Monday 19th may,2003 11190العدد الأثنين 18 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

استراحة داخل صومعة الفكر استراحة داخل صومعة الفكر
الرجل الذي أحببته غبي
سعد البواردي

بين الذكي والغبي فاصل تحتار المرأة كي تجتازه.. وكيف تخترقه وتختار.. طبعاً ليس كل امرأة.. الذكي تخافه المرأة وتحترمه.. والغبي تختاره المرأة وتزدريه.. في ذكاء الأول رجولة تشتهى.. وحسابات يُعمل لها ألف حساب وحساب تمثل خطوطا حمراء تدرك المرأة خطورة تجاوزها اذا لم تكن ذكية.. وفي غباء الثاني تغفيل يشتهى.. يحله في المرتبة الأخيرة داخل داره.. يُؤمر فيطيع.. وينهى فيزدجر.. وتملى عليه الارادة فيتقبلها دون تفكير.. انه صيد ثمين للمرأة اللعوب القوية البأس.. التي تؤمن بالمقولة الدارجة «حمار تركبه ولا حصان يركبك». لا أدري لماذا أختار منار هذا العنوان.؟ ولمن؟ وأين هي الدوافع والأسباب المسوغة له؟ على أية حال اخال ان الاختيار سوف نستبين معالمه من خلال استقرائنا لمجموعته الشعرية «الرجل الذي احببته غبي» بعد اهدائه الخاص لديوانه تواجهنا احاسيسه المتحررة دون قيود:
«أبحث عن رجل ذكي.. ولا أجده
كلما اقتربت منه. هرب مني
واتهمني بالجنون..
يعتقد ان الحب ضعف بلا قوة
اشعر بفقر الحب داخلي
افتقده.. اناديه فلا يستجيب
لقد امتنع عني
وعن الآخرين أيضاً
صرت سجينه لا احتمل الألم.
أصبحت شريده»
ربما لهذا الصد من الأقوياء كرهتهم.. لم تجد البديل الذي ترضى عنه.. ما زالت تبحث عن صيدها السهل الذي لا يهرب منها.. وانما يلهث خلفها كالحيوان الأليف..
«ذهبت إلى الطبيب كي يعالجني من حالة حب ميئوس منها
حب بلا حدود.. يطاردني.. يؤرقني..
فتصوَّرَ انني أريد شخصاً يحبني
اثنتا عشرة ساعة في النهار
وأخرى في الليل.. اندهشتْ
كيف يا طبيبي لا تفهمني؟!
لماذا تظلمني؟!
فينوس نفسها لا يمكن ان تطلب ذلك من احد
قالت لطبيبها الذي لم يفهمها.. لم يقرأ خطاب شكواها ان بداخلها امرأة متمردة تشتتها، تهدهدها.. تفرض نفسها عليها.. تحأول هي مقاومتها بكل ما تملك من أسلحة بدائية. بطفولتها.. ببراءتها.. بتلك المرأة التي بداخلها وقد سيطرت على مشاعرها وأخذتها بعيداً عن الأرض في رحلة أحلام حلوة كيف لا وهي امرأة تعرف كيف تحمي وجدانها.. ارادتها وكبريائها.. كرهت وصفة الطبيب وكرهته معها.. كانت البداية لكره الرجال الذين يفكرون في خبث.. أي في ذكاء غير مرغوب به. انها مشردة حائرة.. ما زالت تبحث عن حلمها الضائع في كل زمان ومكان.. أحياناً تناجيه وتناديه في سباتها:
«كالحلم أنت يا حبيبي
اناديك. ولا تستجيب
لم تعد هنالك كما كنت لتؤنس روحي. ووحدتي
لقد أصبح سكني متعبا
لا أجد راحتي فيه..
أين أنت؟
أريد ان أراك.. وأعرف مكانك»
قررت ان تجده وان تحدد عنوانه، فهل استطاعت؟ عن طريق الكلمات كانت البداية:
«أكتب إليك من عالم آخر
انتظرتك طويلاً.. ولم تجيء
إلى متى ستظل تعذبني
إذا كان القلم سيربطني بك مرة أخرى
لن أتركه من يدي أبداً..
أنت راحتي»
واستطردت في خطابها الطويل تشعره بلذة العذاب والأمل.. كيف قُتلت احاسيسها كل هذه الأعوام واختفت في دواخلها دون ان تدري.. كيف تحملت اثقال العذاب من أجله وبدونه.. هل انه حقيقة أم وهم؟
وفي صحوة حب جارفة تخاطبه:
«نعم أحبك..
احببت قلبك. وعقلك. وطموحاتك
احببت فيك أشياء
قد لا يراها الآخرون
ولكني وجدتها داخلك
احببت ذاتك فقرأتها
تمعنت فيها وغبت في اعماقها»
وللوهلة الثانية يتملكها الشرود والصدود لا جواب على رسالتها.. ولهذا ولانه قوي كرهته.. خطاب آخر ربما لرجل قوي آخر تقول كلماته:
«معك لا يوجد زمن
فأمسي.. ويومي. وغدي
أصبح شيئاً واحداً
عالجتني بالحب. وشُفيت
لماذا لم تأت إلي من قبل..؟
أراك في الآخرين»
ولانه غائب لا سبيل إلى مشافهته كان عليها ان تخاطبه من خلال المقربين إليه:
«أراك في الآخرين
أخاطبك من خلالهم
اشعر بالتوحد
فوحدتي معك بالآخرين
أعظم ما في الوجود
ولكني بدونك اشعر بالتشتت»
على هذا النسق والمنوال يمضي فرحات في طرح نثره الفني الوجداني على شكل رسائل تصب في مجرى الوجد.. والعتب. والصدود.. والغضب.. وربما الكراهية من الجنس القوي الذي لا يجيب ولا يستجيب..
«عرفت من أنتَ
رأيتك بقلبي، وروحي
قبل ان أنطق اسمك
أصبح لك مكان
تختبىء فيه مني
تشربت بواطني فيك
حتى وجدت شمسك
تمتد في الآخرين لأجلي
بدونك تائهة ومحرومة»
تيه، وحرمان لا يهادن، ولا يرحم.. أهو ذنبها.. أم ذنب غيرها ممن تعاتبهم برسائلها ويعاقبونها بصمتهم..
انه في نهاية حب يعقبه كره.. هكذا المرأة حين تحس بالاهانة والمهانة وبالذات ممن هو أقوى منها
وأقدر على الصد والرد..
«في بحر من العسل سقطت
وبك التصقت
كيف أخلص منك
ساعدني»
هل انها بداية الخلاص من شرورها وتشردها.. لا أظن فالدرب ما زال طويلا في رحلة عذاباتها
«أخيراً.. أحببت نفسي
كنت أبحث عنها بين الأشياء
والآن وجدتها فيك
في صوتك وصمتك
في أحزانك وآلامك
تأكدت كثيراً انك تشبهني
وأحياناً تكملني
هل أنت النصف الآخر
الذي كنت أبحث عنه؟!!»
لم يجدها البحث.. ولم تشفع لها المناجاة في كل رسائلها.. كان طريقها مسدوداً. مسدود بحائط الصد ولهذا تكره رغم حبها.. لانها امرأة تبحث عن حياة ما زالت في طي الانتظار.. «أنا وأنتَ في النار» عنوان شارد يتحدث شريدة تبث شكواها المر لمن غدر بحبها.. وقلبها.. وهرب
«افعل ما تشاء
لم يعد هناك ما يعنيني
قالوا عنك فنان
لا تلتفت الا لنزواتك
الحب عندك انتقام
من ماض ليس بالبعيد
ضعيف.. هش
لا تحتمل القش.
تطير بعيداً مع أول نسخة
وتقع أسيراً لكل لمسة
ثم تهرب»
حكاية هروب.. بل هروب عاطفة صاخبة لا تنتهي إلا إلى المزيد من الكراهية والقطاعية.. هكذا الحب الذي لا يزين العقل مقاييسه.. ولا يضع توازناته.. ولا يرسم خطوطه المثلى القائمة على المشاركة النبيلة..
«يا ابن آدم
لن اسألك من أنتَ؟
يكفيك انك عرفت من أنا»
وهربت.. هذه الجملة الأخيرة من عندي جريا على العادة.. اما الآتي فمن عندها لحظة غضب:
«معك.. أو بدونك
لم يعد هناك فرق»
بلغ منها السيل الزبى.. واليأس اقصاه.. إلى درجة التهديد بالترويض لمن خان عهده
«يوماً ما
يوماً ما سأتعلم
كيف أروض الأسود
وأصارع الثيران..»
لن أيأس أبداً»
رسالة اخطار.. وانذار لمن يهمه الأمر.. وهمو كثر..
«أحياناً تقاوم الجرح بالألم
حتى يلتئم
لكن إذا ظل ينزف من الداخل
كيف نداويه؟!»
سؤال تطرحه على نفسها تدع الاجابة عليه للآخرين ممن في اسماعهم وقر لانهم لا يتألمون..
«قلبي يشع بالنور الإلهي
بالحب الأعظم
لا أعرف كيف أصف هذا البريق الداخلي
بالكلمات أحببته
منذ أبصرت على نوره
علقت عيناي على نجومه
صرت احدثها
استعطفها لتنير لي طريقي
ناديته دائماً..
في قيامي.. وفي منامي
وجدته داخلي
عشقته..
وتمنيت ان أجد حباً حقيقياً على الأرض
ولكني فشلت..»
لقد ثابت إلى رشدها وعقلها.. هكذا يبدو من خطابها الشعري.. وهكذا عادت لتفسر لنا الحب من خلال رؤيتها الذاتية ونظرتها إلى الحياة الحب والحب الحياة
«الحب هو أنا.. وأنت
المرأة والرجل
الضعف. والقوة
العفو والانتقام!
الأنوثة. والرجولة
العذاب والأمل
العبد. والسيد
الروح والجسد
العاطفة. والعقل
السلام، والأمان
العطاء والرغبة
الرقة، والعنف
الصدق، والكذب
الكبرياء، والتواضع
هكذا ترى واقع الحب المعاش المليء بالوفاق والشقاق.. أو هكذا يرى الشاعر منار فرحات باسم بطلة اشعاره.. قد نتفق مع البعض منها وقد نختلف مع البعض الآخر.. حتى في رسائلها إلى الرجل الذي أحببته ووصمته بالغباء.. ربما كان ذكياً في نظرها لو انه إلى جانبها سهل القياد.. الغباء ليس ملكا للرجال وحدهم ومثله الذكاء. النساء أيضاً يشاركن في كلتا الصفتين بمقياس العدل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved