هؤلاء الذين يثيرون الاضطراب والحيرة بما تسطِّر أقلامهم من أوهام وأحكام متسرِّعة على المواقف والأشخاص، هؤلاء الذين ينفثون في حروفهم من الأفكار المسمومة، والآراء المتحاملة، والعبارات المحمومة المسكونة بالمغالطات وقلب الحقائق، وتشويه معالم الموضوعية والصدق، هؤلاء الذين يكتبون عن دينهم بروح مزعجة مخيفة توحي بأن الوهم قد تمكن من عقولهم، والانحراف قد سيطر على أفكارهم، والمرض قد تغلغل في قلوبهم، هؤلاء الذين يصابون بما يمكن أن نسميه «جنون التحامُل» حينما يتعلَّق الأمر بعمل شرعي، أومؤسسة دعوية، أو جماعة خيرية أو موعظة دينية، أو منهج دراسي للتخصصات الشرعية في المدارس والمعاهد والجامعات.
هؤلاء الذين تصيبهم صعقات كهربائية قوَّية حينما يسمعون صوت خطيب مسجد، أو مقرئ قرآن، وحينما يرون كتابة كاتب يدعو إلى الالتزام بالإسلام التزاماً داعياً يربط صاحبه بمسجده وقرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحينما تلمح أعينهم سيّارة كتب عليها «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أو يرون مسلماً ملتزماً أعفى لحيته وحفَّ شاربه وقصَّر ثوبه، هؤلاء الذين يؤذون مشاعر المسلمين بأساليبهم التي تنبئ عن نفوس غير مستقرة، وقلوب غير مطمئنة.
مَنْ هؤلاء يا تُرى؟ ولماذا يجري منهم ما جرى؟ من أي مصدر يتلقون ما تدسه أقلامهم من سموم، وعن أي منج يتحدثون، ولحساب من يكتبون؟ أين الموضوعية في الطرح، وأين المصداقية في الكتابة؟ وإلى أي هدف يرمي هؤلاء وعلى أيّ الجبهات يقفون؟
إن معالجة الأخطاء مطلب شرعي ينطلق من قاعدة «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم» ومن قاعدة: «وجوب الأخذ على أيدي من يريدون خرق السفينة حتى لا تغرق بهم وبغيرهم» كما ورد في الحديث الشريف، وأن وجود الأخطاء في بعض أفراد الأسرة، أو الجماعة، أو الدولة، أو الأمة لا يعني أن الدنيا قد انتهت، وأن الجماعة أو الأمة قد انحرفت بانحراف بعض أفرادها.
ولا يمكن أن تعالج الأخطاء بالإثارة، وتقديم سوء الظن، والحكم الأعمى الذي لا يستند إلى دليل، خاصة في مجتمع كمجتمعنا، وبلاد كبلادنا - حرسها الله من المرجفين-.
إن المجالات مفتوحة لمعالجة الأخطاء، وطرح الآراء، وتحقيق مبدأ العدل والموضوعية في المناقشات وإصدار الأحكام.
لكن المشكلة الكبرى تكمن في هؤلاء الذين لاهمَّ لهم إلا الإساءة إلى الوطن باسم رعاية الوطن، وتمزيق شمل المجتمع باسم جمع الشمل، ونشر الظنون السيئة بين الناس باسم بيان الحقائق، وصراحة الطرح الإعلامي، المشكلة تكمن فيهم لأنهم من أبناء الأمة الإسلامية، ومن أفراد المجتمع المسلم، ولكنهم يقومون بدور كبير في تمزيق شمل الأمة، واشاعة الحيْرة والاضطراب في المجتمع المسلم.
هؤلاء المرجفون الذين ينسبون كل عمل إجرامي إلى المسلمين، ويستسلمون لأحقادهم التي تأكل قلوبهم، فيقولون ويكتبون ما لا يقبله عقل عاقل، ولا يميل إلى تصديقه صاحب وعي وعلم وبصيرة.
ما علاقة التفجيرات بمناهج التعليم، وما علاقة الإرهاب بمؤسسات الدعوة والإرشاد؟ ان الواقع يشهد أن أساليب هؤلاء المرجفين لا تقوم على دليل، ولا تستند إلى حُجَّة، وإنما هي أفكار عششت في عقول سكنها الوهم فأصبحت ترى الحق باطلاً، والباطل حقاً.
مَنْ هؤلاء المرجفون، ولماذا يرجفون؟ ولمصلحة من يتحركون؟
هل هم من الذين يرتبطون بجهات خارجية وسفارات أجنبية وفق اتفاق يتم من خلاله التنسيق لشن حملات على الدين وعلمائه ومؤسساته. في أوقات الأزمات والاضطرابات؟ أم أنهم من المخدوعين ببعض الأفكار التي تشبعت بها عقولهم، وأوغرت صدورهم، فأصبحوا يهرفون بكلام كثير ليس بينه وبين الحق والعدل والموضوعية صلة، وليس له في عالم الإنصاف مكان؟
أم أنهم من الذين يشاع بين الناس أنهم باعوا قلوبهم للهوى والشيطان، وأغرتهم وعود خلابة من أعداء الإسلام، ومكافآت مجزية يتلقونها من دول ترسم لهم طريق الارجاف والتهويل والتضليل؟
أم أنهم مجتهدون مشغولون باجتهاداتهم وفهمهم للحياة، وأن ما يقولونه ويكتبونه نتيجة لاجتهاداتهم الخاطئة؟
في كل الحالات المتوقعة لهؤلاء لا يجوز أن يتهاون أهل الرأي والعلم بشأنهم، فلابد من توجيههم وبيان الصواب لهم لأنهم يشكلون خطورة على الدين والوطن والأمن، ولأن البلبلة التي تحدث عند الناس بسبب كتاباتهم المغرضة المتحاملة ربما تكون سبباً في تفريق شمل نحن بأمسِّ الحاجة إلى اجتماعه، وتمزيق صف نحن بأمسِّ الحاجة إلى التئامه، إن تفجير البيوت، ونسف الأحياء السكنية جريمة نكراء تدل على انحراف، وان تفجير القلوب ونسف العقول بما يسيء إلى الدين والحق والعدل والانصاف جريمة تدل على انحراف، وسكوت أهل الرأي والمشورة وأصحاب المسؤولية عن الانحرافيين تقصير لا يستهان بنتائجه، نحن - ولله الحمد - مجتمع مسلم واضح الأهداف، صافي المنهج، سليم المعتقد، مستقر الروح، مستقيم التفكير،هكذا علمنا ديننا الذي يهاجمه - مع الأسف من باعوا أنفسهم لأهوائها ورغباتها.
الدين الإسلامي لا يدعو إلا إلى الخير، ولا يقود الناس إلا إلى الخير، وإنما تكمن المشكلة في نفوس المنحرفين من أصحاب الغلو في الدين والتنطع فيه، أو من أصحاب التفريط في الدين، والخروج عن طريقه المستقيم.
إشارة:
تموت المبادئ في مهدها
ويبقى لنا المبدأ الخالد
|
|