Sunday 18th may,2003 11189العدد الأحد 17 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مأساة الوطن مأساة الوطن
د. زاهر بن عواض الألمعي *

قتل الأبرياء وسفك الدماء وتدمير المنشآت والاقتصاد والإضرار بسمعة الوطن والمواطن مأساة عظيمة، وكل هذا داخل في الفساد والافساد في الأرض، ومهما كانت المبررات أو النوايا فإننا نجزم انها ضلت سبيل الحق وتنكبت صراط الله المستقيم، وما جرى في الرياض من تفجيرات امتداد لذلك العمل المنحرف.
إن مصيبتنا كبيرة عندما يخسر المجتمع شريحة من أبنائه نتيجة تصور خاطئ أو فكر منحرف يقود إلى الهلكة في الدنيا والآخرة.
إن قتل الأبرياء محرم بنصوص الكتاب والسنة، وإذا كان ولي الأمر قد أبرم عقوداً أو معاهدة مع دول أو شركات أو أفراد وجب على المواطن احترام هذه العقود والمعاهدة، كما قال تعالى: {وّأّوًفٍوا بٌعّهًدٌ اللهٌ إذّا عّاهّدتٍَمً } والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في علم الأصول.
إن الإسلام يضمن للمقيمين والمستأمنين في بلاد الإسلام كافة الحقوق من صيانة الأنفس والأعراض والأموال والكرامة الإنسانية مما يجعلهم سعداء في أوطان المسلمين، وخلط الأمور بعضها ببعض جهل وضلال، وانحراف في التفكير والمنهج، فالجهاد أمر مقدس ولا ينتهي في هذه الأمة حتى تقوم الساعة، ولكن من الذي له الحق في الأمر بالجهاد؟ ومتى؟ وكيف؟ وما هي الضوابط الشرعية والميادين التطبيقية لذلك؟
إنهم يسمون ما قاموا به من تفجيرات في الرياض وغيرها جهاداً ضد الأعداء، ونحن نسميه تخريباً وأعمالاً عدوانية ضد الوطن والمواطنين والمقيمين على أرض المملكة العربية السعودية، نسميه افسادا في الأرض، وتجاوزاً لحدود الله، إذ انه قتل للأبرياء وسفك للدماء، وترويع الآمنين والمستأمنين، وتدمير للمنشآت في وطننا الغالي.
إذاً: هناك اختلاف ولابد من طرف ثالث نحتكم إليه، ونعرض عليه ما أشكل حتى يتبين الحق من الباطل والرشد من الضلال فنلتقي على الصواب، ولا شك ان الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فإذا لم يقبل أحد الطرفين منطق الحق والعدل فهي المفاصلة بين طائفة المؤمنين المستمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه جماعة المسلمين، وبين الفئات المنحرفة التي تناست هدي الإسلام ومقرراته الشرعية.
وقد أمرنا الله تعالى إذا اختلفنا في شيء أن نرده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر منا وهم الحكام الذين بأيديهم أمر السياسة واتخاذ القرار وإلى العلماء الذين يعرفون الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية في المصالح والمفاسد، وقاعدة ارتكاب أخف الضررين قاعدة شرعية عظيمة والذين يقدرون ذلك هم أولو الأمر من الحكام والعلماء.
ورد الأمر إلى الله يعني كتابه الكريم وهو القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ورد الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته إلى شخصه الكريم، وبعد وفاته إلى سنته المطهرة، وفي الرجوع إلى العلماء وأهل الشأن من المسلمين.
فلابد للمسلمين من مراجع علمية تصدر عنهم الفتيا والأحكام الشرعية بعد مداومة النظر في الأدلة وتقليب الأمور بحسب القواعد الشرعية في المصالح والمفاسد.
من هنا نعلم ان أي عدوان على المواطنين أو المقيمين المستأمنين في هذه البلاد هو نوع من الحرابة وانه اخلال بالأمن وتعريض البلاد للفتن والمخاطر الجسيمة، وهو مخالف لسماحة الإسلام وما عهد في بلاد المسلمين في مختلف العصور الإسلامية.
ويعلم ولاة أمرنا حفظهم الله ان الملك عبدالعزيز رحمه الله عندما وحد هذه البلاد جعل أركان حكمه تقوم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وسار أبناؤه على هذا المنهاج، ورضي الشعب بذلك بجميع فئاته، ولهذا فإن هذه الأحداث لن تؤثر على الثوابت من ديننا ولا على مسيرتنا، بل ينبغي ان تزيدنا عزيمة واصرارا على وحدتنا الوطنية والوقوف في خندق واحد أمام أي عدو من الداخل أو الخارج.
ونحن في هذه البلاد نرى ان من واجب أهل الحل والعقد من المسؤولين والعلماء معالجة هذه الظاهرة بهدوء وفتح مجال الحوار بغية صيانة الجبهة الداخلية وسلامتها من الأفكار المنحرفة، وقد حاور عبدالله بن عباس رضي الله عنهما الخوارج بغية هدايتهم ورجوعهم إلى الحق.. ان تصحيح المسارات ينبغي ان يعتمد على توحيد الكلمة وجمع الشمل وإذا وجد خطأ أو انحراف فردي أو جماعي فيعطى أهل الاختصاص من العلماء ورجالات الفكر فرصة المساهمة في معالجة هذه الظواهر بطرق ايجابية تبني ولا تهدم وتجمع ولا تفرق، وان يكون الحرص على هداية الضال أو المنحرف مقدم على ادانته، ويكون آخر الدواء الكي كما يقال..
ولا يظن قريب أو بعيد ان المواطن السعودي مهما اختلفت وجهات نظره انه يرضى بالمساس بأمن هذا الوطن الغالي فهذه خطوط حمراء يلتف الشعب السعودي بجميع فئاته حول قيادته عند الأزمات.
حفظ الله هذا الوطن من كل مكروه، وأعزه بالإسلام وجعل هامات أهله مرفوعة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.

* أستاذ جامعي وشاعر وعضو مجلس الشورى سابقاً

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved