Saturday 17th may,2003 11188العدد السبت 16 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأسئلة الحائرة.. لماذا هذا؟ ولماذا هنا؟ ولماذا الآن؟ الأسئلة الحائرة.. لماذا هذا؟ ولماذا هنا؟ ولماذا الآن؟
سعوديون في كل مكان ومجتمعنا الذي لا يقبل القسمة
د. علي بن شويل القرني (*)

نحن في المملكة العربية السعودية شعب واحد، ويربطنا مصير واحد.. فنحن نعيش مع بعضنا البعض، ونتعامل مع كل واحد منا بكل حب واحترام وتقدير.. نحن سعوديون في المدرسة، وسعوديون في الجامعة، وسعوديون في الطرق، وعلى كافيهات الأرصفة، وفي الأسواق، وفي الداخل والخارج، وفي كل مكان.. نقف مع بعضنا البعض في السراء والضراء، في مناسبات الفرح والتعازي، في رحاب المساجد وقاعات المحاضرات، في مشاهدات كرة القدم ومسابقات الثقافة ومهرجانات الترفيه.. نحن سعوديون عندما نتصفح أوراق صحفنا، ونطالع شاشات التلفزة ونستمع إلى اثير الإذاعات.. نحن سعوديون ولدنا على هذه الأرض، وترعرعنا في أحيائها وقراها ومدنها، وتتلمذنا على أساتذة ومشايخ وآباء وأمهات.. نحن سعوديون عندما نفكر، وعندما نتصرف، ونعمل، ونجتهد، ونواجه شتى مجالات الحياة.. نعم نحن سعوديون.. في كل كلمة نتفوه بها، وكل سلوك نتصرف به، وكل لحظة زمن نعيش فيها..
لا يوجد مجتمع في هذا العالم المعاصر يعيش وحدة وطنية أفضل مما نعيش في هذا الوطن، ولا يوجد شعب على هذه الأرض يترابط أبناؤه مثلما نحن مترابطون، متكاتفون في حياتنا.. لقد جمعتنا عقيدة، ووحدنا مصير، وربطنا مكان، وعشنا مع قيادة تؤمن بثوابتنا، وتكرس مفاهيم وحدتنا، وتنظم ملامح عيشنا، فإذا نظرنا إلى من حولنا من أقصى غرب الأرض إلى أقصى شرق الأرض، ومن أصقاع الجليد شمالاً إلى أصقاع الجليد جنوباً يظل وطننا فوق كل الأوطان، وأرضنا فوق كل قداسات الأرض، وقيادتنا الأحرص بين كل قيادات العالم..
هذا الكيان الكبير الذي يحتل مكانة بارزة في خارطة العالم، لم يكن شيئاً مذكوراً قبل حوالي مئة عام، بل كان شتاتا من القبائل المتفرقة، والهجر المتناثرة في كل مكان.. لم نكن نستظل سوى بالشمس، ولم نكن لنفترش سوى أراضينا الصعاب من صحارى وجبال وسهول وأودية.. لم تكن لقمة العيش في متناول كل فرد منا، ولكن إذا امتلكها أعطاها لمن هو حوله قبل أن تمتد يده إلى فمه.. نعم كنا نعيش في حياة صعبة ومعيشة ضيقة.. وتحولنا اليوم والحمد لله إلى حياة أفضل ومعيشة أرقى.. وظل داخلنا إحساس العمل مع بعضنا البعض، والتكاتف مع الأخ والجار والقريب.. وظل داخلنا شعور المسؤولية العامة قبل المسؤولية الخاصة، وظل داخلنا شعور أننا أسرة واحدة.. وجماعة واحدة.. وشعب واحد..
ما حدث مساء الاثنين الماضي في رياضنا الغالية، وداخل أحيائنا الحميمة، ومن أبناء جلدتنا لم نفهمه، ولم ندركه، ولم يكن حتى في مخليتنا البعيدة.. ما حدث هو غريب بكل صفات الغرابة التي نتخيلها، وشائن بكل ألوان القبح التي نتصورها، ودخيل بكل الصفات الطفيلية التي نستظهرها.. ما حدث كان يفوق الوصف والتخيل، ويمثل القبح والتشرذم.. وينأى بشخصيتنا السعودية العربية المسلمة عن هذا السقوط الشنيع، وهذا الإسفاف الأخلاقي، وهذا التردي الشخصي.. الذي تمثل في هذا العمل.. وهذه الكارثة.. وهذه الملامة الكبرى التي تواجهنا..
نحن السعوديين نتبرأ من هذا العمل إن حدث في دولة أخرى، وفي مجتمع آخر، ولأسباب أخرى، وتبريرات أخرى.. فما بالنا وهذا يحدث بيننا، وفي مجتمعنا، وداخل بيتنا، على أرضنا.. وليت هذا حدث بأشخاص من غيرنا ومن عناصر لم نعرفها، ومن شباب لم نسمع بهم.. ولكن - وهذه هي الكارثة الكبرى - هذا قد حدث منا، ومن شبابنا، ومن أفراد عاشوا بيننا، وتعاملنا معهم، وعايشناهم، وأكلنا وشربنا معهم، وأكلوا وشربوا معنا.. إننا أفراداً وجماعات، شعوباً و قبائل، نساءً ورجالاً، صغاراً وكباراً، نتبرأ من هؤلاء.. ونتبرأ من سلوكيات هؤلاء، ومن أهداف هؤلاء، ومن فكر هؤلاء، و من مخططات هؤلاء.. وقبل أن نتبرأ منهم، ها هي أسرهم قد تبرأت منهم، هؤلاء آباؤهم يتبرؤون منهم، وها هي أمهاتهم يتبرأن منهم، وها هم اخوانهم يتبرؤون منهم، وها هي اخواتهم يتبرأن، وها هي جماعاتهم، وأنسابهم، وجماعاتهم وقبائلهم يتبرؤون منهم.. وها نحن في مجتمعنا العربي السعودي المسلم نتبرأ من هؤلاء.. ومن سلوكياتهم، ومن تصرفاتهم، ومن تخبطاتهم..
وعلى الرغم من فداحة الكارثة، إلا أننا نظل منتصرين على هذه الظروف، متفوقين على تداعياتها، متعالين على جروحها، ومتباهين بوحدتنا وتلاحمنا وتعاضدنا وتكتلنا جنباً إلى جنب مع قيادتنا ووطننا ومؤسساتنا ومواطنينا.. نعم نحن من انتصر في هذه الظروف، ونحن من تفوق على هذه الأحداث..
ولنسأل.. ما الذي كان يريده هؤلاء؟ وما الذي كانوا يتوقون تحقيقه؟ وما هي تبريراتهم التي يحتكمون إليها؟ وبكل صراحة لم نجد منطقاً يستقيم في حججهم، ولم نجد تبريراً واحدا يعتقل إليه إنسان عاش وتشرب في هذه الأرض وتحت سقف بيتنا الكبير، وعائلتنا السعودية.. لقد كان هؤلاء يسعون إلى تمزيق هذه الأمة ونحن نسعى إلى وحدتها، كانوا يسعون إلى تفتيت تلاحم هذا الوطن ونحن نسعى إلى تعاضده وتلاحمه، كانوا يسعون إلى بعثرة مصالح هذه البلاد ونحن نسعى إلى تعزيز مصالحه وتطوير قدراته، كانوا يسعون إلى بعثرة أوراقنا الوطنية ونحن نسعى إلى جمعها.. كانوا يسعون إلى هدم مقدراتنا التنموية ونحن نسعى إلى بناء وتقدم وتطوير بلادنا، كانوا يسعون - ربما من حيث لا يعلمون - إلى تطويق بلادنا بدول وقوى عالمية ونحن نسعى إلى انفكاكنا من تأثير هذه القوى وخروجنا من صراعات المنطقة، كانوا يسعون إلى بذر الشك والريبة في عقول الناس ونحن نسعى إلى زرع الخير والتفاؤل والحب والوئام بين أبناء هذه البلاد.
نعم هم أرادوا أن يغيروا كل شيء ليصبح هذا الوطن لبنان الحرب الأهلية وأفغانستان الطوائف والمذاهب وشيشان التدمير، ويوغسلافيا التقسيم، وجزائر القتل والإرهاب.. هذا ما يريدونه لنا، وهذا ما يحاولون تحقيقه في بلادنا، وهذا ما يتوجهون له في كل صغيرة وكبيرة يتصرفون بها.. هذا ما يريدونه لنا..
يريدون أن يفرقوا بين القيادة والمواطنين.. ونحن حريصون على تلاحم القيادة والمواطن، يريدون أن يفرقوا بين المواطن والمقيم في هذه البلاد ونحن نريد أن نكون بمسؤولية العربي المسلم في تعامله مع الآخرين.. يريدون أن يفككوا مصالحنا الوطنية ونريد أن تظل هذه المصالح فوق كل اعتبار.. وبمستوى كل المسؤوليات..
بكل المقاييس الإسلامية والعربية والوطنية يعد هذا العمل غدراً بنا، وغدراً بأمننا، وغدراً بوحدتنا، وغدراً بقيمنا.. لقد أرادوا أن يكون الغدر سبيلاً للتعامل، والغدر طريقاً للتفاهم، والغدر ديدنا لحركة الفكر والسلوك لديهم.. ولكن سنظل بإذن الله حريصين أشد الحرص على بلادنا، ومخلصين كل الإخلاص لوطننا، ومؤمنين بعقيدتنا وقيمنا وقدرنا في التاريخ العربي والإسلامي والإنساني.. والله يحفظنا عن شرور الآثمين، وعن خطايا الحاقدين، وعن شكوك المغرضين.. فبالله نحن قمنا، وبه نستعين.. وعلى دروب الشريعة السمحة نحن مستمرون.. بإذن الله تعالى..

(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved