الارهاب لغة مبتدعة ووسيلة مستهجنة، وبمفاهيمه الحالية مرفوض ومكروه مهما كانت أهدافه ومراميه، ومثاله الحوادث الارهابية المقيتة بتفجير مبانٍ سكنية في مدينة الرياض «رياض العرب» حصدت أرواح أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة سوى انهم يعيشون في بلد آمن ومطمئن.
إن مثل هذا الارهاب لا يمكن ان يحقق أهدافاً مدعى بها، وهو يستهدف فيما يتسهدفه الأمن والطمأنينة والاستقرار في هذا البلد الآمن الذي تفتقده دول كثيرة متقدمة في تقنياتها وإجراءاتها واستعداداتها، وترجوه مجاميع بشرية تقض مضاجعها الفوضى والاضطراب والقتل والتفكك الاجتماعي في مجتمعاتها.
والهدف من الاعتداءات الارهابية الأخيرة لم يكن بالتأكيد قتل بضعة أشخاص وجرح عشرات آخرين بقدر ما كان رسالة متوحشة تدل على الإصرار على تقويض المثل النموذج في الاستقرار والأمن في العالم، وتدل على العناد والكراهية غير المبررة لكل ما هو صحيح ومستقيم، الأمر الذي يستدعي من كل مواطن ومقيم، ومن كل عربي ومسلم ان يقف وقفة رجل واحد في مواجهة هذا النوع من الإجرام وهذا المثل من الجريمة المنظمة التي يقف وراءها افراد او مجموعات افتقدت لكل حس انساني او بشري، وتحولت الى قطعان متوحشة يهمها فقط إرواء غليلها في الدم البشري المسفوح بلا ذنب او جريرة دون ان تحسب للعواقب او النتائج أي حساب.
إن هذه الوقفة مطلوبة وضرورية اليوم وليس غداً لتبيين الحقائق ومواجهة الادعاءات والبيانات المتسللة من ثقوب منتنة، والوقوف على الأهداف الحقيقية لفاعلي هذه الجريمة النكراء ومخططيها وداعميها، وعدم الاكتفاء بالاستنكار وتبني التحليلات المغرضة والمشوهة والتي غالباً ما تصدر عن جهات مستفيدة من هذه الجريمة وأمثالها.
ومن المؤكد ان هذه الجريمة وأمثالها لا يمكن ان تستهدف فقط دولة بعينها ولا مجموعة محددة بمواصفات معروفة، بل تنتقل وبسرعة الى استهداف القيم والموروثات الموجودة والفاعلة والمؤثرة خاصة في المملكة العربية السعودية، هذه القيم والموروثات التي كانت وما تزال مصدر قلق وإزعاج لأساطين الجريمة المنظمة في العالم.
ولا شك ان التأثير السلبي على هذه القيم والموروثات ستصيب كل فرد مهما كان موقعه في مجتمعه ولن ينجو منها أحد، ولا يتوهم فرد مهما نأت به ظروفه عن الإحاطة بما يجري، أو نأى بنفسه عنها انه سيكون بمأمن عن الآثار السلبية المدمرة للجرائم، الأمر الذي يستدعي التنبه والاستعداد لكل فرد كل وفق قدراته واستطاعته لكي يصطدم المجرم بجدار صلب يدرك معه صعوبة اختراقه، لذلك فإن العزوف عن الاهتمام بمثل الجريمة البشعة في الرياض والوقوف موقف المتفرج منها وكأنه في ميدان كرة قدم او سيرك تسيطر عليه الوحوش الكاسرة، وكذلك سيطرة اللا مبالاة على الجوارح والأحاسيس، وربما بروز ظاهرة التشفي والانتقام ومن ثم محاولة تسييس الجريمة واختراع أبعاد ومرام لها بعيدة عن حقيقتها وبالتالي إلقاء تبعة الملاحقة والمسؤولية على رجال الأمن وحدهم.. إن ذلك خذلان للنفس أولا، ثم خذلان للدولة والوطن والأمة وعدم فهم حقيقة التعاليم الدينية الحقيقية ودور المسلم تجاه أخيه المسلم ثانياً.
وهنا لا بد أن يعلم كل فرد أنه وأسرته مستهدفون مباشرة من هذه الجريمة وممن هم وراءها، وأنهم معنيون في آثارها ونتائجها مهما حاول العابثون تصوير الأمور على أنها محصورة في أمور معينة وأهداف محددة.
أما أن تؤثر مثل هذه الجريمة النكراء على مواقف الدولة وسياستها فهذا أمر بعيد المنال، فإن جريمة هنا وجريمة هناك لا يمكن أن يكون لها دور أو مكان في تحديد استراتيجيات الدول او توجيه سياساتها، وإن الاعتقاد بتأثير هذا النوع من الجرائم على السياسات الثابتة والأوليات المتبعة يعتبر طفولة سياسية وعبثاً فكرياً مكانه الطبيعي سلال المهملات.
إن الإنسان العربي والمسلم في هذا البلد خاصة وفي العالم عامة هو الذي يستطيع ان يحكم على هذه الجريمة وعلى أهدافها ونتائجها.. فهو هدفها ومبتغاها، وبقدر ما يتأثر بها ومنها، بقدر ما يكون تحديد مستوى نجاح هذه الجريمة وأمثالها في الوصول الى ما تريد الوصول اليه.
لذلك فالدعوة موجهة الى كل عربي ومسلم الى ان يرفع صوته مستنكراً ومندداً ومتوعداً لهذه الجريمة ومن وراءها، فالمملكة العربية السعودية ليست كياناً عادياً لكي يمر الإنسان على جريمة تنتهك حرمتها وتلامس أمنها واستقرارها مرور الكرام، فبقدر ما تكون المملكة قوية بدينها وعقيدتها وشعبها ومحبة العرب والمسلمين لها، فسيبقى العرب والمسلمون أقوياء بها ما بقيت هذه الدولة قوية منيعة صلبة مصانة بفضل الله وقوته.
وكذلك ينبغي ونحن نحاول ان نحدد مسؤولية العربي والمسلم وخاصة المواطن والمقيم في المملكة العربية السعودية في مواجهة خفافيش الظلام وصناع الارهاب ومروجيه ان نوجه العناية الى الأسباب التي جعلت من المملكة هدفاً للارهاب والاستهداف والحملات المغرضة التي تكاد تتواصل في الصحف الصفراء وفي دهاليز الظلام وفي أوكار مصاصي الدماء.
إن المملكة العربية السعودية في هذا العالم المضطرب اليوم، ومن خلال حالة انتشار الارهاب تتميز عن غيرها من الدول بوجود ثوابت في كيانها وسياستها وسلوكياتها لم تستطع كل الظروف والأحداث التي أحاطت بها ان تؤثر بها أو ان تغير في إحداثياتها أو أن تحرف مسارها.
هذه الأولويات والثوابت التي يجب ان يعلمها وان يدركها كل عربي ومسلم لكي يعلم الأسباب التي تقف وراء مثل هذه الجريمة وأهداف مرتكبيها ومن هم وراءها، وبالتالي لكي يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه للذود عن هذه المبادئ والثوابت والأولويات ومن ثم المبادرة الى الدفاع عن دينه ووطنه وأمته ومجتمعه وأسرته ونفسه.
وأن من هذه الثوابت:
أولاً: تمسك المملكة المبدئي يعقيدتها الإسلامية ووضعها خارج نطاق أي بحث او جدل تحت أي ظرف من الظروف.
ثانياً: استقلالها الفعلي السياسي والمالي والاقتصادي وتحررها من كل القيود المفروضة على السلوك السياسي والأداء الاقتصادي، وحريتها في اختيار ما يتلاءم مع عقيدتها ويتوافق مع النهج الاجتماعي والأعراف المتبعة دون اخلال بعلاقاتها والتزاماتها الدولية.
ثالثاً: حقها في ممارسة دورها الإسلامي والعربي المركزي، خاصة وهي تحتضن الحرمين الشريفين، وبأنها الدولة العربية الوحيدة التي لا يمكن ان يزايد احد على عروبتها وإسلاميتها.
رابعاً: تأهلها لقيادة العمل والدعوة الإسلامية والدفاع عن حقوق العرب والمسلمين استناداً الى تاريخها الناصع في هذا المجال ومبادرتها الى تبني هذا العمل الجليل النبيل خاصة وهي ترى ما يلحق المسلمين في كل مكان من غبن وظلم وضيم.
خامساً: دورها العالمي المميز الذي حافظت عليه بكل ما أوتيت من قوة حتى اصبح حقيقة دولية اضطرت الكثير من صناع القرار في العالم الى الاهتمام بمواقف المملكة واعتبار هذه المواقف دليلاً على مواقف العرب والمسلمين، ورغبة المملكة في استثمار التقدير والاحترام الدوليين لها في استعادة حقوق العرب والمسلمين وايصال من لا يصل صوته الى المحافل الدولية ومصادر القرار في العالم.
سادساً: تماسك جبهتها الداخلية وتلاحمها في جسد واحد، خصوصاً ان هذه الجبهة ذات تاريخ سياسي واجتماعي نظيف.
فالمملكة هي البلد الوحيد من البلاد العربية والإسلامية الذي لم يبتل بالاستعمار وليس لأذنابه وعملائه ومدارسه الفكرية ومقلديه مكان لا على الارض السعودية ولا في نفسية الإنسان المسلم في السعودية، فهي محصنة ضد كل التيارات الفكرية والحزبية الدخيلة والامراض الاجتماعية المعروفة والمنتشرة في أكثر بلاد العالم.
سابعاً: سجلها الدولي النظيف بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وخلو تاريخها العبق الناصع من كل ما يعتبر ضاراً بالآخرين، وحرصها على ان تكون دائماً الدولة القدوة والمثل المحتذى وعلى ان تبقى في صدارة الدول المتحضرة في العالم.
ثامناً: اعتبار قضايا العرب والمسلمين قضاياها الأولى وذات الأولوية في الدعم السياسي والمالي والمعنوي، خصوصاً قضية فلسطين والمقدسات الإسلامية فيها وعملها الدؤوب على منع تمييع هذه القضايا أو التفريط بالمقدسات.
ولا يمكن ان ننسى ما قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية من دعم استقلال العديد من الدول العربية القائمة حالياً في مشرق الوطن العربي ومغربه، ودعم هذه الدول ومساعدتها على النهوض بنفسها سياسياً واقتصادياً ومادياً.
إننا نعتقد ان هذه الأولويات والثوابت فيها ما يكفي لكي يكون سبباً في استهداف المملكة ديناً وكياناً ورخاء واستقرار، ولكننا مازلنا نعتقد ايضا ان الرسالة التي لم يرد القتلة المجرمون ايصالها والذين يحاولون بعملهم الجبان ان يبتعدوا عنها، نعتقد انها قد بلغت كل عربي ومسلم واصبح الان أمام دوره التاريخي في الوقوف بكل ما يملك أمام هذا الهجوم الشرس دفاعاً عن دينه ووطنه وأمته.
فإن ما يراد بالمملكة العربية السعودية هو ما يراد بالإسلام والعرب والمسلمين مهما اختلفت أفكارهم وتطلعاتهم ومواقعهم ومواقفهم.
فالأمر اصبح واضحاً جلياً لكل ذي عينين ولم يعد يحتمل الاجتهاد والجدل، واصبح الوقوف الى جانب المملكة والمحافظة على أمنها واستقرارها ديناً في عنق كل عربي ومسلم مهما اختلفت المواقع والمشارب، والوقوف صفاً واحداً في وجه الخصوم والأعداء مهما كانوا وحيثما كانوا، ولا أخالهم إلا فاعلين.
{وّسّيّعًلّمٍ الذٌينّ ظّلّمٍوا أّيَّ مٍنقّلّبُ يّنقّلٌبٍونّ}
(*) كاتب وصحفي فلسطيني - الرياض
|