* س: - جرى جدل عنيف في رحلة /بِّرية/ حول حديث «خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقبرة البقيع وصلاته على أهل القبور في البقيع وأنه أنبَّ عائشة رضي الله عنها لما تبعته» وسؤالنا ما هو الفرق بين الغيرة والتجسس..؟ وهل صح هذا الحديث؟
محمد بن علي الحربي / ضيف الله بن محمد الجهني / مطلق بن زيد بن مطلق الجهني (المدينة المنورة) / بكر بن عمر بن سالم عرمان فلاتة. / سعيد بن مسفر بن سعيد الحربي.
* ج: - الفرق بين الغيرة والتجسس. أن الغيرة حالة طبيعية تحدث بين: الزوجين، وبين الرجل وولده وبين الأم وبناتها خوفاً عليهم وعليهن، والغيرة سببها موجب الحذر مما قد عساه يقع ما يسوء على الزوج أو الزوجة، أو الولد، أو البنت من أمر أو أمور أحياناً قد تكون شرعية كخوف وحذر الزوجة أن يتزوج عليها زوجها أو خوف وحذر الزوج على الزوجة من رفقة سيئة أو رؤية ما لا يجوز مما هو محرم فيجرفها هذا إلى الانحراف وقيسوا عليه.
والغيرة إذا لم تتجاوز الحد الصحيح لها فهي حسنة وطيبة لأنها تنبني عن شرف ونخوة وأصالة وشعور بالمسؤولية متى ما كانت طبيعية وغلفتها الحكمة والرؤية وحسن الظن.
لكن إذا زادت عن حدها وتعدت مرادها الطبيعي الصحيح أصبحت مرضاً موجعاً للطرفين معاً فيكون الأمر هنا سيئاً جداً فتصير الحال من مجرد الغيرة إلى الشك ذاته، ثم إلى التجسس فيهلك الزوج والزوجة بسبب سوء تصرف أحدهما تجاه الآخر من شك ومتابعة وترصد إلى كره ونفرة إلى تحقيق، وقد يتعدى الأمر إلى الضرب وقذف التهم خاصة إذا كان البيت سيئاً من جراء سوء التربية الباكرة أو لوجود أسباب دافعة للسوء كمجلات الجنس/ والشعر الهابط
/ والروايات المنحطة/ سلوكاً/ وأدباً/ ووصفاً/ وعرضاً/ إلى الفضائيات وصحبة السوء وقد يسبب هذا الطلاق وتمزق البيت والذرية.
وهذا قد ينقل أحد الزوجين إلى مرض نفسي متقطع أو مرض نفسي دائم، فإذاً هُناك فرق بين الغيرة والتجسس، وكلما كان المرء معتدلاً واقعياً ذا عقل وبعد نظر وسعة بطان وحسن خلق جرَّه هذا مع التقوى وصحة التوحيد وبناء الأخلاق إلى وضوح الرؤية والغيرة المحمودة المطلوبة.
أما ما جاء في السؤال فإن الذي أوردتموه هو معنى الحديث مختصراً وإلا فهو صحيح وأصله هكذا كما في صحيح /مسلم/ رحمه الله تعالى قال: (وحدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا عبدالله بن وهب أنا ابن جُريج عن عبدالله ابن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعتُ عائشة تُحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني؟ قلنا: بلى.) وأورده مسلم بلفظ آخر بسند آخر قال: (وحدثني من سمع حجاجاً الأعور واللفظ له )قال ابن لحيدان( أي للحجاج من رواية مسلم عنه (ثنا حجاج بن محمد ثنا ابن جريج أخبرني عبدالله رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوماً: ألا أحدثكم عني وعن أمي..؟ فظننا أنه يُريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟ قلنا: بلى.).
قال ابن لحيدان: وأصل الحديث بطوله هكذا: (ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟ قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي التي هو عندي انقلب فوضع نعليه عند رجليه وبسط طرف ردائه على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أني قد رقدت. ثم انتقل رويداً، وأخذ رداءه رويداً، ثم فتح الباب رويداً وخرج رويداً، وجعلتُ درعي في رأسي، واختمرتُ وتقنعت إزاري، وانطلقت في أثره حتى جاء /البقيع/ فرفع يديه ثلاث مرات، وأطال ثم انحرف فانحرفتُ فأسرع، فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر وأحضرت وسبقته فدخلت فليس إلا أني اضطجعتُ، فدخل، فقال: مالك يا عائشة حشياً رابية..؟ فقالت: لا، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير..؟ قلت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فأخبرته الخبر قال: وأنت السواد التي رأيت أمامي. قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ثم قال: أظننت أن يحيف اللهُ عليك ورسولهٌ قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله). الحديث بطوله عند مسلم وغيره، فقد جاء في عدة روايات صحيحة.وبهذا يتبين أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت ذات غيرة فبيَّن لها النبي صلى الله عليه وسلم مسلكها، وأنه خرج للدعاء لأهل البقيع وليس لجارتها أمهات المؤمنين، وهذه الغيرة محمودة خاصة على مثل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان على طريقته من أهل العلم والحفظ والفهم والتقوى والصلاح فالمرأة الحرة العاقلة الأمينة تغار على مثل ذلك بحد محدود من /العقل والحكمة والدين وسلامة النية/ وأعظم ما يمكن جذب الزوج إليه: دينها/ وخلقها وأمانتها ونزاهتها وقوة شخصيتها بعدل وفطنة وتجمل دائم وتلطف وحسن معشر، ومن أحسن ما يمكن جذب الزوجة ؟؟ الدين والرحمة وقوة الشخصية اللطيفة المركزة والسخاء حتى تشعر الزوجة بالأمن والسعادة وأنها في بيتها ترعاه وتصونه وتخرج جيلاً صالحاً واعياً مدركاً ما له وما عليه.
|