكاد يكون مقصوراً على مجرد حجز لمرضى الإجرام في المعتقلات والسجون دون العناية بعلاج نزعاتهم الإجرامية ولذلك نلاحظ أن معدلات الجريمة في ازدياد على مستوى العالم، لأن المؤسسات التي تتعامل معهم لا تزال تستخدم الوسائل التقليدية والتي تتمثل في اعتقال المجرمين والزج بهم في السجون فترة من الزمن لمجرد حماية المجتمع من شرورهم ثم يفرج عنهم بعد مدة السجن وهم أشد حقداً على المجتمع، فيعود إلى السجن مرة أخرى بجريمة أخرى، وهكذا والسبب في ذلك يرجع إلى أننا لم نعالج السبب.
وأن العامل الأقوى للفشل في معالجة الجريمة يرجع إلى الجهل بالطبيعة البشرية، وعدم فهمها على وجهها الصحيح، وبخاصة نفسية الفرد الذي تورط في الجريمة، وعدم تقدير ظروفه الفردية والاجتماعية تقديراً سليماً صحيحاً.
فدراسة العوامل والأساليب التي تولد النزعات الإجرامية هي الخطوة الأولى التي يتعين علينا منطقياً أن نخطوها لعلاج تلك النزعات حتى يستنى لنا تلافيها قبل نشوئها وتجنبها.
وقد دلت تجارب الباحثين في ميدان الجريمة على أن النزعات الإجرامية في أغلب الأحيان تكون وليدة تربية خاطئة في عهد الطفولة الباكرة أو وليدة بيئة اجتماعية فاسدة ولم تدع تجارب تحليل الحالات الفردية للإجرام أي مجال للشك في أن العلاقات العاطفية بين الطفل ووالديه وسائر أفراد أسرته لها صلة وثيقة بما قد يتعرض له في مستقبل حياته من مشكلات نفسية أو أخلاقية.
أما العوامل الاقتصادية ، فإنه لا يجب الإقلال من شأنها كسبب من أسباب الجريمة، فقد نرى جريمة السرقة تُرتكب في الظاهر بدافع الحصول على المال أو المنافع، بينما يكون الباعث الحقيقي من وراء ذلك السلوك هو نزعة انتقامية أو للتعويض بطريقة رمزية عن حرمان عاطفي أو وجداني مكبوت أو كتغطية لشعور باطني بالضعف أو النقص وعلاج النزعة الإجرامية في مثل هذه الحالات يتوقف على كشف العوامل الدفينة المحركة لهذه النزعة واستئصالها عن طريق العلاج النفسي - والرجوع إلى الله - إذاً فالحاجة أصبحت ماسة إلى تجربة وسائل جديدة بجانب عقوبة السجن تكون أكثر فاعلية لعلاج مكافحة الجريمة، فليس من شأن عقوبة السجن وحدها أن تصلح أخطاء التربية وعيوبها بل هذا من شأن الوسائل التربوية الصحيحة وأساليب العلاج النفسي والديني - التي تعمل على إزالة آثار وانطباعات الماضي التي ولدتها تلك التربية وإعادة بناء الشخصية على أساس اجتماعي سليم، إنه ليس من شأن عقوبة السجن أن تصلح أخطاء البيئة الاجتماعية وعيوبها فهذا من شأن رجال الدولة والمصلحين الاجتماعيين الذين تطورت نظرياتهم لعلاج المجرمين فأصبحوا يرون أن ترك العقاب بالجاني يجب أن يكون آخر ما يفكر فيه المجتمع من وسائل الإصلاح والتهذيب.
وإني أرى ضرورة وجود هيئات متخصصة من العلماء الشرعيين والاجتماعيين وفتح عيادات بكل سجن لمعالجة الظواهر الإجرامية والأخذ بيد هؤلاء وانتشال القابلين منهم للإصلاح.
وإني لا أرى من زج به إلى السجون لأي سبب كان أن يحرم من العمل والوظيفة لمدة معينة ولا يفصل من عمله لأن هذا الأمر سيجعله يفكر ملياً بالرجوع إلى الماضي المرير لكي يستحصل على رزقه هو وأولاده لأن أبواب الرزق اقفلت أمامه.
ولابد من تجنب الملل والسأم ليشغل وقته بما ينفعه وأن توظيفه وتوطينه يرفع روحه المعنوية ويزيد من ثقته بنفسه وشعوره بالأمن ويجعله أيضاً يجدد اتصاله بالعالم الخارجي ويوجه الطاقة الجسمية والنفسية إلى اتجاهات صحيحة منتجة بدلاً من توجيهها إلى ارتكاب سلوكيات إجرامية ومخربة ضد المجتمع وهذا ما هو إلا انتشاله من عالم الانطواء والاستغراق في التفكير لإشباع رغباته لأنها إن لم تشبع بهذا شبعت بذاك.
وأتمنى أن يطرح هذا الموضوع للنقاش وإبراز الرأي والتحرك نحو الجيل القادم الجديد بعلاجات للنشء الحاضر والقادم بإذن الله.
وأسأل الله عز وجل أن يصلح شباب المسلمين وأن يهديهم إلى الصراط المستقيم ويحفظهم من كل بلاء وفتنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد.
*الجوف
|