Sunday 18th may,2003 11189العدد الأحد 17 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التفجير وأزمة الحوار التفجير وأزمة الحوار
د. محمد بن علي آل خريف

لا جدال ان الشرع والعقل يرفضان أعمال العنف التي تستهدف مقدرات وأمن المجتمع مهما قيل من تبريرات، ولقد أكد الشارع الحكيم سبحانه على حفظ الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال، لأنه بحفظها تستقيم الحياة، ويسود الأمن، بل تزدهر ينابيع الدعوة والهداية، فليس مع الخوف إلا الفوضى وما يتبع ذلك من تشرذم وفرقة تمزق الصف وتعطي العدو المتربص ثغرات يتذرع من خلالها لتحقيق مآربه وأهدافه الشريرة. إن من له أدنى نظر في الشرع والعقل يعلم ان أي فعل لابد له من تبعات تحقق مصالح أو تجلب مفاسد، ولأنه ليس هناك فعل يتضمن خيراً محضاً فإنه لابد من مفسدة في أغلب الأفعال، وحينئذ تأتي الموازنة الراشدة بين المصالح والمفاسد، لكن دعونا نتساءل: أي مصلحة ستجلبها هذه الأفعال؟ إن مفاسدها متحققة لا على المستوى الداخلي فحسب، بل وبشكل مؤكد على المستوى الخارجي الدولي، فالعدو الخارجي يتربص بهذه البلاد وسيحرص على استثمار الحدث لتحقيق مآربه تجاه هذه البلاد مستهدفا قيمها ومقدراتها، لكن هل يعي هذه الجوانب من يقف وراء هذه الأحداث؟ إن المشكلة الأولى التي أرى أنه ينبغي ان تأخذ منا حيزا من الاهتمام هو تحقيق الوعي الشرعي والواقعي بفقه هذه المعاني لادراك أبعاد وتأثيرات كل فعل قد يعني لأي منا القيام به تحت تأثير وهم أنه يخدم مصالح الاسلام أو المجتمع، إن الحماس لفكرة وتبنيها لا يكفي للحكم برشاد هذه الفكرة وصوابها، إن المحك والميزان في شرع الله المحكم في الحكم على ذلك هو مدى تحقق المصلحة المؤكدة من هذه الفكرة والفعل المراد الاقدام عليه، إن مدار أحكام الشرع تدور مع المصلحة العامة للأمة وليس لمصالح ذاتية أو فردية، هذه المصالح لا يقررها أي أحد فرادى أو جماعات بل تتقرر من أهل الرأي والعلم ممن رضيتهم الأمة وقبلت أحكامهم على شؤونهم العامة عن طريق اختيار شرعي منظم لأهل الحل والعقد لأنه ليس لكل أحد أن يقرر أمرا من أمور العامة وإلا آل الأمر الى عبث وضياع.
لقد أفرزت هذه الأحداث شواهد تدل على عمق الأزمة التي يعاني منها المجتمع في علاقاته الثنائية والجمعية، إننا بدل ان نقيم المشكلة ونضعها في اطارها الصحيح ثم نتواصل لخلق مناخ مناسب للمعالجة الناجحة استعضنا عن ذلك بالتحارش والامعان في صب النار على الزيت، دون وعي لأبعاد هذا السلوك، إننا في غنى عن توسيع دائرة الصراع وخلق عداوات جديدة، إن ذلك يمثل هروباً الى الأمام، واعطاء العدو الخارجي ذريعة لفتح شهيته الجامحة للتدخل، إن هذا الكلام ليس تخيلا بل الواقع يرسخ مصداقيته، ينبغي علينا ونحن نستشعر المسؤولية كأمناء على هذا الوطن وشركاء فيما يصيبه من سراء أو ضراء إن نحرص على ما يجمع الكلمة ويوحد الصف ضد العدو المتربص، إن المنبر الاعلامي ليس خطاباً فردياً محدوداً بل هو حق عام ليس لكل أحد ان يعتلي منبره ثم يصول ويجول في كل فن دون وعي لتبعات ما يطرح من أفكار، ينبغي ان نكبح جماح عواطفنا وقناعاتنا الشخصية، التي قد يكون لها على مر الزمن ونتيجة لتراكمات وتفاعلات متلاحقة آثار مدمرة في خلخلة الصف وتعميق الأحقاد والضغائن، إن زمن الفتن لا يصلح للخوض فيه كل من تعلم الكتابة وتسنم منبراً اعلامياً، ينبغي ألا نكون كما قال الأول ظاهرة صوتية، وإن أول الفتنة كلام!.
إن المتابع لما يطرح في سياق هذا الحدث ليتملكه العجب من سذاجة وقصر نظر، حولا الحوار الى صخب وشجار صبياني، يتسنم زمامه كثير من الغوغاء من أجل تصفية حسابات فكرية أو لتحقيق ثارات شخصية، على حساب الأمة ومصالحها العليا، إن المشكلة من التعقيد والتشابك بقدر لا يمكن حصره في إرث ثقافي داخلي أو مستورد، ولا يمكن عزله عما يجري من أحداث عظام على المستوى الدولي، إن المعالجة الحقة ينبغي أن ترى بعين البصيرة الشاملة والموضوعية لكافة أبعاد المشكلة ومضامينها، وأخال المسؤولين عن هذه البلاد بما لديهم من مخزون حضاري وتجارب ثرية بما يمكنهم من المعالجة الحكيمة التي تمكن لهذه البلاد مزيداً من الأمن ووحدة الصف والتمسك بالثوابت، بما يفوت على كل حاقد أو مفتون تحقيق مطامعه وأحقاده.
عسى الله أن يحفظ لهذه البلاد أمنها ودينها الذي هو سر تميزها ووحدتها مهما تآمر العابثون، وخطط المتآمرون. والله الموفق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved