Saturday 17th may,2003 11188العدد السبت 16 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
الحقُّ أَبلج
عبدالرحمن صالح العشماوي

تعاني البشرية من سوء الفهم، وانحراف التصور، والتباس الحق بالباطل يعادل أضعاف معاناتها من مشكلات الحياة الأخرى، فالنوازل، والزلازل، والأعاصير والحوادث المتعدِّدة التي يتعرَّض لها الناس أمورٌ محتملةٌ عندهم لأنها جزء من طبيعة الكون والحياة الدنيا التي نعيش فيها، أمَّا انحراف التصوّر والتباس الأمور، وسوء الفهم فهو كارثة كبرى لأنَّه يوقع الناس في خنادق عميقة ملتهبة من القلق والخوف والارق، وانشقاق الصفوف بطريقة تقضي على الأمن والاستقرار، وتعرِّض الإنسان وحقوقه وحياته للضياع.
كلّنا نعيش على وجه الأرض راضين بما يجري فيها من الحوادث التي يقدِّرها الله سبحانه وتعالى، مع اختلاف النيَّات والأهداف، ومستوى الصبر والاحتساب اختلافاً نابعاً من اختلاف عقائد الناس ودياناتهم ومذاهبهم، والبشر جميعاً يستقبلون الجانب المؤلم من الحياة على أنه جزءٌ من طبيعة الحياة الدنيا الزائلة.ولكنَّ البشر جميعاً يتّفقون على أن الأعمال المقلقة جداً، إنما هي أعمال الاعتداء والتخريب، وتعمُّد القتل للناس انطلاقاً من سوء فهم للحياة، أو انحرافٍ في التصوُّر تجاه موضوع أو قضية أو فئة، أو التباس الحق بالباطل في أذهان الذين يجيزون لأنفسهم الاعتداء والقتل والتدمير بناءً على حجج واهيةٍ، أو تصوُّرٍ منحرف.ذلك لأن هذه الأعمال تأتي - غالباً - مفاجئةً مخالفةً للتوقعات، وذلك فهي تُحدث من الألم، والأسى، والقلق والخوف ما يعدُّ خطراً كبيراً على قلوب الناس وعقولهم.
إنَّ المسلم الحقَّ لا يضطرب أمام المواقف والأشخاص والفئات، ولا يخرج عن إطار تعاليم الإسلام «الصحيحة» الثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حينما يواجه المخالفين له، أو يصادم أعداءه والمحاربين له، إنَّ صور المواجهة للباطل وأهل الباطل المحاربين للإسلام واضحةٌ فيما تقرَّر من آياتِ الجهاد الذي لا يقوم - أبداً - على تجاوز الحدِّ في مواجهة العدو، ولا على وسائل الخداع والختل، وترويع الآمنين من البشر.
هنالك ساحاتٌ معروفة للقيام بواجب الجهاد حيث يقابل المسلم القوة بما يستطيع إعداده من القوة، والعِداء بما يناسبه من العداء، والمقارعة في الميدان بما يناسبها من الشجاعة والصمود والمرابطة والمصابرة.
وساحات الجهاد محكومة بضوابط شرعية واضحة قرآناً وسنة، فلا اعتداءَ فيها على امرأةٍ، أو طفلٍ، أو شيخ كبير، أو عابدٍ زاهدٍ منعزل عن الناس في خلوات عبادته ولا مجال في هذه الساحات المضيئة للظلم، والاستسلام الكلِّي للغضب، ونزوة النفس، والانتصار الشخصي القائم على التعصُّّب الأعمى.هذا الانضباط في ساحات الجهاد، فكيف بالمدن والقرى الآمنة، والتجمُّعات البشرية التي لا علاقة لها باشتعال الحروب في ميادين القتال؟
ونحن نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه قد تألموا كلَّ الألم حينما رأوا في أُحد حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ممَّزق الجسد أمامهم، ورأوا قتلى المسلمين في المعركة، فدفعهم ذلك - غضباً - إلى أن يتوعَّدوا المشروكين بوعيد شديد، ولكنَّ ذلك لم يحدث لأن الله سبحانه وتعالى أرشد رسوله، وأصحابه إلى التعامل الصحيح مع مثل هذا الموقف.
يقول تعالى في سورة النحل: {واذا عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين <126>واصبر وما صبرك الا بالله ولاتحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون}.
يقول ابن كثير: يأمر تعالى بالعدل في القصاص، والمماثلة في استيفاء الحق.
هكذا يعلِّمنا الإسلام كيف نتعامل مع البشرية كلّها في الحرب والسلم، ويزيل عن عقولنا وقلوبنا ما قد ينالها من غشاوة الغضب والحزن والألم، موضحاً أن العدل مطلوب في كل الحالات.
نعم، نحن - المسلمين - نرى في هذا العصر ما نراه من ظلم أعدائنا لنا، ومن مصادرتهم لحقوقنا، ومن إهدار دماء كثير من المسلمين في فلسطين والعراق وغيرهما من بلا المسلمين، ونشاهد - مشاهدة مباشرة - مظاهر من التهاون بدماء الأبرياء والضعفاء من المسلمين، كلُّ ذلك نراه ونسمعه، وينالنا بسببه الألم الشديد، والحزن العميق، والغضب الملتهب، ولكنَّ ذلك كلَّه لا يجيز لنا أن نتجاوز حدود ما شرع الله لنا في التعامل مع هذه المآسي، ونحن على يقين أنه ما من مسلمٍ يفهم دينه فهماً صحيحاً يمكن أن يحيز لنفسه التخريب وترويع الآمنين، فذلك بعيد عن أخلاق المسلم الذي يعرف حدود شرع الله، ويطيع ربَّه، ويتَّبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم يروي البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شُجَّ يوم أحد، فقال: كيف يفلح قومٌ شجوا نبيهم، فنزل قوله تعالى: {ليس لك من الامر شيء او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون} ويقول ابن كثير في معنى الآية: ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم.
فإذا كان هذا التوجيه القرآني الواضح في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموجّهاً إليه فكيف بغيره من المسلمين.
أين الفقه الصحيح في الدين وتعليماته وتشريعاته من نفوس أولئك الذين يميلون مع رغبات النفس حيث تميل.
إنَّ انتهاك حقوق الناس، وترويع الآمنين منهم، وإهدار دمائهم جريمةٌ نكراء، وتزداد هذه الجريمة نكارةً حينما تحدث في بلدٍ آمنٍ مطمئن تنتشر فيه روح المحبة والمودة بين المسلمين، ويُعَدُّ مأوى المسلمين ومهوى أفئدتهم، ويحتضن من الخير والعلم، والفقه والفضل، والشعور بآلام الآخرين ما يجعله صدراً حنوناً لهم، أعني به بلادنا الغالية، مهبط الوحي ومقر المشاعر الطاهرة، وأرض الكعبة والحرم المكي والمسجد النبوي.
لا شك أنها جريمةٌ لا تقع إلا من قومٍ عميت بصائرهم عن الحقِّ مهما كانت جنسياتهم أو معتقداتهم.
إننا بحاجة إلى أن نفكِّر تفكيراً صحيحاً - عكس ما يريد لنا أعداء الإسلام - فنزيد من خدمتنا لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تدريساً وتربيةً، وتوجيهاً، وتوعيةً لا تنقطع لأن ذلك هو الذي سيدفع عنا سوء الفهم وانحراف التصوُّر.
إشارة:


فشتَّانَ ما بين المجاهدِ صامداً
يُرابط في صبرٍ وما بين قاتلِ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved