* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد العجمي:
علاقة الخليج بالغرب ليست وليدة اللحظة و لكنها حصيلة لتاريخ طويل من الرغبة الغربية في السيطرة على شئون الحياة في منطقة الخليج.. وما يحدث الآن من احتلال العراق هي سلسلة تاريخية من محاولات السيطرة على مقدرات ثروة الخليج، فالأطماع الأوروبية الأمريكية تعود الى القرن السادس عشر بداية من البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين وأخيرا الأمريكان، كشف هذه الأطماع دراسة ماجستير عن «تطور السياسة الأمريكية في الخليج العربي منذ حرب الخليج الأولى 1988» أكدت الدراسة أن علاقة الخليج بالغرب ليست وليدة اللحظة ولكنها لتاريخ طويل من الاهتمام والرغبة في الهيمنة والسيطرة على كافة شئون الحياة فأصبحت منطقة الخليج منطقة عسكرية تعبوية سوقية تموينية دفاعية عن البترول في المقام الأول، فالأطماع الأجنبية في الخليج ترجع الى فترة بدء العصور الحديثة الأوروبية حيث تعرضت هذه المنطقة الى العديد من الغزوات الأجنبية.
وواضحت الدراسة التي أعدها محمد محمود الطناحي لنيل درجة الماجستير من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس بعنوان «تطور السياسة الأمريكية في الخليج العربي منذ حرب الخليج الأولى 1988» أن البرتغاليين هم أول القوى الأوروبية التي وصلت الى المنطقة أوائل القرن الـ16 الميلادي حيث أسسوا نظامهم في البحرين عام 1521 ثم خرجوا على أيدي الفرس عام 1622 وكان للهولنديين دورهم الواضح حيث أسسوا موانئ شمال الخليج على الساحل الإيراني وفي القرن 18 الميلادي ظهر البريطانيون بعد ذلك و لعبوا دورا كبيرا في المنطقة في ميدان التجارة والسياسة طيلة مائة وخمسين عاماً فهم الوحيدون الذين نجحوا في زحزحة القوى الأوروبية الكبرى من المنطقة.
وأشارت الى أن وجود مضيق هرمز في منطقة الخليج جعلها مطمعا للقوى الكبرى فهو يمثل الطريق الملاحي المؤدي من والي الخليج العربي ومن ثم فإن من يتحكم في هذا المضيق فسيتحكم بالضرورة في حركة النقل البحري في هذه المنطقة فمنذ قرون نالت هرمز شهرة عالمية كبيرة منذ القرن الـ15 حيث تمتعت بازدهار تجاري كبير فلم تعد تقتصر على نقل التجارة من الهند وسواحل شرق أفريقيا الى العالم الإسلامي بل أصبحت الحلقة المهمة في نقل التجارة بين شرق العالم وغربه وأصبحت هي مضرب المثل في الثراء والازدهار و التقدم ولم تتناقص أهمية هرمز أمام البرتغاليين عام 1507 بل تزايدت وتنامت بمرور الأيام فأصبحت الآن من أهم الممرات المائية يعبره في اليوم الواحد ما يزيد على 180 سفينة تجارية وهو المسيطر على حركة نقل النفط المصدر الى أمريكا واوروبا واليابان وباقي دول العالم وتخضع حركة الملاحة في هذا المضيق الى قاعدة حق المرور الحر.
أهم الأحداث
ومن أهم الأحداث الأطماع الإيرانية في بعض دول المنطقة كالإمارات والبحرين وحرب أكتوبر 1973 وما صاحبها وتلاها من قرارات عربية مؤثرة من تقنين انتاج البترول مرورا بضبط لأسعاره وصولا الى حظر تصديره لدول معينة، وبعد ذلك قيام الثورة الإيرانية عام 1979 ومحاولات إيران تصدير الأفكار الثورية أو ما أطلق عليه في حينه «تصدير الثورة» ثم اشتعال فتيل الحرب العراقية الإيرانية طيلة ثماني سنوات ومن ثم معاناة المنطقة من تداعيات هذه الحرب التي استنزفت ثروات دول المنطقة التي دعمت أحد طرفي النزاع فجاءت خسارتها في بعض الأحيان أفدح من خسارة طرفي هذه الحرب، وما صاحب هذه الحرب من محاولات متكررة من قبل القوى العالمية الكبرى للتدخل في شئون المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا حتى كللت بعض هذه المحاولات بالنجاح وخاصة الأمريكية.
كشفت الدراسة أن نفط الخليج لم يشغل بال الساسة الأمريكيين من القرن العشرين وإنما مسألة الحصول على اكبر قدر من نفط الخليج و بأرخص الأسعار وبأضمن الطرق شغلت بال الأمريكيين منذ أوائل القرن الماضي مع ظهور أولى بوارد هذا الكنز في أراضي الخليج ومع نهاية أحداث الحرب العالمية الأولى حيث لم توضح المصادر أية اتفاقيات نفطية حصلت عليها الولايات المتحدة الأمريكية من دول الخليج قبل هذا الحرب وفي الفترة التالية لهذه الحرب خولت أمريكا لنفسها الحق في الحصول على امتيازات بترول الخليج لخبراتها وإمكاناتها الفائقة في مجال البحث والتنقيب حفاظا على مخزونها البترولي وبدأت أمريكا سلسلة الامتيازات النفطية في المنطقة بحصولها على امتياز بترول البحرين عام 1928ثم اتبعته بالحصول على امتياز بترول المنطقة الشرقية بالسعودية في عام 1933.
انفراد أمريكا
ومنذ ذلك التاريخ انفردت شركات البترول الأمريكية بامتياز التنقيب عن البترول في الأراضي السعودية تبعا لرغبة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - كما حصلت أمريكا على امتياز بترول الكويت في عام 1934 وفي المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية حصلت أمريكا على امتياز بترول المنطقة التابعة للسعودية عام 1939 ثم حصلت على مجموعة من الامتيازات البترولية في قطر وسلطنة عمان ومسقط بالاشتراك مع بريطاينا كما حصلت على امتياز المنطقة التابعة للكويت في المنطقة المحايدة بين المملكة والكويت عام 1948، وحصلت على بعض الامتيازات في شركة بترول العراق التي كانت أمريكا تمتلك حوالي ربع أسهمها فترة أوائل الثلاثينيات ثم جاءت خمسينيات القرن العشرين التي كانت بمثابة العهد الذهبي للشركات البترولية العالمية لما حققته من أرباح أسطورية وخاصة الأمريكية منها بل وزاد نفوذها بشكل واضح حتى ارجع البعض انتصار الرئيس ايزنهاور في معركة الرئاسة عام 1953 إلى دعم الشركات البترولية الأمريكية له مما دفع ايزنهاور الى الدفع بسبعة من اقطاب هذه الشركات الى الوزارة التي شكلها بعد نجاحه.
النفط بالأرقام
يوضح الباحث محمد الطناحي أن أمريكا أكثر الدول استهلاكا للبترول يصل الى مليوني برميل يوميا منذ بدايات القرن العشرين ووصل الى ملايين البراميل أواسط نفس القرن وتضاعف بنسبة 300% خلال الفترة الممتدة من (1950-1970) ليصل الى 19 مليون برميل، ويستهلك الفرد الأمريكي 5 ،2 ضعف ما يستهلكه الفرد في الدول الصناعية الكبرى، وتستهلك الصناعة الأمريكية ثلاثة أضعاف الصناعة اليابانية مما جعل أمريكا على اختلاف وتعاقب ادارتها تهتم بدول الخليج فمثلا السعودية تمتلك حقل الغوار الذي تم اكتشافه عام 1948 ومساحته 000 ،10 كيلو متر وطوله 400 كم ويحتوي على نحو 90 مليون برميل ما يساوي ثلاثة أضعاف الاحتياطي النفطي الأمريكي. ولكن هذا الحقل فقط يكفي لسد الاحتياجات النفطية الأمريكية لمدة 25 عاما قادمة على الأقل.
ملء الفراغ
وترى دراسة «تطور السياسة الأمريكية في الخليج» أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت من خلال ترتيبات أمنية محكمة أن تحافظ على مصالحها الحيوية في المنطقة وترعاها وتمكنت من أن تحل محل بريطانيا فور خروجها من المنطقة في عام 1971، وبدعوى ملء فراغ الأمن الذي خلفه هذا الخروج، واستطاعت خلال السنوات الطويلة التي تلت هذا الخروج أن تحافظ على تدفق البترول اليها بكميات مناسبة وأسعار معتدلة وتحملها مسئولية حماية الممرات المائية الدولية التي تنقل هذا البترول من خلالها معتمدة على تواجد عسكري قوي ومؤثر في المنطقة وما حولها.
تستهلك الصناعة الأمريكية ثلاثة أضعاف الصناعة اليابانية من النفط ويستهلك الفرد الأمريكي5 ،2 ضعف ما يستهلكه الفرد في الدول الصناعية الكبرى
|