عبر متابعتنا لما يطرح على الساحة الإعلامية المحلية على مختلف المستويات وما يتم تداوله في المجالس العامة والخاصة وكذلك من خلال ما كُتب ويكتب كل يوم في المنتديات الكثيرة العدد على الإنترنت حول موضوع المناهج بين داع للتغيير ومدافع عن بقائها كما هي، خصوصاً بعدما عرف بقاعدة «التسعة عشرية» كما تقول الشرق الأوسط في مقال للأستاذ طراد بن سعيد العمري يوم الاثنين الموافق 12/5/2003م، والمقصود بها خلية القاعدة التي نفذت هجمات 11 سبتمبر أو غزوة منهاتن كما أطلق عليها البعض وكذلك التسعة عشر الذين أعلن عنهم في المملكة وعثر بحوزتهم على أسلحة ومتفجرات بكميات كبيرة ومن ثم التفجيرات يوم 11/3/1423هـ، حيث يتهم البعض مناهج التعليم بأنها هي المخرجة لهؤلاء، فيما تجاوز كثيرون ذلك باتهام المعلمين والمعلمات بتحولهم عن عملهم الرئيس كمدرسين إلى دعاة إلى تبني فكر معين داخل المجتمع التعليمي المحلي. وقد بدأ الكثيرون من القراء والمواطنين بالدفاع عن المناهج وعن المعلمين والمعلمات كأحد طرفي معادلة حيث يعتقدون ان من الصعوبة ان يتم التعديل فيها حيث سوف تختل وتجير لصالح اطراف أخرى، وقد وصل الأمر بالبعض إلى المناداة بما نادى به أحد الفلاسفة العرب منذ قرون بأن الحل في التغلب على تلك الاشكالية يتم من خلال المستبد العادل لفرض التغير.
من خلال تلك المتابعة يتضح يوماً بعد يوم ان التطرف الفكري بدأ يأخذ مأخذه يميناً ويساراً كما هي الحال في المعادلة الاقتصادية للنظام الرأسمالي الغربي حيث مع مرور الزمن يصبح هناك أقلية فاحشة الغناء وشريحة واسعة مدقعة الفقر، فهناك من يرى ضرورة كسر معادلة المناهج الحالية، حيث يرون التركيز على العلوم الطبيعية والعلمية فهي ما نحتاج إليه إذا أردنا المنافسة في هذا الزمان، فيما الطرف الآخر يرى ان لا عز لنا إلا بالإسلام وهذا لا يتم حسب مفهومهم إلا بإهمال العلوم الطبيعية والعلمية والتركيز على طلب العلوم الشرعية والعودة إلى الكتب القديمة التي يرون ان سر نجاحنا في المستقبل موجود فيها، فهي الخلاص كما يقولون، وفي هذا السياق كل يحاول اثبات نظريته بطريقته وأسلوبه دون ان يكون هناك اتفاق على أن هؤلاء المتحدثين من الطرفين هما من خريجي تلك المناهج التي ينتقدونها أو يدافعون عنها وهم أبناء هذا البلد الذي بدأ المسيرة من لا شيء وخلال مدة قياسية أصبح لدينا أكبر نسبة حملة شهادات عليا مقارنة بعدد السكان، حتى أصبح يخيل للبعض انه من الصعب ان تصبح مدير إدارة داخل مصلحة حكومية وليس مديراً لتلك المصلحة إلا إذا توفر لديك شهادة الدال.
في اعتقادي انه يجب ان ننهج نهجاً وسطياً في المقام الأول فلا افراط ولا تفريط، كذلك يجب ألا نحمل التعليم ومناهجه أكثر مما تحتمل، فكل واحد منا قد يكون لديه اخوة تخرجوا من المدرسة نفسها ودرسوا المناهج نفسها وأحياناً المعلمين أنفسهم ولكن في النهاية نجد ان كل واحد انتهج طريقاً يختلف كلياً وقد تصل بهم الحال إلى حد التنافر في الأفكار بسبب هذا النهج الذي تَكّون لدى كل واحد منهم، والكل يدعي وصلنا بليلى.
وتأكيداً لعدم تبسيط الرؤيا في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا المحلي وهو التبسيط الذي نشاهده ونسمعه ونقرأه، يومياً بعد الحوادث الأخيرة، فإنه يمكن سرد العديد من العوامل التي تكون فكر الإنسان المحلي الذي يعتبر حديث عهد بالانفتاح على الآخر مقارنة بالعمر الحضاري بعد تأسيس المملكة، ولدينا في مجتمعنا تجارب لبعض الأدباء ممن دأبوا على تغير أفكارهم وقناعتهم بزوايا حادة طول فترة حياتهم، حيث تتخذ الأفكار أشكال متعددة ابتداء من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن تلك العوامل المؤثرة:
* التربية والتعليم في المدرسة والمنزل.
* الإعلام والثقافة.
* حجم وكثرة الاحتكاك مع الآخرين.
* التجارب الشخصية للعامة مع غياب الموجه العام النموذجي.
وهنا أرغب في الاستطراد في موضوع التجارب الشخصية حيث يعلم الجميع ان الفكر الإنساني في نهاية المطاف هو وليد تجربة الإنسان الشخصية، وهذا يفسر التغير المستمر في الإنسان حتى عندما يبلغ من العمر عتياً، فعلى سبيل المثال لا الحصر فالموظف «في مختلف الهياكل والمستويات الإدارية» الذي أرهق نفسه لسنوات في اثبات نفسه داخل دائرة عمله ولديه طموح مشروع للترقي الوظيفي والحصول على المنصب الإداري من خلال قناعة بأن لكل مجتهد نصيب، وفجأة يجد ان هناك من زملائه في العمل الأقل عطاء أو حتى من الخارج من يأتي على جواد أسود ليخطف المنصب الذي كان يأمل فيه أو الترقية التي يحلم بها لمجرد ان هناك من دعمه بطريقة أو أخرى بسبب نفوذ أو ما شابه فيما يظل هذا المسكين يراوح مكانه، فإن ذلك سوف يولد قناعة جديدة لدى هذا الموظف قد يتبعها فعل حركي غير محمود، ونكون نحن من عبد ورصف له طريق التطرف الفكري الذي قد يعود إلى فكر حركي في أوقات لاحقة كما ذكرت على الرغم من اننا ننادي بنبذه ونحن في الواقع ندعم أسباب بروزه.
من الواجب ان نقر وعلى المستويات كافة ان الفكر لا يتولد من مؤثر واحد «التعليم» فقط، إنما هو نتيجة مجموعة متعددة ومعقدة من المؤثرات سواء الداخلية في النفس البشرية أو الخارجية، وإذا كان لدينا رغبة حقيقية في التغير أياً كان الأسلوب المرغوب لإحداث التغيير، فيجب أخذ تلك العوامل في الاعتبار، والا يكون التغير فقط بهدف إنتاج فكر معين أو التقليل من فكر آخر غير مرغوب فيه، هذا أم المستحيلات إذا كان للمستحيلات أم ترعاها، كما يجب السعي إلى تحقيق الاستراتيجيات العامة للأمة فكما ان للشركات التجارية استراتيجياتها للمستقبل على جميع المستويات نابعة من أهدافها ورؤيتها، فإن للأمم استراتيجيات هي أيضاً أصبحنا نقرأها على الإنترنت للعديد من الأمم الواعية لحاضرها وتخطط بعناية لمستقبلها، ومن ثم ترسيخ النظام الذي يمنح الجميع الفرصة المتساوية وبالتالي يصبح مثل خط الإنتاج في المصانع يخرج المنتجات الجيدة فقط، أما ما عدا ذلك فيسقط في منتصف خط الإنتاج إما لإعادة تدويره مرة أخرى أو لإلقائه في سلة النفايات.
بالتأكيد نحن لا نسعى إلى تحقيق معدلات نمو مادية فقط فهذا ليس هدف الحياة وحده، على الرغم من أهميته، وعند النظر إلى تاريخ النهضة الأوروبية والتمعن بالعصر الأمريكي الحاضر وقريباً المارد الصيني، يكتشف المرء انه لم يأت هذا من تسجيله لمعدلات نمو مادية فقط وإنما من معدلات نمو على جميع الأصعدة الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال رؤية عامة يؤمن بها العامة ينفذها الخاصة.
وفي الختام يجب ان تتم مناقشة التغير انطلاقاً من الأهداف العامة للأمة ومن خلال تحديد أين نقف الآن وإلى أين نريد أن نذهب، وليس لتلبية رغبات قادة الفكر في الطرفين المتضادين إذ يحاول كل طرف كسر يد الآخر والفوز بقيادة التوجه العام أو لمجرد ان المتغيرات الخارجية تحتم علينا التحرك لأنه ان لم نتحرك بدوافعنا الشخصية والمجتمعية فإن أي تحرك هو مجرد تكتيك وقتي وليس نابعاً من خلال خطط مدروسة والفرق بطبيعة الحال شاسع بين الاثنين.
|