* وهل هناك شرٌّ هو أشرُّ، من العدوان على الأنفس البشرية، بقتلها، أو ترويعها..؟!
* وهل هناك أشرارٌ هم أشرُّ، من شراذم محسوبة على الإسلام والمسلمين تندس بينهم، فتأكل وتشرب معهم، فتهدد أمنهم، وتروع جمعهم، وتخرب أرضهم، تسفك الدماء التي حرم الله..؟!
* ما بالنا.. كلما نزل بنا نازلة، هي من صنع وتنفيذ أفراد منحرفين من جمعنا، لجأنا إلى تغريب الأسباب، وتأويل الدوافع، وكأن الكل في ديارنا، إما مجانين معتوهين، أو أذناباً مأجورين، أو ملائكة منزهين..!
* منذ الحادث الإجرامي في الرياض قبل أعوام، ثم حادث الخبر، وأخيراً حادث التفجيرات المروعة في المجمعات السكنية بالرياض، وفينا نحن الكتاب، من يرفض الاقناع، بأن الفاعلين إنما فعلوا ما فعلوا، من عند أنفسهم، بقناعة تامة، وسابق إصرار وترصد كما يقولون في المحاكم، فهم أخذوا عن مراجع خاصة بهم، هي في معظمها، موغلة في التطرف والتشدد، الى حد رفض الآخر، سواء كان - هذا الآخر - مسلماً أو غير مسلم، سنياً كان أو غير سني، فما دام الآخر هذا يخالفهم في الرأي، فهو ليس معهم، وهو بالتالي ضدهم، وهو في نهاية الأمر، «علماني أو زنديق أو فاسق أو كافر»..! عليه أن يختار واحدة من قائمة الفرز الجاهزة لكل آخر، وعلى هؤلاء الغلاة المكفرين، أن يجمعوها في واحد إن أرادوا ذلك..! ما المانع..؟!
* المجموعات الارهابية التي نفذت عمليات العليا والخبر ونيويورك والرياض وغيرها، تتساوى في طريقة التعاطي مع الضد، الذي ليس بالضرورة أن يكون مسلماً، ومن نفس الطائفة بدليل واضح جلي هو: أن المجرمين القتلة الذين يرتكبون عمليات ارهابية في بلاد عربية، منذ العام 1979م وحتى اليوم، هم كلهم من طائفة واحدة معروفة، وارهابهم موجه الى أبناء الطائفة نفسها، والتصفيات الجسدية التي تتم في العادة، هي بينهم لا تخرج عنهم.
* المشكلة الأساس في هذا النهج الدموي الخطير، الذي اصبح يهدد المجتمعات الإسلامية في بلدانها، ويخرب على الأقليات الإسلامية في البلدان غير الإسلامية، هي في التلبس بالدين الإسلامي، وبالتالي، التلبيس على المسلمين أنفسهم قبل غيرهم، من الناس، فالارهابيون الذين يعمدون إلى العنف، بحجج واهية، ومقولات فارغة، لا يرتكبون جرائم جنائية عادية، إنما هم ينفذون مخططات ارهابية مرسومة، لها خلفياتها التنظيرية والفلسفية والمرجعية، ولها أهداف تبدو في بادئ الأمر وكأنها آنية، لدرء مفسدة، أو إزالة منكر في زعمهم..! لكنها ليست أكثر من وسائل للتمويه، فالنهاية معروفة.. سلطوية سياسية.. ولا شيء غير ذلك.
* هناك رموز شيطانية خبيثة، هي التي تشكل المنابع الفكرية المحركة للعمليات الإرهابية، أما الأدوات المنفذة، فهي تتساوى مع مراجعها في الجرم الكبير الذي يهدد البلاد، ويروع العباد.. إذ لا يعقل أن ننظر إلى هكذا جرائم ارهابية، على أنها جرائم جنائية، او في مستواها، ولأن أفراد مثل هذه العصابات، هم في الأساس، من الراشدين المكلفين أمام القانون، وهم يجاهرون بما يعتقدون، ويعملون بالذي هم به مقتنعون.. إذن ما فائدة التقليل من شأن مثل هذه الأفعال الإجرامية، ووصف القتلة مرة بالشبان المغرر بهم، ومرة أخرى، بتبعيتهم لدوائر خارجية، أو بعمالتهم لأطراف معادية.. إلى غير ذلك.. وكأننا نحاول عدم التصديق، أو تهوين الأمر على فظاعته، أو تبرير الفعل على شناعته..!
* ما الفائدة من هذا الأسلوب السلبي، في التناول اليومي، لظاهرة الإرهاب، الذي أضحى بيننا عياناً بياناً..؟!
* أصبح المنظرون والمفتون لعمليات الإرهاب، معروفين جيداً عندنا، وكذلك أتباعهم ومريدوهم، والمؤتمرون بأمرهم.. فهؤلاء وهؤلاء وأولئك، ليسوا غرباء عن الأرض والمجتمع، الذي يستهدفونه بفعالهم المشينة، فمن بين «19» إرهابياً، نفذوا العدوان على المدن الأمريكية في «11 سبتمبر 2001م»، هناك «15» سعودياً، ومن بين «19» إرهابياً خططوا لعمل ارهابي في الرياض، ثم نفذوه فيما بعد، هناك «17» سعودياً، ووراء هؤلاء وأولئك، مراجع غير خفية، تؤمن بهذا الأسلوب التدميري، وتحرض عليه، وتشيد بمنفذيه، وتعدهم بالجنة كل حسب ما يحصد من رؤوس..!
* أين الغرر فيما سبق وما لحق، وأين هي القوى الخفية العجيبة، التي تلوي بنادق المجاهدين، فتتحول برصاصها، من صدور أعداء الأمة، إلى صدور مجموع الأمة..؟!!
* كل ما في الأمر، أن هناك أخطاء جسيمة في التكوين الثقافي العام، وفي التأطير العلمي والسلوكي، من سني الطلب، إلى ما شاء الله، فما نراه ونلمسه اليوم، هو التلبس بالدين الحنيف، حتى أمسى القتل والتدمير والتخريب، والعمل على شيوع الفتن، من متطلبات الجهاد في عرف شواذ الأمة، فهم الذين يختبئون عادة، وراء نصوص دينية، يقرءونها بطريقتهم الظلامية، فيفهمونها فهماً رغبوياً خالصاً، لا علاقة له بالواقع، فيبنون على ذلك، مواقفهم من الآخرين، حكاماً ومحكومين، ويوغلون في القراءات الخاطئة، والأفهام الغالطة، حتى يولغوا في الشر كله، وحتى يظهر من أمرهم، أنهم إنما يختطفون الدين، وأنهم يختزلونه في أشخاصهم وحدهم، وهذا هو الأساس الذي بنت عليه القاعدة مشروعها الإرهابي، وبنى عليه «ابن لادن» أحلامه، وهو بناء مرحلي، يقود إلى أهداف بعيدة، لا تخفى على كل ذي فهم.
* أعود ثانية إلى الموقف العام من الارهاب والارهابيين، وأقيس هنا على الحادث الإجرامي الأخير في الرياض، فإذا كان الناس كلهم - بحمد الله وفضله - ضد الشر وأهله، فرأينا كيف استنكروا هذا المنكر علماء ووجهاء وأدباء وكتاباً، ومثقفين ومفكرين، ومسؤولين ومواطنين، إلا أن هناك من سعى عامداً متعمداً الى التسويغ والتسويق.. بل التأييد المطلق، مثلما رأينا من بيان الثلاثة الذين سموا أنفسهم شيوخاً، فوقفوا طائعين مختارين في صف القتلة..! وغير هؤلاء من المحسوبين على العمل الإسلامي، شعراً أو نثراً أو تنظيراً، في حين أن جوهر الإسلام، والعمل به، لا يقر الارهاب، ولا يسكت على ارهابيين. وهناك أطراف أخرى، رأينا كيف شطت في سرد القصص والروايات المختلفة، إما ل«التسلية»..! أو لصرف الأنظار عن لب المشكل، أو لأمور لا يعلمها إلا علام الغيوب..! وقد تذكرت مع سردياتها السامجة هذه، تلك المقولات والتفسيرات، التي صاحبت أو أعقبت تفجيرات «11 سبتمبر»، ومنها قضية ال«4000» يهودي..! هذه كلها من المضحكات، ولكنها من نوع، شر البلية ما يضحك..!
* هناك إذن «أزمة تفكير»، خلقها «الخطاب التكفيري من هؤلاء الشاذين»، الذي مارس عبر سنوات طويلة - وما زال- إرهاباً «فكرياً نفسياً شمولياً»، لم يدع حاكماً او محكوماً، إلا وقد وسمه بما يريد هو لا الموسوم بطبيعة الحال، فالناس يمسون على ما هم عليه، حتى إذا أصبحوا، وجدوا أنفسهم هكذا أشتاتاً.. أشتاتاً، بين «كافر أو مشرك، وفاسق أو زنديق، وعلماني أو حداثي.. أو آخر عليه ملاحظات..»، الى آخر قائمة الترهيب الفكري النفسي، الذي مثل مرحلة سبقت ومهدت للارهاب «البدني الدموي»، مثلما رأينا في الرياض والخبر، ثم المثال القاعدي في نيويورك، ثم العمل الإجرامي مؤخراً في الرياض..؟!
* ويبقى بعد ذلك سؤال: هل هذا الارهاب الذي رأيناه رأي العين، هو بضاعة مستورة..؟ بمعنى، أن هناك في خارج الحدود، من يُنظّر ويخطط ويوجه، وأن هنا في داخل الحدود، من يستجيب لذلك فينفذ..؟!
* إذا كان هذا هو المقصود بالتغرير، وهو ما تردد في الخطاب المصاحب لحوادث ارهابية سبقت، ثم تكرر مع مخطط وحادث الاشقياء ال«19»، فمصيبتنا والله عظيمة، لأن البيئة الاجتماعية التي تستجيب للتخريب، هي بيئة «رغوية» رخوة، غير سوية، وهي بالتالي غير وطنية، وخطرها قائم، ما لم يعد حرثها من جديد، بما يتناسب وحاجتها للإصلاح، من كافة جوانبها..!
* القول ب«الغرر والتغرير»، كان يقول به بعضهم، وظل يقول به بعضهم، وكنت - أنا - إلى بعض الوقت، مع «بعضهم» هذا، لكني اليوم، أرى عكس ذلك تماماً.
* أرى.. أن حادث المخطط الإجرامي الأخير في الرياض، هو الذي ينبغي أن يكون نقطة البداية، في فهم تركيبة «التفكير»، الذي هو ضحية من ضحايا «التكفير» في المفهوم العام، الذي غطى بطغيانه وجبروته، كافة مظاهر الحياة للفرد، حتى قنوات المعرفة اليومية، أصبحت من المحرمات، إلا ما اجازه فقه التكفير لدى هؤلاء المجرمين..!
* الأشقياء ال«19» ، وما أحدثوه من جرم، هم ومن سبقهم من أولئك الذين رضوا ان يكونوا أدوات تخريبية، وقنابل ارهابية، او من قد يأتي بعدهم هنا أو هناك، هم أس الإجرام وجذره وكله.. هم وكل من نظر لهم، أو خطط، أو حفز، او دعم وشجع، أو رأى وسمع وسكت، أو فرح قلباً أو قالباً.. الكل أمام هذه الفضيحة الشنعاء، مجرم حقير، يضع نفسه في صف الارهابيين، لا فرق بين كبير أو صغير، أنثى أو ذكر، فليس هناك من «غرر» يستر الفضيحة، ولا «غِرار» يمحو العار، بل هو «شررٌ» يأتي من «أشرار»، ونار تحرق أهلها قبل الدار..!
* نسألك اللهم.. السلامة من كل أذى، والعافية من كل شر.
fax 027361552
|