* الرياض - اسامة النصار:
قطع مجلس الشورى شوطاً كبيراً من التجربة والممارسة الشورية اساساً ومنهجاً امتدت لاكثر من عقد من الزمن وذلك بعد تحديثه على يد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - ويردد البعض بأن المجلس بحاجة الى مزيد من الصلاحيات والتطوير لاسيما وان قادة البلاد شاركوهم في هذا الرأي في اكثر من مناسبة.
«الجزيرة» استطلعت آراء عدد من المسؤولين والمختصين حول المجلس واعماله وخرجت بعدد من الآراء والاطروحات حول المجلس:
عملية مفيدة
في البداية تحدث لنا في هذا الموضوع وكيل الهيئة الملكية للجبيل وينبع الاستاذ كامل بن سليم بن صالح بن صالح وقال: الحمد لله انعم علينا بنعمة الاسلام هذه النعمة العظيمة الكبرى التي استشرفها مؤسس هذا الكيان العظيم جلالة المغفور له باذن ربه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وجعلها منهجاً ودستوراً لأساس الحكم في المملكة العربية السعودية وذلك امتثالاً لقوله تعالى: {وّتّعّاوّنٍوا عّلّى البٌرٌَ وّالتَّقًوّى" وّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ} [المائدة: 2] وقوله تعالى: {وّأّمًرٍهٍمً شٍورّى" بّيًنّهٍمً } [الشورى: 38] صدق الله العظيم.
ثم جاء من بعده ابناؤه البررة ليدعموا هذا النهج والاستمرار على منواله مما ميز بلادنا رعاها الله على سائر البلاد الاخرى وجعلها محط اعجاب وتقدير من الجميع على تمسكها بهذا النهج الرباني القويم، وهذا هو مجلس الشورى اليوم يخطو خطوات سريعة متلاحقة نحو مستقبل مفعم بكثير من الآمال التي يتطلع اليها ولاة الامر حفظهم الله والاماني التي يعمل على تحقيقها بجد واخلاص ابنائه الاوفياء هذا ولقد كان للمجلس خلال فترته السابقة دور ايجابي تمثل في تحقيق نجاح ملموس في دراسة كثير من المسائل والانظمة والموضوعات الحيوية والهامة والعمل على دعم الصلات الخارجية للمملكة مع الدول الشقيقة والصديقة والدعوة لمشاركة كبار المسؤولين في اجتماعات المجلس واستجلاء آرائهم في مواضيعه مما ساهم في توسيع قاعدة المشاركة الى غير ذلك من المجالات والانشطة.
وفي ظل التوجه الكريم نحو تطوير قرارات المجلس وقدراته وتفعيلها بما يتواكب وتطلعات المرحلة القادمة فان مكونات المجلس الحالية تعتبر ايجابية لكونها تشمل شرائح متعددة من المجتمع تمتاز بالخبرة والمعرفة والدراية والافق الثقافي الواسع الا ان عملية التطوير المستمر وما تتطلبه من نقل تجارب مفيدة تتوافق ولا تتعارض مع اساس المجلس واشعاره اعتقد انه من المفيد الاخذ بأسباب ذلك والعمل على تفعيله بصورة جميلة كمشاركة المرأة وفق تعاليم ديننا الحنيف في فعاليات المجلس الخاصة بها من خلال ماهو معمول به حالياً في الجامعات والكليات باستخدام نظام الشبكة التليفزيونية المغلقة وطرحها لارائها في كل ما يتعلق بها، والاخذ ايضاً بمبدأ النقل الحي لفعاليات اجتماع المجلس عبر قنوات التلفاز وذلك لما سيوفره هذا الاسلوب من آلية حضارية تعكس ما يتمتع به المجلس واعضاؤه من مرونة وشفافية في التعامل مع كل ما يخدم الوطن والمواطن ويعطي انطباعاً ايجابياً للآخرين عن مبدأ الشورى في الاسلام وكيفية التعامل مع قضايا المجتمع، وباعتبار ان المجلس يتولى دراسة جميع الانظمة واللوائح وغيرها من الوثائق المنظمة وذلك من منظور اشمل واعمق ارى من الافضل العمل على اعلان نتائج بعض اجتماعات ومناقشات المجلس في كل دورة من دوراته، وتكوين لجنة مختصة للصناعة تتولى مناقشة امور الصناعيين والمدن الصناعية وكذا مناسبة مناقشة ميزانية الدولة قبل اقرارها ومناقشة الحساب الختامي للدولة.
توسيع الصلاحيات
ومن وجهة نظر قانونية قال الدكتور والمستشار القانوني ابراهيم بن عيسى العيسى حول اداء المجلس:
الاجابة عن ذلك تتلخص في ان المادة «8» من النظام الاساسي للحكم في المملكة نصت صراحة على ان يقوم الحكم على اساس من العدل والشورى والمساواة وفق احكام الشريعة الاسلامية، وهذه مبادئ اساسية مستقرة وراسخة في الوجدان ويجب العمل بها، ومن هذا المنطلق جاء تنظيم مجلس الشورى الحديث بنظام مستقل وبأحكام وقواعد واضحة الدلالة على الغايات والاهداف ومنظمة لاسلوب الاختيار للاعضاء من اهل العلم والخبرة والاختصاص ووفق قواعد الشريعة الاسلامية من ذوي الحل والعقد في المجتمع، وقد وفق ولاة الامر في اختيار نخبة ممن تتوفر فيهم الشروط المذكورة ولاشك ان تقويم اداء مجلس الشورى بما توفر لدي من معلومات من وسائل الاعلام المتنوعة ومن غيرها من الوسائل يكون من خلال تقويم اداء الاعضاء ونتاجهم الفكري في كل ما يؤدونه ويقومون به من واجبات ومسؤوليات، وهذا يستدعي مني ان اوضح رأيي بكل صراحة في اختيار الاعضاء ومستواهم فأقول بأنه كان موفقاً جداً في الدورة الاولى رغم قلة العدد غير انه في الدورتين الثانية والثالثة كان الاختيار اقل مستوى ولذا برأيي الخاص يعود الى ان بعض المختارين مؤهلون علمياً، ولكن تنقصهم الخبرة العملية سواء من الاكاديميين او غيرهم ممن لم تتوفر لديهم الخبرة الكافية في مجالات تخصصهم لصغر سنهم، ولان العلم النظري لا يكفي، بل لابد من الخبرة والممارسات العملية التي ترسخ الاطر العامة والمعرفة الحقيقية التي تتلاءم مع الواقع العملي. وهذا رأيي وان كان صريحاً فان الصراحة مطلوبة اخذاً بالقول المأثور:« صديقك من صدَقَك لا من صدَّقك»، ولذا كان الاداء في الدورة الاولى افضل بكثير من الاداء في الدورتين اللاحقتين من حيث كنه ونوعية الانجاز وكيفيته، وليس على اساس الكم والعدد، ولعل غيري قد ادرك هذا، بل اقول لعل من يقومون بالاختيار الاولى ويساعدون ولاة الامر في الاختيار قد لاحظوا ما اشرت اليه حتى يتم الاختيار على اساس الكفاية والمقدرة بمعايير موضوعية من حيث الخبرة العملية والتأهيل العلمي لان الخبرة تعد من الامور الهامة في الاختيار ونوعية التخصص، بحيث تكون متنوعة ومتعددة حتى يتم تلافي اي قصور او حصول انعكاسات سلبية في الاداء، اذ ان عدد الاعضاء الآن «120» عضواً وهذا العدد يقتضي التنوع في الطرح الموضوعي والنقاش الهادف للحالات التي تدرس للخروج برأيي والنقاش الهادف للحالات التي تدرس للخروج برأي راجح يخدم وينفع الوطن والمواطن والمقيم على حد سواء، وفيما يتعلق بسن او تعديل الانظمة او اصدار القرارات التنظيمية الاخرى بعد دراسة جادة عميقة متأنية تحقق الهدف المنشود، وهكذا بالنسبة للاختصاصات الاخرى المنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من نظام مجلس الشورى. ورغم ما ابديته من رأي قد يراه بعض القراء بمثابة النقد فان هذا لا يقلل من اداء مجلس الشورى الذي قام به اذ انه في مستوى جيد، وكل مواطن واع يرغب في حصول المزيد من التحسن في الاداء اكثر فأكثر، وهذا بلا شك يتحقق ويزداد كلما اكتسب الاعضاء خبرة اكثر مما كانت متوفرة لديهم وقت الاختيار، ولكي يكون الاداء في مستوى افضل يثبت بالدليل الواضح ان الاختيار للاعضاء احسن من الانتخاب في تحقيق «انتقاء» اهل الحل والعقد بدراية ورؤية ممن يمثلون كافة افراد المجتمع بعيداً عن الطائفة والعرقية والقبلية والمواقع الجغرافية في المناطق المتعددة «المدن والقرى والهجر والبوادي» ليكون الاختيار للشخص المناسب من حيث عمله وخبرته فقط، وهذا بلا شك سوف يجعل الاداء بوضع يرضى عنه الاغلبية لان الاجماع صعب تحقيقه.
وحول مناسبة مكونات المجلس الحالية لهذه المرحلة اضاف: مكونات مجلس الشورى عديدة منها الرئيس ونائبه واعضاء المجلس والامين العام والجهاز الفني والاداري، ومن هو خارج مجلس الشورى لا يمكن ان يعطي رأيه بشكل عام عن مدى تناسب هذه المكونات مع هذه المرحلة، لكن يمكن أن يعطي الرأي حول اعضاء المجلس ومدى تناسبهم مع هذه المرحلة، فأقول بان المجلس كان قد تشكل من رئيس وستين عضواً وكان هذا العدد قليلاًِ فأدرك ولي الامر ذلك فزاد العدد بحيث تشكل المجلس من رئيس ومائة وعشرين عضواً بالامر الملكي رقم «أ/78» وتاريخ 1/3/1424هـ اي ضوعف العدد، وهذا التعديل كان له مبرر في رفع العدد حتى تتوفر الكفاءات المؤهلة وذات الخبرة بشكل يستجيب للحاجة التي قدرها ولاة الامر ليكون الانتاج والاداء والعطاء بشكل افضل من ذي قبل، وكما ذكرت آنفاً ان هذا يتحقق بحسن الاختيار لاعضاء مؤهلين علمياً وتتوفر لديهم الخبرة الكافية التي تمكنهم من اداء الدور والرسالة المطلوبة منهم وفق نظام مجلس الشورى، وفي تقديري انه نظراً لان المملكة العربية السعودية كبيرة من حيث المساحة، وان عدد السكان في ازدياد مستمر فان من المناسب زيادة عدد الاعضاء، وتوسيع صلاحية المجلس باعطائه دوراً محدداً للرقابة المنظمة التي تكفل تحقيق الصالح العام ومساعدة ولي الامر في اداء مسؤولياته الكبيرة والمتعددة، وبشكل متطور عالي الاداء ومنسجم مع المتطلبات والحاجات القائمة والمستجدة.
وعن التوقعات في ظل الحديث عن التطوير قال العيسى: التوقع في ظل الحديث عن تطوير المجلس هو ما ينشده كل مواطن واع ومدرك لمهام ومسؤوليات المجلس من اجل تحقيق النجاح والعمل في الحياة بشكل منتظم، ومن ذلك ما اشرت اليه آنفاً من توسيع صلاحيات وسلطات المجلس في اعطائه مسؤوليات محددة في الرقابة المنظمة وزيادة عدد الاعضاء بشكل اكبر مما هو عليه الآن، اما الحديث عن تشكيل مجلس الشورى بالانتخاب المباشر وما ذكر في وسائل الاعلام عن تقديم بعض المثقفين ورقة الى صاحب السمو الملكي ولي العهد بعدد من الطروحات والمقترحات ومنها تشكيل المجلس بالانتخاب، فان هذا يعد تطويراً جيداً لو حصل بمثل ما درسناه اكاديمياً وقرأنا عنه في مطالعاتنا العامة اذ فيه مزايا وفوائد كبيرة من حيث انتخاب نخبة ممتازة من المتعلمين ذوي الخبرة العملية، لكن هذا من الناحية النظرية ممتاز وكلنا يتمناه، لكن الواقع العملي والممارسات التي حصلت في بعض الدول النامية اظهرت ان ذلك يختلف كثيراً عما هو مكتوب ويحصل تجاوزات وانتخابات غير صحيحة يشوبها التزوير والدعايات والترويج الذي يظهر فيما بعد عدم صدقها وغير ذلك من العيوب، وتتحكم فيه الفئات الحزبية السياسية اذ كل يريد ان يصل الى المجلس النيابي او مجلس الشورى او البرلمان حتى ولو لم يكن مؤهلاً له بأي وسيلة، حتى لو كانت غير مشروعة، والتجارب والممارسات العملية في بعض الدول النامية اظهرت ذلك بوضوح، لان المجتمع ليس بالمستوى المؤهل للقيام بدور الانتخاب بكفاءة ونزاهة، وفي تقديري ان هذا يمكن ان يحصل في المملكة فيما لو اقر الاخذ بانتخاب اعضاء مجلس الشورى، ولعل التجارب البسيطة التي حصلت في الغرف التجارية الصناعية والمجالس البلدية ، وفي مجالس ولجان الجامعات تعطي صورة غير واضحة تدل على عدم نجاح عملية الانتخاب، لان هذا يحتاج الى علم وثقافة ووعي تام يؤكد الحياد لدى كل انسان مخول بمزاولة الانتخاب، والانسان الواقعي لا يمكن ان يقول بان الانتخاب المباشر لاعضاء مجلس الشورى يمكن ان ينجح نجاحاً يرضى عنه الجميع او حتى الاغلبية، وقد تحصل فيه سلبيات قد تفوق وتتجاوز سلبيات الاختيار الذي يتم بمعايير موضوعية.
وعن سمات التطوير قال اقول بأن ابرز السمات التي يجب أن تلازم مرحلة التطوير لمجلس الشورى هو زيادة عدد الاعضاء الى «180» مئة وثمانين عضواً، وان يتم توسيع صلاحيات وسلطات المجلس ليقوم بدور فاعل في الرقابة من اجل تحقيق الصالح العام ومحاربة الفساد بما يساعد ولي الامر في اداء مسؤولياته كما ذكرت آنفاً، واذا كان موضوع تشكيل المجلس سوف يستمر بالاختيار كما هو عليه الان فيجب ان يتم الاختيار بمعايير موضوعية واضحة ودقيقة والتحري التام عن الشخص المراد اختياره من حيث تأهيله العلمي ونوعية التأهيل وما يتوفر لديه من خبرة عملية، فضلاًْ عن النزاهة والاستقامة في كل الامور الدينية والدنيوية، وعلى افتراض ان ولي الامر قد اقتنع بالدعوة المنادية بالانتخاب المباشر لاعضاء مجلس الشورى، فانني ارى ان يتم هذا بشكل تدريجي بأن يصدر امر ملكي بتعديل المادة «3» من نظام مجلس الشورى بنص صريح يجعل تشكيل المجلس بانتخاب نصف الاعضاء والنصف الثاني بالتعيين، وهذه مرحلة سوف توضح بجلاء مدى نجاح او اخفاق عملية الانتخاب على انه لابد من وضع قواعد واحكام تنظم عملية الانتخاب من ذوي الحل والعقد، بحيث توضع شروط موضوعية للمرشحين للانتخاب في كل دائرة من حيث التأهيل العلمي والخبرة العملية والتمتع بالجنسية اصلاً ونشأة، والصلاح والاستقامة وان يكون عمر المنتخب لا يقل عن اربعين سنة وبمناسبة ما ذكرته عن العمر فان ما جاء في المادة «4» من نظام مجلس الشورى من ان يكون العضو لا يقل عمره عن ثلاثين سنة، فان هذا قد يكون هو السبب في ان الاختيار لبعض الاعضاء ممن ليس لديهم خبرة عملية كافية كما أشرت إلى ذلك فيما تقدم، وحبذا لو عدل هذا الشرط برفع العمر الى اربعين سنة على الاقل حتى يكون المختار او المرشح للانتخاب قد اكتسب خبرة عملية بعد التأهيل العلمي، وهذا أدعى الى تحقيق الغاية المنشود توفرها لدى العضو، ولا شك ان التطوير للمجلس مطلب اساسي وهدف ينشده ولاة الامر والمخلصون من ابناء الوطن، ولكن قد لا يتم بالسرعة التي يأملها بعض الناس، بل بالتأني الذي يتم من خلال الدراسة والتقويم الدقيق وبخطوات متوازية تحققق النجاح والاهداف المبتغاة، والله الموفق والهادي الى سواء السبيل وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
خطوات تعقبها خطوات
اما رئيس مجلس ادارة جمعية الثقافة والفنون الاستاذ محمد بن احمد الشدي فتحدث عن مناسبة الحفل السنوي في البداية وقال:
تأتي هذه المناسبة الكريمة المتمثلة في حضور ولاة الامر - حفظهم الله - الى مجلس الشورى سنوياً تأكيداً كبيراً على ما يجده المجلس من اهتمام ورعاية بأعماله وما يراد منه لتحقيق عيش كريم للمواطنين في بلادنا العزيزة.
ولعلنا نتذكر في هذا الصدد ما بدأه المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عندما اطلق اعماله برؤية ثاقبة لمتطلبات البلاد مستنيراً في ذلك بالايات الكريمة والاحاديث الشريفة وسير السلف الصالح من امتنا التي حثت على التشاور والشورى في كل امر يهم الشأن العام.
وتنطلق الشورى اليوم من ادبيات عرفت على مر عصور الحضارة الاسلامية العربية العريقة التي حققت للبشرية النور والعلم والثقافة وفتحت لما يوصف اليوم بالدول المتقدمة آفاقاً رحبة للتطور المدني والحضاري بعيد انحسار ثقافي لبلداننا العربية الاسلامية.
ان بلادنا - وهي ترعى الحرمين الشريفين - تعيد للماضي العتيد ألقه وتنفض غبار النكبات التي توالت علينا لترجع للإنسان العربي المسلم عزته وارثه السليب من الخير والعلم، وحقه في العيش بكرامة واعتزاز.
|